يُقال عن مزمور 116 أنه أحبّ المزامير عند اليهود بعد مزمور 23. وهو من ضمن المزامير الستة التي يُطلَق عليها مزامير التهليل وهي من مزمور 113–118.

وتُحدِّثنا هذه المزامير عن خلاص شعب الله من عبودية فرعون في مصر. ويحدِّثنا كاتب مزمور 116 عن نجاته وخلاص الرب لنفسه من تجربة قد مرَّ بها كادت تؤدّي به إلى الموت. وهذا واضح عندما يقول:
"اكْتَنَفَتْنِي حِبَالُ الْمَوْتِ. أَصَابَتْنِي شَدَائِدُ الْهَاوِيَةِ. كَابَدْتُ ضِيقًا وَحُزْنًا. وَبِاسْمِ الرَّبِّ دَعَوْتُ: [آهِ يَا رَبُّ نَجِّ نَفْسِي] ... لأَنَّكَ أَنْقَذْتَ نَفْسِي مِنَ الْمَوْتِ وَعَيْنِي مِنَ الدَّمْعَةِ وَرِجْلَيَّ مِنَ الزَّلَقِ..." (ع 3–8) لذلك يتغنّى كاتب المزمور قائلًا: "مَاذَا أَرُدُّ لِلرَّبِّ مِنْ أَجْلِ كُلِّ حَسَنَاتِهِ لِي؟ كَأْسَ الْخَلاَصِ أَتَنَاوَلُ وَبِاسْمِ الرَّبِّ أَدْعُو. أُوفِي نُذُورِي لِلرَّبِّ مُقَابِلَ كُلِّ شَعْبِهِ." (ع 12–14) وكأنه يقول: الذي خلّصني من موت محقّق وأرجع لي الحياة والراحة ومسح لي دموعي وفرّح قلبي... ماذا أردّ له؟
ونحن الذين نتمتّع ببركات الخلاص وبكل بركة روحية في السماويات في المسيح يسوع، ماذا نردُّ للربّ؟ نحن نتذمّر ونشكو أكثر من أن نشكر كما كان بنو إسرائيل يفعلون!
ونفعل ما فعله هذا الرجل الذي كان يسير حافي القدمين، فقال له أحدهم بوجوب تقديم الشكر لله، فأجابه: "أشكر ربّنا على إيه؟ ده حتى أنا أسير حافي القدمين لا حذاء في رجليَّ!" ومضى الرجل في طريقه بعيدًا عن روح الشكر، وإذا به يرى في الطريق رجلًا مبتور القدمين، عندئذ صرخ على الفور قائلًا: أشكرك يا ربّ! أنا بدون حذاء ولكن غيري بدون قدمين على الإطلاق! أشكرك يا رب ألف شكر.
دعونا نكفّ عن التذمّر ونعدّد إحسانات الرب شاكرين، وليكن لنا شكر ليس بالكلام فقط بل بالعمل معبّرين عن ذلك بالأمور التالية:

أولًا: أَعْطِه حياتك بالكامل

تناول منه كأس الخلاص، كما يقول المرنم "كأس الخلاص أتناول." نقرأ في إنجيل لوقا 15:17–19 عن عشرة برص طهّرهم الرب فذهبوا في طريقهم... لكن "وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَمَّا رَأَى أَنَّهُ شُفِيَ رَجَعَ يُمَجِّدُ اللهَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ شَاكِرًا لَهُ. وَكَانَ سَامِرِيًّا فَقَالَ يَسُوعُ: «أَلَيْسَ الْعَشَرَةُ قَدْ طَهَرُوا؟ فَأَيْنَ التِّسْعَةُ؟ أَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَرْجِعُ لِيُعْطِيَ مَجْدًا لِلَّهِ غَيْرُ هَذَا الْغَرِيبِ الجنس؟ ثُمَّ قَالَ لَهُ: «قُمْ وَامْضِ. إِيمَانُكَ خَلَّصَكَ.»
يقول الرب لكل واحد: "يا ابني، أعطني قلبك ولتلاحظ عيناك طرقي." إن أعظم تعبير عن شكرك للرب هو أن تعطيه قلبك وتسلّمه حياتك بالكامل، لأنه أعطاك حياته على الصليب.

ثانيًا: لا تبخل عليه بوقتك

تكرّرت كلمة "أدعو" ومرادفاتها في هذا المزمور خمس مرات في الأعداد 1، 2، 4، 13 و17 وإن دلّت هذه الكلمات على شيء إنما تدلّ على التضرّع والصلاة بحسب العددين 1 و2 فيقول: "أَحْبَبْتُ لأَنَّ الرَّبَّ يَسْمَعُ صَوْتِي تَضَرُّعَاتِي. لأَنَّهُ أَمَالَ أُذْنَهُ إِلَيَّ فَأَدْعُوهُ مُدَّةَ حَيَاتِي." كما أن المزمور كلّه يُعتبر صلاة رفعها المرنم شاكرًا لأجل خلاصه. فالتعبير العملي عن شكرنا للرب هو أن نعطيه من وقتنا في خلوة شخصية معه، ونقضي معه وقتًا خاصًا، نسمع صوته في الكتاب المقدس ونُسْمِعُه صوتَنا في التسبيح والصلاة، وفي العبادة الجماعية في الكنيسة مع جسد المسيح. "أدعوه مدة حياتي." (ع 2) نكون في تواصل مستمر معه رافعين أياديَ طاهرةً وقلوبًا شاكرة كل يوم.

ثالثًا: أشكره بمالك

كما يقول المرنم: "أوفي نذوري للرب مقابل كل شعبه." كما أن الوقت الذي نقضيه مع الرب يعبّر عن شكرنا له كذلك العطاء هو تعبير حقيقيّ وحيويّ عن شكرنا للرب. "لأن منك الجميع ومن يدك أعطيناك." (1أخبار 14:29) لم تعطِ حنة مالًا للرب بل أعطته ابنها قائلة: "وأنا أيضًا قد أعرته للرب. جميع أيام حياته هو عاريةٌ للرب." (1صموئيل 28:1) تعبيرًا لتكريس صموئيل للرب وتعبيرًا لشكرها للرب الذي أعطاها صموئيل.
خبرٌ مرّ مرور الكرام في أواخر شهر يوليو 2015 مصدره ولاية ألاباما ويقول: "تمّ الإبلاغ عن المواطنة "هيلين" بتهمة السرقة من سوبرماركت... وعندما حضر الشرطي "دنيس" لاعتقالها وجد أن ما سرقته خمس بيضات، وقالت له: إنها لم تأكل منذ يومين هي وعائلتها. عندها قرّر الشرطي عدم اعتقالها بل على العكس تمامًا اشترى لها سلّة بيض كاملة ثم أخذها إلى منزلها. وبعد يومين عاد الشرطي "دنيس" ومعه زميله بسيارتين محمّلتين بالطعام من تبرعات جمعها إلى منزل "هيلين" التي قالت له: "إنك لا تحتاج أن تفعل لي كل هذا يا سيدي!" فكان ردّ الشرطي دنيس: "إننا لا نحتاج إلى القانون أحيانًا بقدر ما نحتاج إلى الإنسانية."
أليس هذا فعل من أفعال الشكر العملي، أن نساعد الآخرين في ضيقتهم وظروفهم الصعبة، كما أوصانا الرب يسوع: "لأنه بما أنكم فعلتم بأحد إخوتي الأصاغر فبي فعلتم أيضًا." وماذا تردّ للرب من أجل كل حسناته لك؟ سلّمه حياتك، لا تبخل عليه بوقتك، وأكرمه واشكره بمالك.

المجموعة: أيار (مايو) 2022