ثلاثة امتيازات ثمينة يمكن لكل مؤمن أن يتمتّع بها. بل يجب أن توجد في حياة كل من عرف الرب يسوع المسيح مخلّصًا وربًا له. ونحن نراها في بيت مرثا ومريم ولعازر في قرية بيت عنيا المجاورة لأورشليم.

"ثُمَّ قَبْلَ الْفِصْحِ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ أَتَى يَسُوعُ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا، حَيْثُ كَانَ لِعَازَرُ الْمَيْتُ الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ. فَصَنَعُوا لَهُ هُنَاكَ عَشَاءً. وَكَانَتْ مَرْثَا تَخْدِمُ، وَأَمَّا لِعَازَرُ فَكَانَ أَحَدَ الْمُتَّكِئِينَ مَعَهُ. فَأَخَذَتْ مَرْيَمُ مَنًا مِنْ طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ، وَدَهَنَتْ قَدَمَيْ يَسُوعَ، وَمَسَحَتْ قَدَمَيْهِ بِشَعْرِهَا، فَامْتَلأَ الْبَيْتُ مِنْ رَائِحَةِ الطِّيبِ." (يوحنا 1:12-3) ولنتأمل الآن في هذه الأشياء الثلاثة:

أولاً: كانت مرثا تخدم

يا له من شرف عظيم أن نخدم الرب. وهو الذي قال: "... أنا بينكم كالذي يخدم." (لوقا 27:22) فهو أعطانا مثالاً لكي نتبع خطواته. ما أجمل وعده إذ قال: "إن كان أحد يخدمني فليتبعني، وحيث أكون أنا هناك أيضًا يكون خادمي. وإن كان أحد يخدمني يكرمه الآب." وهل هناك إكرام أعظم من إكرام الآب للمؤمن؟ لماذا نتكاسل في الخدمة؟ لماذا نبطئ ونؤجّل؟
نتعلّم مما جاء في لوقا 41:10 أن مرثا كانت تهتم جدًا بإكرام الرب حتى أن الرب قال لها ليطمئنها: "أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة ولكن الحاجة إلى واحد." قد يقول أحدنا: ليس عندي مواهب بها أخدم الرب.
اهدأ واطمئن أيها المؤمن... يمكنك أن تخدم الرب إذ تخدم المؤمنين. "لأن الله ليس بظالم حتى ينسى عملكم وتعب المحبة التي أظهرتموها نحو اسمه، إذ قد خدمتم القديسين (أي المؤمنين) وتخدمونهم." (عبرانيين 10:6) هناك احتياجات كثيرة يمكنك أن تساهم فيها مثل العناية بالفقراء وتشجيع الحزانى والضعفاء. "الديانة الطاهرة النقية عند الله الآب هي هذه: افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقتهم، وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم." (يعقوب 27:1) ما أجمل ما جاء في لوقا 38:6 "أعطوا تُعطَوا، كيلاً جيّدًا ملبّدًا مهزوزًا فائضًا يعطون في أحضانكم." أي لا تحتاج أن تسعى وراء المجازاة، بل ستُعطى لك بدون أن تتعب للحصول عليها.

ثانيًا: وأما لعازر فكان أحد المتكئين معه

يا له من امتياز ثمين أن نتكئ مع الرب يسوع المسيح ونصغي لكلامه. كان لعازر متكئًا مع الذي أقامه من بين الأموات. ألم يقمنا الرب من الموت الروحي؟ لماذا لا نصغي له ونقضي معه وقتًا طويلاً في الاستماع له. وهو الذي شهد له العسكر قائلين: "لم يتكلّم قط إنسان هكذا مثل هذا الإنسان!" (يوحنا 32:7 و45-46) وجاء عنه في المزامير أن النعمة انسكبت على شفتيه (مزمور 2:45). أقول بكل أسف أن كثيرين من المؤمنين في أيامنا هذه لا يقضون وقتًا كافيًا في الاستماع لكلام الرب. والبعض يظنون أن الدراسة الجدية لكلام الله هي مسؤولية الراعي أو المبشّر، أي مسؤولية خدّام الرب فقط. إن إهمال دراسة كلام الله هو السبب الأساسي للانقسامات بين المؤمنين. ليت القارئ العزيز يتأمل فيما جاء في مزمور 119 الذي يتكوّن من 176 آية، منها 170 آية تتكلّم عن الفوائد التي نجتنيها من دراسة الكتاب المقدس. فهو سراج لأرجلنا ونور لسبيلنا. هو أحلى من العسل وقطر الشهاد. يغسلنا من تلوّثنا بما في هذا العالم، كما أنه سلاحنا الروحي، وهو خيرٌ لنا من ألوف ذهب وفضة. هو هذا كلّه وأكثر من هذا. أرجو أن تخصّص وقتًا كافيًا لقراءة هذا المزمور، كما لباقي الكتاب المقدس. إنك لن تندم أبدًا إذا فعلت ذلك.

ثالثًا: فأخذت مريم منًا (أي 0،75 رطل) من طيب ناردين خالص كثير الثمن، ودهنت قدمَي يسوع، ومسحت قدميه بشعر رأسها، فامتلأ البيت برائحة الطيب.

هذا يذكّرنا بما قالته عروس النشيد: "ما دام الملك في مجلسه أفاح نارديني رائحته." لقد خدمت مرثا، وقد استمع لعازر إلى حديث الرب، أما مريم فنجدها عند قدميه. ونحن نجدها عند قدمي يسوع كل مرة نتقابل مع الرب (انظر لوقا 39:10؛ يوحنا 3:12 و32:11). لقد سكبت الطيب الكثير الثمن على قدميه، ومسحتهما بشعر رأسها.
نتعلّم من 1كورنثوس 15:11 أن شعر المرأة الطويل هو مجد لها. ولكن مريم وجدت فرحها وافتخارها عند قدمي يسوع. وما أجمل نتيجة عملها هذا: "فامتلأ البيت من رائحة الطيب." حقًا، ما أسعد البيت الذي شعاره حبّ المسيح. ليت بيوتنا تمتلئ من رائحة المسيح الذكية المفرحة والمقوّية. عندئذ تنتهي الخلافات والمخاصمات. وستتنشّق أفراد الأسرة رائحة المسيح الذكيّة، إذ يصبح هو بحقّ "رئيس المنزل."

تعليقات مهمة:

1- أكثر شيء يقاومه إبليس عدوّنا، هو السجود القلبي للرب يسوع المسيح. هدفه أن يكون السجود له هو. بعد أن صام المسيح أربعين يومًا أراه إبليس ممالك الأرض ومجدها. "وقال له: [أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي.]" (انظر متى 8:4-9)

2- لم تدافع مريم عن نفسها، لا في هذه المرة ولا في أية مرة أخرى، لأنها لم تطلب مجدها، بل مجد الرب يسوع المسيح. وفي هذا لنا درس ثمين في تعاملنا مع الآخرين سواء كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين.

3- لنا في هذه الحادثة دليل قوي على لاهوت المسيح. كان الرب يسوع يعلم أن التلاميذ سيتركونه، فقال لهم: "هوذا تأتي ساعة وقد أتت الآن تتفرّقون فيها كل واحد إلى خاصته وتتركونني وحدي." (يوحنا 32:16) ولكنهم في نفس الوقت سيرجعون إليه وأنهم سينشرون بشارة الخلاص لكل العالم. ليس ذلك فقط، بل إن ما عملته مريم سيُخبّر به، شهادة لها. وهذا هو ما حدث بالتمام وما زال يحدث. وكذلك نرى دليلاً على لاهوته في قوله لسمعان بطرس أنه سينكره ثلاثة مرات، وبالرغم من ذلك أوصاه قائلاً: "وأنت متى رجعت ثبّت إخوتك." وفعل بطرس ذلك، بل في يوم الخمسين قاد حوالي 3 آلاف شخص يهودي إلى الإيمان بربنا يسوع المسيح. حقًا نقول: ما أعجبك وما أعظمك أيها الرب يسوع! أنت المسيح ابن الله الحي. ليتبارك اسمك إلى أبد الآبدين. آمين.

المجموعة: أيار (مايو) 2022