كتب لي صديقي غير المسيحي يقول: لماذا تعبدون الصّليب، فهذا كفر ووثنيّة؟

كان هذا كلامه بالحرف الواحد. وأعترف بأني لم أتوقَّع أن يصف إيماني بالكفر والوثنيّة.
كتبت لصديقي الجواب التّالي: أشكرك عزيزي جمال على سؤالك، وصلاتي أن يصلك ردّي وأنت تنعم بالصّحة والسّلام.
نحن كمسيحيين نؤمن بإله واحد ونحبّه كما أوصانا ربّنا يسوع المسيح في الإنجيل المقدّس قائلًا: "الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. وَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ. هذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى. وَثَانِيَةٌ مِثْلُهَا هِيَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. لَيْسَ وَصِيَّةٌ أُخْرَى أَعْظَمَ مِنْ هَاتَيْنِ". (مرقس 29:12-31).
ملاحظة: كلمة "قريبي" لا تشير إلى القريب بالمعنى العائلي، بل تشير إلى أيِّ إنسان في الوجود، كما وضّح الرّب يسوع في مثل السّامري الصّالح. (اقرأ المثل في لوقا 25:10-37)
فنحن يا صديقي نحبّ الله، ونحبّ جميع النّاس بدون تمييز. ولذلك أقول لك بأنني أحبّك كأخٍ في الإنسانية، وكصديقٍ عزيزٍ على قلبي.
ونحن يا صديقي نعبد الله، ولا نعبد الصليب، بل نتّخذ من الصليب شعارًا للمسيحية، ونفتخر به، وذلك كما نقرأ في الوحي المقدّس: "وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ". (غلاطية 14:6)
وسبب اتخاذنا الصليب شعارًا لنا هو لأن ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح قد مات على الصليب حتّى يفدينا ويكفّر عن خطايانا بدمه الّذي سفكه على الصّليب من أجل خلاص العالم أجمع، بمن فيهم أنت وأنا يا صديقي العزيز.
نحن نؤمن يا صديقي أنّه بدون الصّليب لا يوجد خلاص، ولا يوجد بالتالي غفران لخطايا الناس، ولن يدخل أي إنسان إلى السماء. فخلاص العالم أجمع يعتمد على موت الرّب يسوع المسيح من أجلهم على الصليب.
واسمح لي يا صديقي أن أقدّم لك هذا المثل لتوضيح وتبسيط كلامي:
إذا ارتكب شخص ما جريمة قتل، ثم أُلقي القبض عليه وجرت له محكمة، وأثناء انعقاد جلسة المحكمة توجّه المجرم إلى القاضي قائلًا: "يا سيادة القاضي، اعترف أمامك وأمام جميع الحضور بأنني إنسان مجرم، وبأنني فعلًا ارتكبت جريمة القتل، ومع ذلك فإنني التمس منك أن تسامحني على جريمتي، وأن تحكم عليّ بالبراءة، وأُعاهدك بأنك لو برّأت ساحتي وأطلقت سراحي، فإنني لن أعود ثانية إلى ارتكاب أي جريمة أخرى."
فهل نعتقد يا صديقي جمال بأن القاضي سيطلق سراح هذا المجرم؟ أم أن على القاتل أولًا أن يدفع ثمن فعلته وهي السجن أو حتى الإعدام في بعض دول العالم؟
أعرفُ سلفًا يا صديقي جمال بأن جوابك سيكون بأن على القاضي أن يحكم بالعدل، وأن يحكم بعقاب المجرم بالسّجن أو الإعدام، وإلا لعمّت الفوضى، وامتلأت الشّوارع بالمجرمين والقتلة. وهكذا يا عزيزي جمال، فإن كان القاضي البشري الأرضي يعاقب المجرم، فكيف بالحري الله الدّيّان والقاضي العادل؟
إن المنطق يقول بأن الإنسان الخاطئ يستحقّ العقاب، وإن تقدَّم أي إنسان إلى الله مصلّيًا وطالبًا غفران الخطايا، فإن ذلك الإنسان لن ينال الغفران بدون أن يدفع أولًا ثمن خطاياه.
ولو قلنا إن الله رحيم ويغفر الخطايا بدون أن يعاقب الشرير، فإننا بذلك ننفي عن الله صفة الحق والعدل. فيجب أولًا أن يعاقب الله الإنسان الخاطئ، وبعد ذلك تتمّ رحمته إن أثبت استحقاقه للرحمة.
وبما أن كل إنسان في عالمنا خاطئ، فإن كل إنسان يستحق العقاب والموت.
نقرأ في الكتاب المقدّس عددًا كبيرًا من الآيات عن عقاب الخطيّة، أذكر منها: "لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ." (رومية 23:6) "اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ." (حزقيال 4:18) "بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ." (رومية 12:5) "بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ." (عبرانيين 22:9)
وهكذا يا صديقي، كل إنسانٍ خاطئ يستحقّ عقاب الموت الأرضي، ثم العقاب الأبدي في جهنم النّار والكبريت. ولا يستطيع أي إنسان أن يأخذ عقاب إنسانٍ آخر لأن كل الناس في عالمنا خطاة. وعندما جاء الرّب يسوع المسيح البار والقدوس إلى عالمنا، وهو الوحيد الكامل الذي لم يرتكب أية خطية، ولم يكن مستحقًا للموت. ولكن لفرط محبته للعالم، ارتضى طوعًا أن يأخذ على عاتقه خطايا كلّ العالم، وأن يموت على الصليب ويحمل على جسده عقاب خطايا العالم.
فنحن كلّنا خطاة ونستحقّ الموت، ولكن الرّب يسوع المسيح مات بدلًا عنّا، وكانت هذه هي الطريقة الوحيدة التي أظهر بها الله محبَّته ورحمته للعالم أجمع بموت المسيح على الصليب نيابةً عنا.
لأننا إن لم نؤمن بهذه الحقيقة السماوية فلا يمكن أن تحصل مغفرة للخطايا.
أجل، علينا أن نؤمن أن الرب يسوع المسيح لم يمتْ بسبب جرمٍ ارتكبه بل مات ليكفِّر عن خطايانا.
نعم، إن آمنا بهذه الحقيقة السماوية، فعندها فقط ننال رحمة الله وغفرانه. بكلمات أخرى: لقد جاء الرّب يسوع المسيح إلى عالمنا من أجل خلاص العالم من الخطية ومن نار جهنم، وذلك بموته على الصليب وسفك دمه من أجلنا.
فإن آمنّا بهذا الإعلان السماوي، ننال غفران خطايانا والحياة الأبديّة مع رب المجد في السّماء، ولكن إن رفضنا هذا الحق، فسيكون مصيرنا عذاب جهنَّم النار.
فماذا تختار يا صديقي جمال؟

المجموعة: أيار (مايو) 2022