"الحقّ مش عليّ... الحقّ على الظّروف... الحقّ على الغير... الحقّ على أهلي وتربيتي...

الحقّ على الكنيسة أو البلد... الحّق على الله... الله خلقني هيك!"

تبرير الذّات
منذ بدء الخليقة والإنسان كلّما أخطأ يلوم أيّ شيءٍ إلّا نفسه. طبعًا، كثيرًا ما تُعاكسنا الظّروف وتقسو علينا وكثيرًا ما يُخطئ الآخرون بحقّنا، لكنّنا لا نستطيع أن نستمرّ كلّ حياتنا ونحن دائمًا نلوم ما يُحيط بنا بدون أن نلوم نفوسنا على خياراتنا وقراراتنا وتصرّفاتنا وأخطائنا.
أخطأ آدم قديمًا في الجنّة، وأكل من الثّمرة الممنوعة مخالفًا الوصيّة بإرادته. وعندما سأله الله عن تصرّفه تحجّج آدم قائلًا: "الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْت". فهو ألقى اللوم على حوّاء زوجته، لا بل أيضًا ألقاه على الله الذي أعطاه هذه الزّوجة! ثم عندما سأل الله حوّاء، كان جوابها هي أيضًا "الْحَيَّةُ غَرَّتْنِي فَأَكَلْتُ". إذًا بالنّسبة إلى الأبوين الأوّلين، المسؤوليّة تقع أوّلًا وأخيرًا على الله، الذي خلقهما وخلق الحيّة... طبعًا لم يقبل الله جوابيهما بل اعتبرهما مسؤولين وعاقبهما.

نظرتنا مقابل نظرة الرّبّ
ونحن اليوم ما زلنا نكرّر الأمر نفسه تمامًا إذ نبرّر نفوسنا في كلّ أخطائنا وعيوبنا، علمًا أنّ الرّبّ يحمّلنا مسؤوليّة خطايانا وخياراتنا الخاطئة، ويدعونا للتغلّب عليها. وخطايانا كثيرة ونستعرض بعضها:
الغضب: نحن دائمًا نجد الأعذار لنبرّر غضبنا وصراخنا وعصبيّتنا وكلّ ما يرافق ذلك من كلماتٍ جارحةٍ أو بذيئةٍ ولكنّ الرّبّ يعلّمنا "اِغْضَبُوا وَلاَ تُخْطِئُوا... لأَنَّ غَضَبَ الإِنْسَانِ لاَ يَصْنَعُ بِرَّ اللهِ". إذًا نحن مسؤولون أن نقاوم الغضب. "لِيُرْفَعْ مِنْ بَيْنِكُمْ كُلُّ مَرَارَةٍ وَسَخَطٍ وَغَضَبٍ وَصِيَاحٍ وَتَجْدِيفٍ مَعَ كُلِّ خُبْثٍ."
الزّنى والشهوة: الزّاني دائمًا يبرّر فعله بأنّ الطّرف الآخر أغواه، أو أنّ شريك الحياة ينغّص عليه حياته، أو أنّ الدّعاية البذيئة ظهرت أمامه بالصّدفة على الكمبيوتر، إلخ... ولكن الحقيقة هي أنّ "كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إِذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ." ونحن مدعوّون لنهرب من الشّهوات الّتي تحارب النّفس. إذًا نحن مسؤولون أن نهرب ولا نتواجد في مواضع تعرّضنا إلى التّجربة.
الكذب: نبرّر نفوسنا ونستخفّ بالأمر، بحجّة أنّنا اضطُرِرنا للكذب أو أنّها كذبةٌ بيضاء. ولكن الرّبّ يقول صريحًا: "لِذلِكَ اطْرَحُوا عَنْكُمُ الْكَذِبَ، وَتَكَلَّمُوا بِالصِّدْقِ كُلُّ وَاحِدٍ مَعَ قَرِيبِهِ."
الرشوة: قليلون يعتقدون أنّ الرّشوة خطيّة، والكتاب المقدّس يقول صريحًا: "وَيْلٌ للَّذِينَ يُبَرِّرُونَ الشِّرِّيرَ مِنْ أَجْلِ الرُّشْوَةِ، وَأَمَّا حَقُّ الصِّدِّيقِينَ فَيَنْزِعُونَهُ مِنْهُمْ." ويبارك الّذي "لا يأخذ الرّشوة على البريء". ولكنّ الإنسان يُرتشى طمعًا بالرّبح السّهل وتماشيًا مع ما يفعله الآخرون بدون أن يفكّر أنّ الأمر خطيّة.
الفتور الرّوحي: نلوم عليه المؤمنين أو الكنيسة أو الرّاعي. لكنّ الحقيقة أنّ المؤمن، لو مهما حصل معه، لا يفتر إلّا بسبب الخطيّة. عليه أن يفحص قلبه ويرجع إلى محبّته الأولى. يُعاتب الرّبّ الفاتر: "لكِنْ عِنْدِي عَلَيْكَ: أَنَّكَ تَرَكْتَ مَحَبَّتَكَ الأُولَى. فَاذْكُرْ مِنْ أَيْنَ سَقَطْتَ وَتُبْ". ونسأل: لماذا هذا التهرّب من المسؤوليّة دائمًا؟
هناك سببان على الأقل وهما:
 الخوف من العقاب: وهو عاملٌ أساسيٌّ فنحن نخاف عندما ندرك أنّنا أخطأنا خطأ فادحًا وعواقبه سيّئة جدًّا. لذا ننكر مسؤوليّتنا ونُحاول تبرئة أنفسنا لكي لا ندفع الثمن علمًا أنّ المبدأ الإلهيّ ينطبق على الجميع. "فإنّ ما يزرعه الإنسان إيّاه يحصد أيضًا... لأَنَّ مَنْ يَزْرَع لِجَسَدِهِ فَمِنَ الْجَسَدِ يَحْصُدُ فَسَادًا، وَمَنْ يَزْرَع لِلرُّوحِ فَمِنَ الرُّوحِ يَحْصُدُ حَيَاةً أَبَدِيَّةً". لا مجال للهروب من هذه المعادلة. نحاول أن "نلفّ وندور" كما نقول بالعاميّة لكنّنا سندفع ثمن أخطائنا عاجلًا أم آجلًا.
 الكبرياء والحفاظ على صورة البِرّ: الإنسان لا يُحِبّ أن يعترف بضعفه وسقوطه بالخطيّة وعجزه عن مواجهة الآخرين، لذا يبدأ إلقاء الملامة يمينًا ويسارًا ليبرّر نفسه. نحن نحرص أن نُظهِر أنفسنا بأفضل صورةٍ في عيون النّاس. كبرياؤنا تدفعنا لإخفاء الأمر بدل معالجته والتخلّص منه وإصلاح ما أفسدناه والتّعويض عنه. كبرياء الإنسان سببٌ أساسيّ لخراب نفسه.

الخلاصة: يجب أن نقتنع بصدقٍ وحتميّةٍ بقول الرّبّ: "أَنْ لَيْسَ مَكْتُومٌ لَنْ يُسْتَعْلَنَ، وَلاَ خَفِيٌّ لَنْ يُعْرَف". لننتفض ونغيّر طرقنا الملتوية. نحتاج أن نبدأ بالتّواضع والاعتراف بضعفنا وخطئنا. الأمر يتطلّب جرأةً معيّنةً ومواجهة الواقع أمام الله والناس. لماذا؟
لكي نكون صادقين ونتصالح مع الله، ومع الآخرين ومع أنفسنا. أيضًا لكي نحترم ذواتنا وإلّا سنبقى نحتقر نفوسنا.
لنُنَقّي ضميرنا فلا يجوز ملامة الغير عندما يكون الخطأ يخصّنا.
لننال الغفران من الله "إنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ."
وأيضًا لتكون لنا بدايةٌ جديدةٌ وانطلاقةٌ سليمةٌ نحو الانتصار وبالتّالي لننال رضى العليّ.

المجموعة: كانون الأول (ديسمبر)2023