كان قائد فرقة الترنيم المُتعب يستعدّ لمغادرة المكان عندما سمع صوت ولدٍ يغنّي خارج الكنيسة في سويسرا. دعاه وسأله: ما اسمك؟

- اسمي مارتن لوثر
- من علّمك الغناء؟
- لا أحد
- تعال يا ابني يوم السبت وتمرّنْ معنا!
وكتب مارتن لوثر فيما بعد، الموسيقى عطيّة الله، وهي تحرّكني للوعظ والعبادة. وبينما نحن في أجواء الميلاد، نقرأ على صفحات الكتاب المقدّس كلمات التسبيح والترنيم من ثلاثة أجيال من النساء القدّيسات.

1- تسبيحة الشابّة مريم العذراء المباركة (لوقا 46:1-55)
في أنشودة العذراء عدّة أسماء للربّ هي: الله، مخلّصي، القدير، قدّوس. ونرى مريم تشبّعت بكلمة الله فاقتبست مما ورد في تسبيحة حنّة أم صموئيل (1صموئيل 5:2)، فقالت، "أشبع الجياع خيراتٍ وصرف الأغنياء فارغين." ومن المزامير مثل (1:103، 17؛ 9:107، 41). ويمتلئ نشيد العذراء من التغنّي بصفات الله، فتحدّثت في الآية السابقة عن عطائه وخيره، كما أخبرت عن "رحمته إلى جيل الأجيال للذين يتّقونه"، وعن قوّته "صنع قوّةً بذراعه" شبيهًا بما ورد في (مزمور 1:98). وهذا المصطلح ساميّ يرد أيضًا في سفر إشعياء النبيّ، "لمن استُعلنت ذراعُ الربّ" (1:53)، ونستخدمه في لغتنا العربية. كما ذكرت المباركَة سيادة الله على الكلّ، "أنزل الأعزّاء على الكراسيّ ورفع المتّضعين"، ولم تنسَ أمانته لأنه حافظ الوعد، "كما كلّم آباءنا لإبراهيم ونسله إلى الأبد". ونلاحظ في ترنيمتها أنّها لم تطلب من الله شيئًا واحدًا، فهي ترنيمة عبادة وشكر. هذا روح الميلاد، لا أن نطلب الهدايا والثياب الجديدة لنا ولأولادنا وأحبابنا بل هو فرصة لتقديم العبادة لله، كما فعلت العذراء المباركة في تسبيحتها.

2- تسبيحة المرأة المتزوّجة أليصابات
(لوقا 42:1-45)
تخيّلوا معي لو كانت أليصابات تركّز على نفسها، كنا قرأنا سردًا لزيارة العذراء لها بما يشبه الآتي: أهلاً بكِ يا مريم، كم أنا مسرورة بزيارتك لأن عندي أخبارًا سارّة أشاركها معك. لقد حظِي عمّك زكرّيا بامتياز عظيم يشتهيه الكهنة، فوقعت القرعة عليه أن يدخل إلى هيكل الربّ ويبخّر. وهناك ظهر له ملاك الرب، نعم جبرائيل نفسه، وأخبره الملاك أن الله استجاب صلواتنا الكثيرة، وأنني سألد ابنًا يكون عظيمًا أمام الربّ، وسوف يمتلئ وهو في رحمي من الروح القدس. هل تريدين أن تسمعي القصّة كلها؟ في الحقيقة عمّك زكريا الآن أخرس، فالحديث مع الملاك جبرائيل ليس سهلًا، فمعنى اسمه "جبروت الله"، وأنتِ شابة صغيرة ولا يمكنك أن تتخيّلي صعوبة الموقف. ماذا؟ ظهر لك جبرائيل الملاك أيضًا؟
نشكر الله أن السرد السابق هو من نسج الخيال لِما كان من الممكن أن تفعله أليصابات لو كانت إنسانة عاديّة. فحسبما أورد لنا الطبيب لوقا، نرى أليصابات ترحّب بالعذراء وتباركها وتبارك ثمرة بطنها، وتشعر بامتيازها الشديد أن "أم الربّ" زارتها! وهذه أوّل تطويبة ترد في الإنجيل، "طوبى للتي آمنت أن يتمّ ما قيل لها من قبل الربّ." (الآية 45). لقد عرفت هذه السيّدة الحكيمة أنّ الشابة العذراء نسيبتها بحاجة إلى تشجيع في بداية طريقٍ شاق. سافرت مريم من الناصرة إلى مدينة يهوذا مسافة نحو 150 كم، وكانت هذه الرحلة تستغرق حوالي 3-4 أيام، ويذكر الكتاب أنّها "ذهبت بسرعة." هل نركّز في الميلاد على من يحتاج إلى زيارتنا ومساعدتنا؟ ربما امرأة أرملة أو شابة وحيدة أو عائلة فقيرة. فما أحلى ترحاب أليصابات بها وتقديرها لزيارتها. امتلأت أليصابات من الروح القدس، وهذا ما يفعله الروح فينا عندما يملأنا، يجعلنا نحبّ الآخرين ونركّز عليهم لنبنيهم ونشجّعهم عوضًا عن التركيز على ذواتنا.
جرت مسابقة لتقديم أفضل تعريف للصديق، وجاءت إجابات من مثل، "هو من يضاعف أفراحك ويقسم أحزانك" و"هو الساعة التي تدقّ من غير توقّف"، ولكن التعريف الذي فاز بالجائزة هو: "الصديق هو الذي يأتي إليك عندما يتركك العالم كله." هكذا كانت مريم التي أتت إلى أليصابات بعد أن أخفت نفسها عن العالم لمدة 5 أشهر، وهكذا كانت أليصابات التي أحبّت مريم وشجّعتها، فالعذراء ستحمل عارًا من المجتمع، أما أليصابات فقد نزع الربّ عارها بين الناس (لوقا 25:1)، وكلتاهما تترنّمان للربّ وتشجّعان الواحدة نسيبتها.

3- تسبيحة الأرملة العجوز حنّة النبيّة (لوقا 36:2-38)
حاول نيقوديموس أن يدافع عن يسوع في بداية سيره معه، فقال للفرّيسيين، "ألعلّ ناموسنا يدين إنسانًا لم يسمع منه أولًا ويعرف ماذا فعل؟" وجاءه الجواب الذي لا يخلو من السخرية، "ألعلّك أنتَ أيضًا من الجليل؟ فتّشْ وانظرْ، إنه لم يقمْ نبيٌّ من الجليل." (يوحنا 51:7-52) وكم كانوا عميانًا لا يعرفون الكتب، فالنبيّ يونان كان من جتّ عابر في ناصرة الجليل، وحنّة هي أيضًا نبيّة من سبط أشير الذي سكن الجليل أيضًا.
بحسب المفهوم البشريّ، حنّة امرأة قليلة الحظّ، مع أن اسمها يعني "نعمة"، فقد ترمّلت بعد 7 سنين فقط من زواجها، لكنّها اختارت أن تلتصق بالله وتعبده بأصوامٍ وصلواتٍ، وألّا تفارق الهيكل عشرات السنين. وكم كانت فرحتها عظيمةً عندما رأت الطفل يسوع في الهيكل مع أمه ويوسف، وعندها "وقفت تسبّح الربّ وتكلّمت عنه مع جميع المنتظرين فداءً." ما أروع هذه المرأة التي أحبّت الربّ وانتظرته، فأكرمها برؤية مسيحه. واهتمّ الطبيب لوقا كاتب الإنجيل أن يذكر لنا أن اسم أبيها هو فنوئيل، وهذا الاسم أطلقه يعقوب على الله قائلًا، "لأني نظرت الله وجهًا لوجهه.. وأشرقت له الشمس إذ عبر فنوئيل." (تكوين 30:32-31) لقد رأت حنّة مسيح الله وجهًا لوجهٍ في مجيئه الأول، ونحن ننتظر مجيئه الثاني لأننا سنراه كما هو. حنّة النبيّة مثال نحتذي به جميعًا، وهي تحثّنا على التمسّك بالربّ أكثر مع تقدّم أيّامنا، وتدعونا إلى تسبيحه مع باقي شعبه.
وأخيرًا، دعونا نتذكّر أنّ سفر المزامير يتوسّط كتابنا المقدّس، وهو مليء بالترانيم والتسابيح، فليجعل الرب حياة كل واحدٍ منا، في أي جيل كنّا، كحياة هؤلاء النساء الفاضلات، الشابة الصغيرة والمتزوجة الكهلة والأرملة العجوز، نرنّم ونسبّح بقلوب تقدّر ما عمله المسيح من أجلنا في مجيئه وصلبه وقيامته، وتعيش له حياة المحبة والطاعة.

المجموعة: كانون الأول (ديسمبر)2023