نحن جميعًا مثل موسى نريد أن نرى مجد هذا الإله الذي نعبده حيث لا يليق بنا أن نعبد إلهًا مجهولاً.

وهنا لا بد أن نعرف كيف كشف الله عن مجده في كلٍّ من العهد القديم والجديد.
ففي العهد القديم أعلن الله عن مجده لشعبه. فبعد خروج الشعب من مصر كشف الله عن مجده عندما قال الرب لموسى في خروج 1:24 "اصْعَدْ إِلَى الرَّبِّ أَنْتَ وَهَارُونُ وَنَادَابُ وَأَبِيهُو، وَسَبْعُونَ مِنْ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ، وَاسْجُدُوا مِنْ بَعِيدٍ. وَيَقْتَرِبُ مُوسَى وَحْدَهُ إِلَى الرَّبِّ، وَهُمْ لاَ يَقْتَرِبُونَ. وَأَمَّا الشَّعْبُ فَلاَ يَصْعَدْ مَعَهُ." لكن ماذا رأى الشعب؟ "وكان منظر مجد الرب كنارٍ آكلة على رأس الجبل أمام عيون الشعب..." (خروج 17:24)؛ "كان المنظر مخيفًا حتى قال موسى: أنا مرتعب ومرتعد." (عبرانيين 21:12) 
وهكذا في كل المرات التي ظهر فيها مجد الرب لا سيما في سفر العدد 14 و16 و20 كان يتراءى مجد الله من أجل القضاء والدينونة.
يقول الله في عدد 21:14-23 "ولكن حَيٌّ أَنَا فَتُمْلَأُ كُلُّ الأَرْضِ مِنْ مَجْدِ الرَّبِّ، إِنَّ جَمِيعَ الرِّجَالِ الَّذِينَ رَأَوْا مَجْدِي وَآيَاتِي الَّتِي عَمِلْتُهَا فِي مِصْرَ... وَلَمْ يَسْمَعُوا لِقَوْلِي، لَنْ يَرَوْا الأَرْضَ الَّتِي حَلَفْتُ لآبَائِهِمْ." 
وعندما تمرّدت جماعة قورح على موسى وهارون، نقرأ في عدد 19:16 "... فتراءى مجد الرب لكلّ الجماعة." "فلما فرغ (الرب) من التكلّم... انشقت الأرض التي تحتهم... وابتلعتهم وبيوتهم وكل من كان لقورح..."
كذلك في عدد 6:20 عندما لم يتوفر ماء للشعب ليشرب تذمّروا على موسى وهارون، فأمام خيمة الاجتماع تراءى مجد الرب وقال الرب لموسى: "خذ العصا... وكلِّما الصخرة... ولكن "رفع موسى يده وضرب الصخرة بعصاه مرتين..." فقال الرب... "من أجل أنكما لم تؤمنا بي حتى تقدّساني... فلا تُدخِلان هذه الجماعة إلى الأرض."
وهكذا نجد أنه عندما يتراءى مجد الرب لشعبه الخاطئ لن تكون هناك سوى الدينونة والقضاء. لكن ما أجمل الحلّ الإلهي في العهد الجديد كما نراه في يوحنا 1 حيث نرى أن الرب يسوع المسيح هو الوحيد الذي استطاع أن يحلّ تلك المعضلة حيث أعلن مجده للخطاة دون أن يقضي عليهم أو يدينهم ودون أن يتخلّى الله عن قداسته! ولأن الله لا يتغيّر، قال الرب يسوع للآب: "أيها الآب مجّد اسمك!" في مشهد الخطية وأعلنْ قضاءَك ودينونتك عليَّ أنا واحسبها عليّ! فأنا أوفي... وهكذا الله "جعل الذي لم يعرف خطية، خطية لأجلنا، لنصير نحن برّ الله فيه." (2كورنثوس 21:5) وذلك ليس بدون دم... "وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُول، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى الأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيًّا." (عبرانيين 12:9) فعلى أساس دم المسيح المرشوش على كل من يؤمن بالرب يسوع، أصبح المؤمن يدخل إلى محضر الله بل ويرى مجد الله! وهذا ليس إعلانًا بإيقاف قضاء الله ودينونته على الخاطئ لكنه يعلن أن قضاء الله على الخاطئ قد نُفّذ وتمّ.
وهكذا نرى في يوحنا 1 الأمر العجيب: لقد انتهى سفر الخروج 17:24 "وكان منظر مجد الرب كنارٍ آكلة" أمام الشعب. لكن يبدأ إنجيل يوحنا بالبداية العجيبة حيث يحكي عن قصة ميلاد المسيح ليس في أحداثها كما ورد في إنجيلي متى ولوقا، بل في معناها حيث يقول: "فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ." فالمسيح هو كلمة الله، أي المعبّر عن ذات الله "اَللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ." (ع 18) وهكذا في المسيح عرفنا من هو الله. فقد أُرسل إلى بطن المطوّبة وجعله بشرًا... "وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا... وَمِنْ مِلْئِهِ نَحْنُ جَمِيعًا أَخَذْنَا، وَنِعْمَةً فَوْقَ نِعْمَةٍ." (ع 14 و16) فأصبح مجده يتراءى ليس كنارٍ آكلة بل نعمة فوق نعمة. هذه هي النعمة التي طهّرت الأبرص، وشفت المرضى، وأقامت الميت، بل الأعظم أنها غفرت الخطايا، وأدخلت إلى محضر الله الآب والسكنى معه الله إلى أبد الآبدين. فما أمجدها نعمة التي تجري من شخص ربنا يسوع المسيح الذي هو كلمة الله، فهو الوحيد المتفرّد في كل شيء... فدخل العالم من بطنٍ لم يدخلها سواه وحُبل به بطريقة لم يدخلها غيره، وعاش على الأرض حياة لم يعشها أحد مثله، بل وصنع أعمالاً لم يعملها غيره، وعلّم تعاليم لم يعلّمها سواه، وأخيرًا صعد إلى السماء بطريقة لم يصعدها نظيره، فهو الكفء الذي أعلن لنا من هو الله... فبكى مع الباكين، وواسى وتفاعل وترفّق بالجميع... لذلك قال لفيلبس: "الذي رآني فقد رأى الآب." (يوحنا 9:14)
وبعدما أكمل العمل وصعد إلى السماء، فلكي يبقى "مجد الله يُرى" اختار أولادًا لله هم كنيسته الذين آمنوا به. فأصبح الله يعلن مجده للناس من خلال كنيسته - جماعة المؤمنين به – وصار هذا امتيازنا العظيم. لكنه مسؤولية عظيمة لأننا سنقوم من خلال سيِّدنا نُظهر مجد الله للناس بتصرّفاتنا فيروا فينا أعمالاً حسنة ويمجّدوا أبانا الذي في السماوات... وهكذا نصبح وسيلة إعلان لمجد الله! "أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعًا فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ." (2كورنثوس 19:5) وهكذا "وَنَحْنُ جَمِيعًا نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا في مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ." (2كورنثوس 18:3)

المجموعة: كانون الأول (ديسمبر)2023