تحدّثت أخت قديسة إلى أخيها وقالت: "يبدو لي وأنا أطالع الصحف وأتأمّل حوادث الأيام وأسمع أخبار وسائل الإعلام، أننا في بداية النهاية."

فابتسم أخوها وقال: "لقد بدأت النهاية عندما قام المسيح من الأموات، لكننا الآن نقترب جدًا من النهاية ذاتها." وهذا الكلام حقّ، فكل العلامات الحادثة تؤكد لنا أن مجيء الرب قد أصبح على الأبواب، وأن عالمنا يرقص على البارود، ويسير معصوب العينين إلى هاوية الظلام.
ولست من الذين يبنون اعتقادهم على رموز مكتوبة أو منقوشة على حجارة الأهرام، ولكنني أؤمن بالكلمة المقدسة التي قال فيها بطرس الرسول: "وعندنا الكلمة النبويَّة، وهي أثبت، التي تفعلون حسنًا إن انتبهتُم إليها، كما إلى سراجٍ منيرٍ في موضعٍ مظلم، إلى أن ينفجر النهار، ويطلع كوكب الصبح في قلوبكم." (2بطرس 19:1) فلنتقدَّم إذًا إلى مقادس الوحي لنتأمّل العلامات المؤكِّدة لاقتراب النهاية.

أولًا، الملك الطريد
في بداية العصر الرسولي، تحدّث المسيح إلى يوحنا في جزيرة بطمس فقال له: "هذا يقوله المُمسِك السبعة الكواكب في يمينه، الماشي في وسط السبع المناير الذهبية." وهذه الصورة ترينا السيد وهو يتمشّى في وسط كنيسته مباركًا إيّاها، وخدّامه الأمناء في حماية يده المباركة يطيعون كلمته، ويسيرون بإرشاد روحه، لكننا إذ نأتي إلى عصر كنيسة لاودكية، الكنيسة التي تمثّل الفوضى والكبرياء والارتداد، نرى المسيح وقد صار طريدًا من كنيسته، ويقول في أسف وحزنٍ: "هنذا واقفٌ على الباب وأقرع. إن سمِعَ أحدٌ صوتي وفتح الباب، أدخلُ إليه وأتعشّى معه وهو معي." لقد طردت الكنيسة ملكها، لأنها صارت غنيّة وقد استغنت، فاحتلّ رجالها المراكز الكبرى في الدولة، وأصبح تأثيرها السياسي تأثيرًا ملحوظًا، وفي إحساسها بعظمتها العالمية فقدت سيِّدَها ملكها بل طردته إلى خارج أبوابها... وهذه هي الصورة الكئيبة التي نلمسها اليوم في كنيسة العصر الحاضر، فالمسيح طريدٌ من كنائس الوقت الحاضر، لأجل ذلك امتلأت هذه الكنائس بروح الشقاق والشرّ وانجرفت مع تيّار العالم الأثيم.

ثانيًا، محبة المال
كتب بولس في رسالته الثانية إلى تيموثاوس يوضّح علامات اقتراب النهاية فقال: "ولكن اعلَمْ هذا أنه في الأيام الأخيرة ستأتي أزمنة صعبة، لأن الناسَ يكونون مُحبِّين لأنفسهم، مُحبّين للمال، مُتعظّمين، مُستكبرين، مُجدّفين، غير طائعين لوالديهم، غير شاكرين، دنسين، بلا حنوٍّ، بلا رضى، ثالبين، عديمي النزاهة، شرسين، غير محبّين للصلاح، خائنين، مقتحمين، متصلّفين، محبّين للَّذّات دون محبةٍ لله، لهم صورة التقوى، ولكنّهم منكرون قوّتها."
والمتأمّل في هذه الصورة يجد فيها أوصاف عصرنا البائس... فقد انمحَتْ معالم العاطفة الشريفة من قلوب الأبناء نحو آبائهم، وضاعت المشاعر الرقيقة التي كانت تربط الأسر والأفراد، وأصبح الناس يعيشون للمال واللَّذّات والمصلحة الشخصية، وقد جعلوا شعارهم الصلف والخيانة والكبرياء... ومع هذا فعالمنا عالم متديّن في الظاهر على الأقلّ، ينطبق على من فيه القول الجليل: "لهم صورة التقوى ولكنهم مُنكرون قوَّتها." ألستَ ترى يا صديقي القارئ هذه الصورة؟ ألستَ تراها في رجلٍ يعمل من الصباح إلى المساء في ثلاث أو أربع وظائف لكي يجمع المال، لا ليعيش ويأكل، لكن لكي يغتني ويتعظّم...؟! إن كانت هذه الصورة تؤلمك فاهدأ لأنه "هوذا الديّان واقفٌ قدّام الباب" ومجيء الرب قد اقترب.

ثالثًا، الاضطراب السياسي
عندما تكلّم المسيح - له المجد - عن علامات قرب مجيئه قال: "وعلى الأرض كرب أممٍ بحيرة." (لوقا 25:21) وهل يمكن أن ينكر عاقلٌ أن الأمم اليوم في كربٍ وحيرة؟ هذا دليل على قرب مجيء السيد الكريم. وإلى جوار هذه العلامات الواضحة نجد عدّة علامات أخرى، فالزلازل التي تحدث وتتّسع من يومٍ لآخر، وفوضى الأخلاق التي سادت كل أمم الأرض بلا استثناء، وانتشار مناجاة الأرواح بشكلٍ مُلفتٍ للنظر، والمجاعات، والأوبئة، كل هذه الأشياء تؤكد لنا كلمات الرسول الجليل: "وإنما نهاية كل شيء قد اقتربت، فتعقّلوا واصحوا للصلوات."

كيف نستعدّ للنهاية؟

1- بالحياة المتجدّدة
فبدون الحصول على اختبار الميلاد الثاني الذي يجدّد الحياة، لا يوجد في القلب رجاء، ولا يوجد أمل في الدخول إلى ملكوت الله، كما صرّح سيّدنا للعالِمِ اليهودي الفرّيسي قائلاً: "الحقّ الحقّ أقول لك: إن كان أحدٌ لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله."

2- بالحياة المقدسة
هذا ما طلبه بطرس الرسول فقال: "فبما أن هذه كلّها تنحلّ أيُّ أناسٍ يجب أن تكونوا أنتم في سيرةٍ مقدسّة وتقوى منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب." وهذا هو المطلب الذي نبّه عليه سيدنا قائلاً: "لتكن أحقاؤكم مُمَنطقة وسرجُكم موقدة، وأنتم مثل أناسٍ ينتظرون سيدهم متى يرجع من العرس، حتى إذا جاء وقرع يفتحون له للوقت." والسراج في الكتاب المقدس جاء كناية عن النفس. "نفس الإنسان سراج الرب، يُفتّش كل مخادع البطن." وجاء كناية عن العين "سراج الجسد هو العين، فإن كانت عينُك بسيطةً فجسدُك كلّه يكون نيِّرًا." وجاء كناية عن الحياة اللامعة فقيل عن يوحنا: "كان هو السراج الموقد المنير، وأنتم أردتم أن تبتهجوا بنوره ساعة." فالحياة المقدسة يجب أن تكون من الداخل والخارج، في الجسد والنفس والروح جميعًا.

3- بالحياة الخادمة
لقد سافر الإنسان (الملك) وترك وزناته في يد عبيده... والعبد الحكيم هو الذي يستخدم الوزنات لمجد سيده وزيادة أرباحه... "لذلك كونوا أنتم أيضًا مستعدّين، لأنه في ساعة لا تظنّون يأتي ابن الإنسان. فمن هو العبد الأمين الحكيم الذي أقامه سيِّده على خدمه ليعطيهم الطعام في حينه؟ طوبى لذلك العبد الذي إذا جاء سيّده يجده يفعل هكذا! الحق أقول لكم: إنه يقيمه على جميع أمواله. ولكن إن قال ذلك العبد الرديُّ في قلبه: سيِّدي يبطئ قدومه. فيبتدئ يضرب العبيد رفقاءَه ويأكل ويشرب مع السكارى. يأتي سيِّد ذلك العبد في يومٍ لا ينتظره وفي ساعةٍ لا يعرفها، فيقطِّعه ويجعل نصيبه مع المرائين. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان." (متى 44:24-50) فهل تتاجر بوزناتك أيها القارئ الكريم؟ أم أنت قد لففت وزنتك في منديل الكسل والإهمال؟ أو أخفيتها تحت مكاييل التجارة والمشغوليات العالمية؟ هل تعمل على إطعام قطيع الرب؟ إن خير طريقٍ للاستعداد هو الحياة الخادمة، حتى إذا جاء السيِّد لا يجدنا ونحن نعيش في حياة الكسل والخمول، بل نحيا في نشاط الخدمة لبناء ملكوته العظيم.
لقد نفى الإمبراطور دومتيان يوحنا الرسول لكي يُبعده عن كنيسته الحبيبة إلى قلبه، لكن السيد الرب كشف عن عينَي عبده الوحيد في بطمس فرفعه من الأرض إلى السماء، وفتح له خريطة المستقبل السعيد فأراه الكنيسة في مختلف مناظرها وأدوارها وعصورها، وأراه نهاية العالم البائس الذي يحيا بدون مسيح، وأراه الهاوية الملتهبة المعدَّة للأشرار وغير المؤمنين، وأراه أورشليم السماوية وهي مزيّنة بالمجد والبهاء، وقبل أن يتركه يعود إلى الأرض، ردّد له هذه العبارة الحلوة، التي هي معقد آمال الكنيسة في مختلف العصور:
"وها أنا آتي سريعًا وأجرتي معي لأجازي كلَّ واحد كما يكون عمله." وإذ شعر يوحنا بأن آخر صفحات إعلانات الله قد بدت أمامه، وأدرك أنه سيعود مرة أخرى إلى جزيرة بطمس، إلى أرض الوحدة والألم والعذاب، هتف من الأعماق مردّدًا وهو يسمع صوت سيده القائل "أنا آتي سريعًا": "آمين. تعال أيها الرب يسوع."
فهل لك الرجاء واليقين والحب الذي يدفعك أن تردّد هذا النداء؟!

المجموعة: حزيران (يونيو) 2023