الإنسان جزءٌ من العالم الماديّ وأحيانًا يتسامى فوقه، فيصير لغزًا متناقضًا لنفسه قد يصل إلى مستوى النُّبل وإنكار الذات أو يهبط دونه إلى قمّةِ الجشع والخطايا.

وتبقى الحياة حقيقة لا نفهمها بالأسانيد المنطقيّة بل بصحوة الضمير وقوّة الله.
والإيمان هو أعظم علاج للقلق والاكتئاب "يا ابني أعطني قلبك (إرادتك)، ولتلاحظ عيناك طرقي." بمعنى أن تلاحظ عيناك الله في ظروفك، وعلاقاتك، وتفكيرك، وتصرّفاتك، ومعتقداتك، ومستقبلك، وبدون الصلاة ستعيش كالزئبق طوال حياتك.
سألت معلمة مدارس الأحد تلامذتها: ما عساهم أن يفعلوا لو رأوا المسيح أمامهم؟ فقالت فتاة صغيرة: سأمسك بالكتاب المقدس وأعطيه للمسيح وأقول: "يا يسوع، هذه هي حياتك التي غيّرت حياتي." هذا يضع أمامنا تساؤلات عما جاء في إشعياء 22:41-23 يجيب عنها الله نفسه في إشعياء 24:44 و 1:45 و11.

أولًا: "ما هي الأوّليّات؟"
تتميَّز قصة الخلق في سفر التكوين - في أول جزء من الكتاب المقدس - بأنها تحمل مميّزاتٍ تفوق كلَّ أساطير الشعوب القديمة بالتأكيد على وحدانيّة الله وإنكار الشرك.
"الرب إلهنا ربٌ واحد." (تثنية 4:6) "الذي رآني فقد رأى الآب... أنا في الآب والآب فيّ." (يوحنا 9:14-10) "أنا والآب واحد." (30:10)
إن لله غاية روحية، والقصد منها شرح لاهوت الفكر الإلهي ومنطق ما وراء الطبيعة. لذلك تحيّر البشر في تحديد مدّة الخلق وعلّته. والآن نأتي إلى عبارة "في البدء خلق الله." (تكوين 1:1) فالخلق هو إعلان محبّة الخالق! هناك بدأ الوعد بأن نسل المرأة يسحق رأس الحيّة وملائكة تحرس محاولات الإنسان الساقط للرجوع إلى شجرة الحياة... وماذا لو لم يعصَ الإنسان؟! لكان يتمتّع في الأرض فقط ولم يفكّر في مسكن الله في السماء.
دار حديثنا على الهواء في الطائرة حتى قادنا إلى أن الله غير المُعلَن أو الذي لا يُظْهِر ذاته للبشر ليسَ إله كما قال المسيح: "والذي يحبّني يحبُّه أبي، وأنا أحبُّه، وأُظهر له ذاتي." (يوحنا 21:14). تكلّم مع آدم وحواء مع أنه "مُحتجَب" لا يعرف أحد أسراره ولا يدرك أفكاره، وظهر لإبراهيم والأنبياء، وعلى جبل سيناء (بإعطاء الوصايا العشر).
ثم قالت: "إن البسملتين في المسيحية والإسلام هما صورة طبق الأصل من بعضهما: الله (الخالق) الرحمن (الغافر والفادي الرحيم (المعزي)"، وأنتم تقولون: "الآب أب الخليقة، والابن في تنزيل كلمته "والكلمة صار جسدًا" في المفهوم الديني صورة الله والروح القدس هو البارقليط أي المعزِّي، فلماذا لم تذكر التوراة الثالوث بصراحة؟
قلت: لأن الثالوث الفرعوني ارتبط بعبادة الأصنام وثلاثة آلهة لتعظيم عبادتهم (خروج 7:32-8). الله خلق الإنسان على شبهه روحًا ونفسًا وكيانًا، أي يحسّ ويميّز ويتواصَل ويحبّ وله كل الصفات الحسنى... وقد ذُكر اسم المسيح في كتب جميع الأديان الموحّدة. في إشعياء 21:42-24 يكشف الرب عن غباوة المنحوتات والمسبوكات والأشباه المستحدثة بينما يؤكد وعده لأولاده في إشعياء 1:43-4، "فديتك " (الفداء)، "دعوتك" (الدعوة)، "أنت لي" (الامتلاك) و"أنتم الذين تؤمنون الكرامة (أي كريم لكم)." هل تعرف المسيح؟ وهل لك علاقة روحية معه؟

ثانيًا: ما هي المستقبلات؟ (إشعياء 26:41)
قال المهاتما غاندي عن المسيح أنه "أعظم الذين عاشوا على الأرض!" وقال آخر: "المسيح مركز ومحور كل التاريخ!"
لقد دفعت شخصيته الرفيعة البشرية نحو أفضل تفكير أخلاقي.
غزى العالم بالأدلّة القاطعة عن حياته وقيامته مما حوّل حياة إبراهام لنكولن من استحالة التأكّد من وجود إله إلى الإيمان بالمسيحية عندما قرأ الكتاب المقدس بعهديه وأدرك أنه موحى به من الله بما لا يمكن للمؤرخين اليوم أن ينكروا المسيح من الناحية التاريخية.
جال جوردون بيلي الخادم المتجوِّل الشوارع يطرق الأبواب ليبشِّر بالأخبار السارة عن المسيح. وفي مرّة استجاب أحدهم وفتح الباب وكان لا يتردّد على الكنائس ولا يؤمن بالمسيح، وبادره بيلي بأنه يريد أن يتحدّث معه عن أشهرِ رجلٍ عاش على سطح الأرض وأنه مات مصلوبًا، وهو الإنسان الوحيد الذي صنع التاريخ وشقّه نصفين، ولكنه ظهر حيًّا في اليوم الثالث. وإن بقاء الشعب القديم حيًّا (إشعياء 7:44) دليلٌ على صحّة الكتاب المقدس... وأن بقاء الكنيسة حتى اليوم (متى 18:16) رغمًا عن إبادة جماعات منها على مرِّ العصور لم تقلِّل من شأنها أو إثبات عدم صحّتها. إن حضور يسوع المتجسّد كان لاستعلان محبة الله وقدرته، ويخلق من لا شيء، ويتمّم قصده الأزلي مرتفعًا فوق شرّ الإنسان، ويملأ بالسلام كل الأرض فيتذوّق الإنسان مسرّة الله ونعمته.
"قصبة مرضوضة لا يقصف" (لا يرميها) "وفتيلة مدخّنة (دخان بلا نور) لا يطفئ". إن الله يعرف المستقبل والأخير من الأول.
عندما ذهب المرسلون إلى شمال إنجلترا دعاهم ملك وثني إلى وليمة، وبادرهم بالسؤال: لقد أتيت من حيث لا أدري ولست أعلم ما هي نهايتي بعد القبر، فهل لديكم إجابة لمعرفة ماذا بعد القبر؟ وبعد أن شرحوا له مسألة الموت والقيامة اعتنق المسيحية هو ومملكته.
استهزأ أحدهم بإيمان صديقه بالمسيح وسأله: هناك أكثر من شخص ادّعى أنه المسيح فكيف تتأكّد من هو الصادق؟ فأجابه: المسيح الحقيقي هو الذي قام من بين الأموات!


ثالثًا: ما هي الآتيات؟ (إشعياء 11:45) صلى أوغسطينوس مرة قائلًا: "خلصني يا إلهي من كل خطاياي، ولكن ليس الآن." وصارعه ضميره بشدة فصرخ: "خلصني يا إلهي من كل خطاياي ما عدا خطية واحدة." فلم يهدأ ضميره، حتى صاح من قلبه بإخلاص: "خلّصني من كل خطاياي الآن." فخلص.
الإنسان ضعيف، والإيمان بالمسيح هو طريق الخلاص ويأتي بقوة فوق طبيعة، هي قوة الله للخلاص. فصلِّ: "ردّ لي بهجة خلاصك" لكي تنشد "غنّوا للرب أغنية جديدة." (إشعياء 10:42) إن المسيح كان متفائلًا، غافرًا للمسيئين إليه منتظرًا القيامة، لذلك قال لبنات أورشليم: "ابكين على أنفسكنّ". لو قرأنا متى 38:5-48، نجدها تتضمّن المحبة للجميع وخاصة للأعداء والمسيئين واللاعنين أي "الكمال في المحبة".
بعد القيامة من الأموات "أسكب من روحي" (إشعياء 3:44) وأكد يسوع أنه القيامة والحياة (يوحنا 19:14). إن القيامة رجاء إيماننا "والأموات في المسيح سيقومون." (أعمال 10:1-11) وسيقومون في أجساد ممجّدة: (1كورنثوس 35:15-49) أي تتغيّر إلى صورته (2كورنثوس 18:3) غير قابلة للانحلال جسدًا وروحًا (1تسالونيكي 15:4-17) ونتغيَّر "في لحظة في طرفة عين عند البوق الأخير". وبعد القيامة يأتي يوم الحساب (يوم الدينونة) حتى يدرك الجميع حقيقة الله (إشعياء 22:45-24). إنه يوم تُفصل الحنطة (القمح) عن الزوان والخراف عن الجداء (الماعز) ودخول الحكيمات وليس الجاهلات، و"ويل للذي يقول لأبيه ماذا تلد وللمرأة ماذا تلدين" بمعنى لا تقُل لله لماذا لم تخلقني بشكل أو بعقل أفضل من هذا؟ ويتمّ ما ذكرته الديانات السماوية أن المسيح هو الديان "لا تذكروا الأوليات، والقديمات لا تتأملوا بها. هأنذا صانع أمرًا جديدًا." (إشعياء 18:43-19) "هأنذا خالق سماوات جديدة وأرضًا جديدة." (إشعياء 17:65)، وتشبه السماء أماكن العبادة (رؤيا 22:21) بدون علاقات جنسية أو خطية أو تجارب أو شيطان وفي صحة كاملة (رؤيا 25:21 و32) لا حاجة للشمس أو القمر وتشمل كل المخلصين بدم المسيح من كل العالم (رؤيا 9:7-10). إن السماء هي فكرة في داخلنا ووطن آتٍ تحقيقه وسماء ثالثة بعد التصاق الروح بالجسد "آمين. تعال أيها الرب يسوع." ألا يحقّ لنا أن نغنّي للرب أغنية جديدة (إشعياء 20:42)؟

المجموعة: حزيران (يونيو) 2023