في الزّواج يبني الإنسان بيتًا له إلّا أنّ نظرة النّاس إلى الزّواج تتفاوت، فكلٌّ له رأيه الخاصّ في الموضوع، ويودّ بناء بيته على هواه،

وقلّة هم الّذين يفكّرون في الزّواج كبيت دائم، وعليهم بالتّالي أن يبنوه على أسس سليمة وثابتة ليدوم إلى نهاية عمرهم. أمّا المسيح فيقسم البيوت إلى نوعين: بيوت تدوم، وبيوت تزول. قال يسوع: "الرّجل العاقل بَنى بَيتَه على الصَّخْر، فَنَزلَ المطَر، وجاءَت الأَنهارُ، وهَبَّتِ الرِّياحُ، ووَقَعَت على ذَلِكَ البَيتِ فَلَمْ يَسقُط." أمّا الرّجل الجاهل "فبَنَى بَيتَه على الرَّملِ، فَنَزَل المطَر، وجاءَت الأَنهارُ، وهَبَّتِ الرِّياحُ، وصَدَمَت ذَلِكَ البَيتَ فسَقَطَ، وكانَ سُقوطُه عَظيمًا." (متى 24:7-27). وهكذا نرى أنّه لا بدّ من أساس صحيح لأيّ بِناء ليصمد أمام عوامل الطّبيعة وتحدّيات الحياة. وإذا كانت للبيوت أربع زوايا، فللبيت الزّوجيّ أيضًا أربعة أسس، نستعرضها باختصار:

أوّلاً: الأساس العاطفيّ
لعلّ الإعجاب، ومن ثمّ الحبّ، هو الباب الطّبيعيّ الأوّل للدّخول إلى أيّ زواج، وهو شعور جميل. ولا يجوز الإقدام على أيّ زواج من دون الشّعور بالحبّ تجاه الآخر. إنّما لا بدّ من التّوضيح أنّ الحبّ الحقيقيّ ليس الحبّ المبنيّ على الشّهوة؛ فكثيرون يُقدِمون على الزّواج لمجرّد أنّهم شعروا بهذا الجاذب الجسديّ ظنًّا منهم أنّ هذا هو الحبّ. إنّ الشّهوة هي انجذاب جسديّ جارف غير مبنيّ على الوعي والعقل. والحبّ الشهوانيّ سرعان ما ينطفئ بعد حصول الشّخص على مبتغاه، فيتفاجأ الزّوجان كيف انتهى الحبّ سريعًا. أمّا الحبّ الحقيقيّ فهو المبنيّ على حبّ "شخص" آخر أي إنسانه الدّاخليّ، وهو يتضمّن إعجابًا عميقًا بشخصيّة هذا الآخر وصفاته وطباعه ونمط حياته. هو حبّ مبنيّ على أساس متين لا يتزعزع، وهذا يفسِّر لك وجود زوجَين لا يزالان متحابَّين وعاشِقَين بشدّة بعد مرور عشرات السنين على زواجهما، بينما تجد زوجَين آخرَين قد انتهى زواجهما في السّنة الأولى.

ثانيًا: الأساس الفكريّ
لا يمكن التّغاضي عن هذه النّاحية أبدًا، وهي تشمل الانسجام الفكريّ الاجتماعيّ، إذْ لا بدّ من عنصر الصّداقة في الزّواج. فوجود انسجام وتناغم في الزّواج هو بمثابة الوقود للحبّ الذي يؤجِّج العاطفة والغرام. أمّا إذا انتفى الانسجام، دَبَّ النّزاع والخصام في مختلف الأمور. لا مَهرَبَ من أن يختلف الزّوجان على بعض الأمور أحيانًا، لكنّ هذه النّزاعات إذا كثُرت أطفأت رومنسيّة العلاقة الزّوجيّة، وأحدَثَت شَرخًا وباعَدَت بين الاثنين. فالزّوج بحاجة إلى أن يلتذّ برفقة شريكته وبحديثها، وبحاجة إلى أن يكون شريكها والصّديق الأقرب. الزّواج النّاجح هو المبنيّ على الصّداقة. من هنا، على الزّوج أن يعمل على مفاهيمه الشّخصيّة، خاصّة تلك الّتي تلذّ لشريكه، وذلك بإيجاد هوايات مشتَرَكَة. فإذا ملّ الرّجل من كثرة حديث زوجته عن الطّبخ والمظاهر والموضة والشّكليّات السّخيفة فعلى المرأة أن تُبدّل حديثها. كذلك إذا ملّت المرأة من كثرة الحديث عن السّيّارات أو السّياسة فعلى الرّجل أن يُعير الأمر انتباهه. باختصار، على كلِّ واحدٍ منهما أن يجعل رِفقته مُلذّة وحديثه شيّقًا، وأن يكون الصّديق الأعزّ والأقرب لشريك حياته.

ثالثًا: الأساس الجسديّ
إنّ الأساس الجسديّ هو المكمِّل لكلّ زواج، "يَصيرُ الاِثنانِ جَسَدًا واحِدًا". كثيرون يعتقدون أنّ الانسجام الجسديّ هو أولويّة، بخاصّة في زمن يكثر فيه التّركيز على الجنس، لذا يلجأون إلى اختبار انسجامهم الجنسيّ قبل الزّواج، وبناءً على النّتيجة يقرّرون. وهكذا ينتهي الأمر بأن يختبر الإنسان علاقات جنسيّة كثيرة قبل زواجه. إنّ هذا التّفكير منافٍ بالتّأكيد لتعليم الكتاب المقدّس الّذي يقول إنّ "الزّواج أفضل مِنَ التّحرُّق"، ما يعني أنّ على الإنسان ألاّ يمارس الجنس خارج الزّواج إطلاقًا. كما أنّ الواقع لم يُبَرهِن أنّ الزّيجات قد ازدادت نجاحًا بعد "الثّورة الجنسيّة"، بلْ ازدادت الطّلاقات والخيانات. إنّ الحريّة الجسديّة قبل الزّواج تُمهِّد للحرّيّة الجسديّة بعده. لا بلْ إنّ العلاقة الجسديّة تتعرّض للكثير من الصّعوبات عندما يحمل المرء ذكريات جنسيّة من الفترة الّتي تسبق الزّواج، فتكثر المقارنات والضّغوطات. ليس هناك ما هو أجمل من إرادة الله، ومن أن يكتشف الاثنان عمق هذه العلاقة. وإذا وُجد ضعف في مكان ما، فهنالك الكثير من الكتب المساعِدَة ضمن الإطار العلميّ والرّوحيّ. إنّ العلاقة الجسديّة تكون رائعة عندما يكون الأساسان السّابقان متينَين، وتكون قويّة وثابتة عندما تنحصر بين اثنين اختارهما الرّبّ للزّواج.

رابعًا: الأساس الرّوحيّ
يظنّ الإنسان أنّ الأسس الثّلاثة الّتي سبقت كافية لنجاح الزّواج. إنّ مؤسِّس الزّواج هو أهمّ حافظٍ له، والله قد أسّس الزّواج شخصيًّا، "ما جمعه الله لا يُفرِّقه إنسان". وهو مَنْ وَضَعَ في الكتاب المقدس كلّ النّصائح العمليّة الّتي تساعد على إنجاح الزّواج. الحياة مليئة بالتّحدّيات والصّعاب الّتي قد تهزّ الزّواج من أساسه، فكيف يصمد بدون الرّبّ؟ مع المسيح نتعلّم الصّبر وطول الأناة والمسامحة، وهذا ما يحتاج إليه كلّ زواج مرارًا وتكرارًا. مع المسيح نربّي أولادنا ونواجه كلّ الصّعاب، ونبني زواجنا على أمتن أساس، وهو شخص الرّبّ يسوع. لذا لا بدّ من هذا الأساس ومن الانسجام الرّوحيّ بين الاثنين ليكونا على موجة واحدة. المسيح يوحِّد القلوب ويُزيل النّفور ويُهذِّب الأخلاق ويُوحِّد الأهداف. "إنْ لمْ يَبنِ الرّبّ البَيت فَباطِلًا يَتعَبُ البنّاؤون." (مزمور 1:127)
أخيرًا أقول، لا تبنِ بيتك متجاهلًا أيًّا من هذه الأسس الأربعة. الكرسيّ ذو الأرجل الثّلاث معرّض للسّقوط في أيّ وقت، أمّا الكرسيّ ذو الأرجل الأربع فهو ثابت وتستطيع بالتّالي الجلوس عليه بسلام واطمئنان. تُعاني البيوت في أيّامنا هذه من خراب كبير تشهد له المحاكم الرّوحيّة والمدنيّة في آن معًا. وهناك الكثير من البيوت المُتزَعزِعة، وإنْ لم تذهب بعد نحو المحاكم لتُعلِنَ انتهاء فترة وجودها. ويُعاني كلّ مَنْ ينهار بيته، هو وأولاده، آلامًا كثيرة. من الواضح أنّ استبدال النّاس للأساسات الّتي وضعها الله للزّواج بأخرى من اختيارهم، جعل البيت الزّوجيّ ينهار بسرعة، الأمر الّذي جعل كلّ المجتمع ينهار نحو قعر هاوية مُخيف. إنّ توعية شبيبتنا المُقدِمين على الزّواج على هذه الأساسات المتينة تزيد من فرص تأسيسهم لبيوت قويّة وسعيدة، يتمتّعون فيها بعيشة مشتركة ومباركة من الله.

المجموعة: تشرين الأول (أكتوبر) 2023