نسمع ونتابع في الفضائيات ما يجرى على الساحة العالمية من حروب وصراعات، ففي داخل حياة الإنسان أيضًا تدور معارك رهيبة،

صراعات فكرية وشيطانية، قلق ومخاوف واضطرابات، مما يؤدّي أحيانًا إلى الانتحار. لا تخلو حياة المؤمن من هذه الصراعات والمعارك المتعددة التي يصفها الرسول بولس في أفسس 12:6 بالكلمات: "فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ، عَلَى ظُلْمَةِ هَذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ." وقد اجتاز الرب يسوع هذه الاختبارات بانتصار في ثلاثة أماكن: على جبل التجربة، وفي بستان جثسيماني، وعلى الصليب.
أمامنا مثال على الإيمان الثابت في الرب الذي يحقّق أهدافه، والذي ينتصر في صراعاته ومعاركه. إنه إيمان داود الغلام الذي دخل معركة غير متكافئة، وبمفرده بدون أي سلاح ضد جيش يقوده جليات الجبار الذي طوله ستة أذرع وشبر، أي ما يقارب ثلاثة أمتار، ومحصَّن من هامة رأسه إلى باطن قدمه بأسلحة عصره الحديثة، ويتقدّمه حامل ترسه. فكيف ينتصر هذا الغلام الساذج أمام هذا الجبار العاتي؟ ويأتي الجواب من كلمة الله: "وهذه هي الغلبة التي تغلب العالم: إيماننا." (1يوحنا 4:5) ويقول كاتب العبرانيين: "... لأَنَّهُ يُعْوِزُنِي الْوَقْتُ إِنْ أَخْبَرْتُ عَنْ جِدْعُونَ، وَبَارَاقَ، وَشَمْشُونَ، وَيَفْتَاحَ، وَدَاوُدَ..."
فما هي مواصفات الإيمان الذي ينتصر في معارك هذه الحياة؟
تأتي الإجابة من قصة داود الغلام في مواجهة جليات الجبار الواردة في سفر صموئيل الأول 17 ونرى أن الإيمان المنتصر هو الذي:

أولًا: يستند على أمانة الرب الماضية معه
قال دَاوُدُ: «الرَّبُّ الَّذِي أَنْقَذَنِي مِنْ يَدِ الأَسَدِ وَمِنْ يَدِ الدُّبِّ هُوَ يُنْقِذُنِي مِنْ يَدِ هَذَاِ."
 الإيمان المنتصر لا يخاف من العدو ويتمسّك بمواعيد الرب الصادقة، لذلك يقول: "اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلاَصِي مِمَّنْ أَخَافُ؟"
 لا يعتمد على قدراته الذاتية، ولا على خبراته المهنيّة ولا على مواهبه أو سلاحه، ومن جانب آخر، لا ينظر إلى ضعفاته وإمكانياته البسيطة، بل أولًا وأخيرًا على الرب ومواعيده، لأنه "لأَنْ مَهْمَا كَانَتْ مَوَاعِيدُ اللهِ فَهُوَ فِيهِ «النَّعَمْ» وَفِيهِ «الآمِينُ»، لِمَجْدِ اللهِ..." (2كورنثوس 20:1)

ثانيًا: لا يستخدم أساليب العالم
فلما رأى شاول أن داود مصمّم على دخول المعركة قال له: «اذْهَبْ وَلْيَكُنِ الرَّبُّ مَعَكَ». "وَأَخَذَ عَصَاهُ بِيَدِهِ، وَانْتَخَبَ لَهُ خَمْسَةَ حِجَارَةٍ مُلْسٍ مِنَ الْوَادِي وَجَعَلَهَا فِي كِنْفِ الرُّعَاةِ الَّذِي لَهُ وَمِقْلاَعَهُ بِيَدِهِ وَتَقَدَّمَ..." لم يستعمل داود الأسلحة التي كان شاول يستخدمها في معاركه، بل استخدم أدوات الراعي البسيطة، العصا والحجارة والمقلاع، الأدوات التي استخدمها في قتل الأسد والدب.
 إن المؤمن الواثق بالله وبمواعيده لا يتشبَّه بالعالم وأساليب العالم وإن كانت تبدو أنها الأنفع في نظر أهل العالم، بل يثق أنه "لا بالقدرة ولا بالقوة، بل بروحي قال ربّ الجنود." والكتاب يحذّرنا قائلًا: "وَلاَ تُشَاكِلُوا هَذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ."
 كم من المرات نقع في الفخ الذي ينصبه لنا إبليس فنستخدم وسائل هذا العالم لحلِّ مشاكلنا كالرشوة والكذب والخداع واللف والدوران لتسهيل أمورنا، لكن هذا ليس أسلوب الله.
وقع إبراهيم في هذا الفخ لما نزل إلى مصر، فطلب من سارة أن تقول عنه إنه أخوها وليس زوجها لحمايته؛ بحجة أنها أخته وأخفى الحقيقة بالكذب، وهذا ليس من الإيمان!
لنثبت في إيماننا وندع الرب يجري لنا ما يريده وهو دائمًا صالح ودائمًا يفعل الخير لنا. الإيمان الحقيقي لا يلبس ثوب العالم بل يلبس ثوب البر والصلاح والحق، ويحيا باستقامة قلب، لا بأسلحة العالم وأساليبه الملتوية، بل يرفضها - الإيمان الحقيقي لا يلبس قط ثوب العالم الدنس، بل ثوب سيده الرب يسوع المسيح الطاهر.

ثالثًا: الإيمان المنتصر يستخدم اسم الرب
قال داود لجليات: «أَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ بِسَيْفٍ وَبِرُمْحٍ وَبِتُرْسٍ. وَأَنَا آتِي إِلَيْكَ بِاسْمِ رَبِّ الْجُنُودِ."
إن اسم "يسوع" ليس كلمة نردّدها في نهاية صلواتنا بل فيها قوة المسيح وسلطانه، وهو ختم نستخدمه لإجراء المعجزات ونصنع به إرادة الله في حياتنا.
لقد مارس الرسل هذا السلطان في الشفاء وإخراج الشياطين واجراء المعجزات... قال بطرس للأعرج عند باب هيكل الجميل: "[ليس لي فضة ولا ذهب، ولكن الذي لي فإيّاه أعطيك: باسم يسوع المسيح الناصري قم وامشِ!] ففي الحال شُفي ودخل الهيكل مع بطرس ويوحنا.

رابعًا: الإيمان المنتصر، لا ينشغل بالمفشّلات
لما عرف أليآب أخو داود البكر عزم داود لقتل جليات وبّخه... وكذلك سمع كلامًا مفشِّلًا من الملك شاول الذي قال له: «لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَذْهَبَ إلى هَذَا الْفِلِسْطِينِيِّ لِتُحَارِبَهُ لأَنَّكَ غُلاَمٌ وَهُوَ رَجُلُ حَرْبٍ مُنْذُ صِبَاهُ." (1صموئيل 33:17)، لكن داود الذي كان له الإيمان الواثق في الرب أقنع الملك بقوله: «الرَّبُّ الَّذِي أَنْقَذَنِي مِنْ يَدِ الأَسَدِ وَمِنْ يَدِ الدُّبِّ هُوَ يُنْقِذُنِي مِنْ يَدِ هَذَا الْفِلِسْطِينِيِّ." (1صموئيل 37:17) يشبه موقف شاول هذا، موقف الرسل الذين أرسلهم موسى لاكتشاف أرض كنعان، وقالوا لموسى: «قَدْ ذَهَبْنَا إلى الأَرْضِ... وَحَقًّا إِنَّهَا تَفِيضُ لبَنًا وَعَسَلًا، وَهَذَا ثَمَرُهَا. غَيْرَ أَنَّ الشَّعْبَ السَّاكِنَ فِي الأَرْضِ مُعْتَزٌّ، وَالمُدُنُ حَصِينَةٌ عَظِيمَةٌ جِدًّا. وَأَيْضًا قَدْ رَأَيْنَا بَنِي عَنَاقَ هُنَاكَ... لكِنْ كَالِبُ أَنْصَتَ الشَّعْبَ إلى مُوسَى وَقَال: «إِنَّنَا نَصْعَدُ وَنَمْتَلِكُهَا لأَنَّنَا قَادِرُونَ عَليْهَا."
 المفشِّلون كثيرون ويقولون "لا نقدر" واضعين المخاوف والعراقيل أمام الشعب، لكن القلّة القليلة جدًا يقولون بإيمانٍ واثق: [نصعد ونمتلكها لأننا قادرون عليها.]
 يضع إبليس أمامنا المفشّلات والمخاوف والشكوك والعراقيل ليوقفنا عن إنجاز عمل الله... سدّ أذنيك عن المفشلات... لا تستخدم سمّاعة الآخرين المفشِّلين بل ضع فقط سمّاعة الله على أذنيك "لأن الله لم يعطِنا روح الفشل، بل روح القوة والمحبة والنصح." (2تيموثاوس 7:1)

وفي الختام أقول: الإيمان الذي ينتصر على معارك الزمان هو الإيمان الذي:
يستند على أمانة الرب ومواعيده
لا يستخدم أساليب العالم في معاركه.
يستخدم سلطان اسم يسوع في حياته.
ينبذ المفشّلات مهما كانت ويتمسّك بمواعيد الله دائمًا.
درِّب نفسك على هذا النوع من الإيمان ولا تخف بل ثق في إلهك فتنتصر، لأنه "يعظم انتصارنا بالذي أحبَّنا."

المجموعة: تشرين الأول (أكتوبر) 2023