يتميّز الإنسان عن سائر المخلوقات بهذه الحقيقة العظيمة: أنه خُلق على صورة الله،

كما جاء في الكتاب المقدس: "فَخَلَقَ اللهُ الْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ." (تكوين 27:1) وهذا ما يمنحه قيمة فريدة ومكانة سامية في الخليقة، فقد خصّه الله بمكانة لم يمنحها لأيِّ مخلوقٍ آخر، وعندما أكمل خَلْقَه، قال: "وَرَأَى اللَّهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا". (تكوين 31:1)
إن سفر التكوين 7:2 يعلّمنا حقيقة عميقة عن خلق الإنسان، حيث يقول: "وَجَبَلَ الرَّبُّ الإله آدم تُرَابًا مِنَ الْأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ الْإِنْسَانُ نَفْسًا حَيَّةً." يكشف هذا النص عن العلاقة الحميمة بين الله والإنسان، فلم يُخلَق الإنسان بمجرّد كلمة كما حدث مع بقيّة الخليقة، بل جُبل من التراب ونفخ الله فيه روح الحياة، مما جعله كائنًا حيًّا.
لقد خلق الله الإنسان ليحيا، وكان الغرض من هذه الحياة الشركة بين الخالق والمخلوق، ليتمتّع الإنسان بعلاقته مع الله، ويسلك في طاعته، ويعيش في فرح وعمل وإثمار في حضوره. غاية الحياة الأسمى هي أن نحيا لمجد الله. ولكن، مع دخول الخطيئة إلى العالم، انقلبت هذه الحقيقة، فبدلًا من الحياة، جلب الإنسان على نفسه الموت.

الموت الذي دخل العالم
الموت هو انفصال، وأشدُّ صُوَرِه قسوة هو الانفصال عن الله. نرى هذا بوضوح في سفر التكوين ٣، حيث أدّى عصيان آدم وحواء إلى انقطاع الشركة التي كانا يتمتّعان بها مع الله. فالموت الروحي هو الانفصال عن الله، وهو ليس فقط في هذه الحياة، بل يمتدّ إلى الأبدية، حيث يواجه الإنسان دينونة الله العادلة: "وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ الدَّيْنُونَةُ." (عبرانيين 27:9)
وكما أن الموت الروحي هو الانفصال عن الله، فإن الموت الجسدي هو انفصال الروح عن الجسد، وهو نتيجة حتميّة لدخول الخطيئة إلى العالم: "مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنمَا ِبإنسانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهَكَذَا اجتاز الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ." (رومية 12:5)
الموت بطبيعته يفصل بين الحياة ومصدرها، ويُعدّ الأصحاح الخامس من سفر التكوين من أبرز المواضع التي تؤكّد هذه الحقيقة، إذ يسرد تسلسل الأجيال بعد آدم، مشدِّدًا على أن كل إنسان وُلد ثم مات، وتتكرّر فيه العبارة الشهيرة: "فَكَانَتْ كُلُّ أَيَّامِ آدَمَ الَّتِي عَاشَهَا تِسْعَ مِئَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَمَاتَ." وهكذا يُبرز هذا الأصحاح حتميّة الموت، التي لا يختلف عليها أحد، فهو واقع لا مفرّ منه يراه الجميع وسيمُرّ به الجميع.

طريق الخلاص
رغم قسوة وحتميّة الموت، لم يتركنا الله لهذا المصير، بل قدَّم لنا طريق الخلاص من خلال الرب يسوع المسيح، الذي جاء ليمنحنا الحياة الأبدية، إذ قال: "الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلَامِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلَا يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةِ، بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ." (يوحنا 24:5) وتتحقّق هذه الحياة الأبدية من خلال انتصار المسيح على الموت بقيامته المجيدة، إذ غلب الموت والخطيئة، مانحًا البشرية رجاءً حيًّا في القيامة والمجد الأبديّ.

على رجاء القيامة
قيامة المسيح ليست مجرّد حدث تاريخيّ، بل هي أعظم انتصار عرفته البشرية، انتصارٌ غَيَّر مجرى حياتنا ومصيرنا الأبدي. لكن لماذا كانت القيامة ضروريّة؟ لأنّها البرهان الأكيد على أن المسيح انتصر على الخطيئة وكسر شوكة الموت، إذ يقول الكتاب: "أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟" (١ كورنثوس 55:15)
في قيامته، لمْ يمنحنا المسيح مجرّد رجاء عابر بل رجاء حيٌّ لا يخيب، رجاء في الغفران والخلاص لكلّ من يؤمن به، إذ قدَّم نفسه كفارة عن خطايانا ليبرّرنا أمام الله: "الَّذِي أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لِأَجْلِ تَبْرِيرِنَا." (رومية 25:4) إن لم يكن المسيح قد قام، فلا معنى لإيماننا، ولا أمل لنا في الحياة الأبدية، ولا فائدة من رجائنا. لكن كلّ الشكر لله، لأن المسيح قد قام بالفعل، وأصبح لنا يقين في الرجاء والحياة الأبدية: "وَلكن الآنَ قَدْ قَامَ الْمَسِيحُ مِنَ الْأَمْوَاتِ وَصَارَ بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ." (١كورنثوس 20:15)
يا أحبائي، قيامة المسيح ليست مجرّد عقيدة، بل هي حقيقة حيّة تُغيّر القلوب، تمنح السلام للنفس المضطربة، وتبعث الرجاء في النفوس المُتعَبة. فكما قام المسيح، سنقوم نحن أيضًا في يومٍ مجيدٍ بأجسادٍ ممجَّدة، خالية من الضعف والألم، وسنراه وجهًا لوجه ونحيا معه إلى الأبد في مجدٍ لا يزول.
على رجاء القيامة! كلّ عام وأنتم بخير.

المجموعة: نيسان (إبريل) 2025