ذُكِرَ إكليل الشوك في ثلاثة أناجيل هي متى ومرقس ويوحنا. أما لوقا فلم يُشِر إليه.
لم يكن إكليل الشوك جزءًا من العقوبات التي توضع على من يُحْكَم عليه بالإعدام صلبًا بدليل أن اللّصَّيْن المصلوبَين معه لم تُوضعْ على رأسيهما أكاليل من الشوك. كان إكليل الشوك من اختراع العسكر. "وَضفرَ الْعَسْكر إِكْليلاً مِنْ شَوْكٍ ووَضَعُوه عَلى رَأسِه". (يوحنا 2:19) والذين اشتركوا في صنعه ليسوا قلائل، ولكنه تمّ استدعاء كلّ الكتيبة للاشتراك في صنع إكليل الشوك – تفنّن الجميع في صنعه ليكون مؤلمًا جدًّا.
ولم يكن هذا الإكليل دائريًّا كما نرى في الصور، ولكنّه كان مثل تاج الملوك لكي تنغرس الأشواك في الرأس والجبين. ولمّا انتهوا من صنعه وضعوه على رأس المسيح وضغطوا عليه بكلّ قوّتهم لكي تنغرس فيه كلّ الأشواك... هل هؤلاء حقًّا بشر؟! إنهم ليسوا بشرًا بل وحوشًا في صورة بشر – قيل عنهم بروح النبوّة: "أَحَاطَتْ بِي ثِيرَانٌ كَثِيرَةٌ. أَقْوِيَاءُ بَاشَانَ اكْتَنَفَتْنِي. فَغَرُوا عَلَيَّ أَفْوَاهَهُمْ كَأَسَدٍ مُفْتَرِسٍ مُزَمْجِرٍ". (مزمور 12:22) وعن إكليل الشوك أحدّثكم في أمرين:
أولاً: الأشواك التي ضفروها
لم تكن هذه الأشواك ضمن النباتات التي خلقها الله، لكن الشوك ظهر في العقوبة التي وقعت على آدم بعد السقوط في الخطية "وقالَ لآدَم: «لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِ امْرَأَتِكَ وَأَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ قَائِلاً: لاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. وَشَوْكًا وَحَسَكًا تُنْبِتُ لَكَ، وَتَأْكُلُ عُشْبَ الْحَقْلِ. بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا حَتَّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا. لأَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ»". (تكوين 17:3-19)
فالشوك إذًا هو نتيجة من نتائج الخطية. يا لبشاعة الخطية وشناعتها! صُنِع الإكليل الذي وضعوه على رأس المسيح من ذلك الشوك الذي نبت في الأرض. يا للأوضاع المقلوبة، بدلاً من صُنع تاجٍ من ذهب وأحجار كريمة يصنعون إكليلًا من شوك! قال عنه كاتب الرسالة إلى العبرانيين: "وَلكِنَّ الَّذِي وُضِعَ قَلِيلاً عَنِ الْمَلاَئِكَةِ، يَسُوعَ، نَرَاهُ مُكَلَّلاً بِالْمَجْدِ وَالْكَرَامَةِ، مِنْ أَجْلِ أَلَمِ الْمَوْتِ، لِكَيْ يَذُوقَ بِنِعْمَةِ اللهِ الْمَوْتَ لأَجْلِ كُلِّ وَاحِدٍ". (عبرانيين 9:2) إنه ملك الملوك وربُّ الأرباب!
ثانياً: الأهداف التي قصدوها
ما هو هدف العسكر الذين صنعوا الإكليل؟
1- الاستهزاء والسخرية والتهكّم
بعد أن تفنّنوا في صنع إكليل من الشوك، وضعوه على رأس المسيح، وأعطوه قصبة بيمينه، وكانوا يجثون قدامه بسخرية وتهكّم واستهزاء قائلين: "السلام يا ملك اليهود!" ولم يكتفوا بذلك لكنهم بصقوا عليه... لم يكونوا يعلمون أنه ببصقهم عليه حقّقوا النبوّة القائلة: "بَذَلْتُ ظَهْرِي لِلضَّارِبِينَ، وَخَدَّيَّ لِلنَّاتِفِينَ. وَجْهِي لَمْ أَسْتُرْ عَنِ الْعَارِ وَالْبَصْقِ". (إشعياء 6:50)
وهنا أتساءل: بمن تسخرون وتستهزئون؟ ألم تسمعوا عن المعجزات الكثيرة التي صنع؟ كم من مرضى بأمراض مختلفة وخطيرة شفاهم، إما بنظرة أو بكلمة أو بلمسة... ألم تسمعوا أنه طهّر البُرص وفتح عيون العمي وأقام الموتى؟ ألم تسمعوا كيف أن الجماعة التي جاءت للقبض عليه عندما قال لهم: "من تطلبون؟" أجابوه: "يسوع الناصري". فقال لهم: "أنا هو" ... فلما قال لهم: "أنا هو"، رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض."
ألم تشاهدوه وهو يأخذ أذن ملخس المقطوعة ويضعها في مكانها؟ ألم تسمعوا أنه كان يعلّم تعاليم حوّلت الأشرار إلى أبرار؟ هل بهذا تسخرون وتتهكّمون؟ يا للعجب!
ربّي وحبيبي يسوع المسيح، لقد تحمّلتَ من أجلي كلّ هزءٍ واحتقار وازدراء... دعني أتحمّل كلّ ما يواجهني بسبب اتّباعك... لقد احتملتَ العار والازدراء والتهكّم والاستهتار لكي تعطينا المجد. قال المسيح في صلاته الشفاعية "وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني."
2- ليزيدوا من آلام المسيح
ألم يكن كافيًا أن يُجلد المسيح بقسوة 40 جلدة إلّا واحدة؟ ألم يكن كافيًا أن يحمل الصليب بعد أن فقد الدم الكثير؟ ألم يكن كافيًا أن تدقّ المسامير في يديه ورجليه؟ أضافوا إلى كلّ هذه الآلام ألمًا آخر من إكليل الشوك... لقد قُدّت قلوب هؤلاء من حجر. تقول كلمة الله أن مراحم الأشرار قاسية... له الحقّ داود أن يقول: "فلنسقط في يد الرب لأنّ مراحمه كثيرة ولا أسقط في يد إنسان."
3- لكي ينتقموا منه
اسمعوا قول بيلاطس له: أأنت إذًا ملك؟ فقال له: "أنت تقول" – أتخيّلهم أنهم كانوا يضحكون كلّما رأوا دماءه تغطّي وجهه وجسده... ظنّوا أنه ملك أرضيّ سيسحب البساط من تحت أقدامهم... لم يكونوا يعلمون أن مملكته ليست من هذا العالم. "لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدّامي يجاهدون لكي لا أُسلَّم لليهود".
أختم كلمتي بما حدث مع قائد المئة ومع الذين كانوا يحرسون معه... بعد أن وضعوا على رأسه إكليلًا من شوك مستهزئين بيسوع الذي "صَرَخَ أَيْضًا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، وَأَسْلَمَ الرُّوحَ." فلما رأوا هول ما حدث من معجزات وقتئذٍ... حيث "أن حِجَابُ الْهَيْكَلِ قَدِ انْشَقَّ إِلَى اثْنَيْنِ، مِنْ فَوْقُ إِلَى أَسْفَلُ. وَالأَرْضُ تَزَلْزَلَتْ، وَالصُّخُورُ تَشَقَّقَتْ، وَالْقُبُورُ تَفَتَّحَتْ، وَقَامَ كَثِيرٌ مِنْ أَجْسَادِ الْقِدِّيسِينَ الرَّاقِدِينَ وَخَرَجُوا مِنَ الْقُبُورِ بَعْدَ قِيَامَتِهِ، وَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ، وَظَهَرُوا لِكَثِيرِينَ"... بعد هذه كلّها "خَافُوا جِدًّا وَقَالُوا: «حَقًّا كَانَ هذَا ابْنَ اللهِ!»".