"وَكَانَتْ هُنَاكَ بِئْرُ يَعْقُوبَ. فَإِذْ كَانَ يَسُوعُ قَدْ تَعِبَ مِنَ السَّفَرِ، جَلَسَ هكَذَا عَلَى الْبِئْرِ، وَكَانَ نَحْوَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ. فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ السَّامِرَةِ لِتَسْتَقِيَ مَاءً، فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أَعْطِينِي لأَشْرَبَ»". (يوحنا 6:4-7)
ليست هذه هي المرة الأولى التي تستوقفني فيها قصة المرأة السامريّة، لكنّها المرّة الأولى التي أقترب فيها بخطوات واسعة أمام حرفيّة هذا الحوار ودقّته. حرفية الحوار الذي قدّمهُ لنا يسوع المسيح - لهُ المجد - والدقّة في التعامل مع نفسٍ أعيتها أعباء الخطيئة فكانت النهاية مصحوبة بخلاص المرأة السامريّة، هذا هو الذي يُدعى في يومنا هذا بـ فنّ الإتيكيت (أدب السلوك) أيّ فنّ التعامل مع الآخرين!
يُشير الإتيكيت إلى مجموعة من السلوكيات، والآداب، والنظم، والقواعد التي تساهم بصورة مباشرة في خلق حالة من النظام المقبول للعديد من التصرّفات والسلوكيّات البشريّة، بما في ذلك السلوكيّات الاجتماعيّة، والمهنيّة، والتي لا يحاسب الأفراد غير الملتزمين بها قانونيًّا، ولكنهم قد يتعرّضون للرفض من الناحية الاجتماعية، وضمن الجماعة التي ينتمون إليها، ويُعتبر بمثابة الدليل الذي يقدّم القواعد التي يجب الالتزام بها خلال التعامل مع الآخرين (منقول).
لو عُدنا إلى النص الكتابي لوجدنا في الحوار الذي دار بين يسوع والمرأة السامرية إتيكيت التحيّة والمُصافحة، إتيكيت التقديم والتعارف، وإتيكيت الحديث والاستماع... كيف بادر يسوع وتواصل معها وابتدأ حوارهُ بقوله "أعطيني لأشرب"، أي حيّاها يسوع بتحيةٍ تُعبِّر عن محبّتهِ لها. لقد كانت عَطشى إلى الماء الحيّ الحقيقي، فابتدأ يسوع بلمس احتياجها، وجعلها تشعر بأنها إنسانة مُرحّب بها على الرغم من الخلافات التي كانت بين اليهود والسامريّين - أي كانوا بمثابة أعداء. قدّم يسوع نفسهُ لها ودعاها لشرب الماء الحيّ... كما راعى يسوع مكانتها لكونها امرأة خاطئة وغير مقبولة من المجتمع آنذاك، واستخدم في حديثه معها مُفردات سَلِسة كأنها ذهب مرصوص. كان الحوار المُتبادَل بين يسوع والمرأة مبنيًّا على مهارة يسوع في الاستماع إليها والإصغاء إلى شكواها وأنين قلبها الموجوع، فهو المكتوب عنهُ: "قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لاَ يُطْفِئُ، حَتَّى يُخْرِجَ الْحَقَّ إِلَى النُّصْرَةِ". (متى 20:12) وكان أروع ما في اللقاء تبادل الأدوار في الحوار وكأنّهُ سيناريو مدروس ومقروء ومتّفقٌ عليهِ.
أخواتي وإخوتي الأحباء، الرسالة التي تركها لنا يسوع المسيح من هذا الحوار هي: كيفية مخاطبة الآخرين ودعوتهم للخلاص... كيفية بدء الحوار مع أي شخص، والأسلوب المُستخدم معه بالإنصات والتقدّم معهُ في الحوار إلى أن يشعر بأنهُ إنسان خاطئ ويعترف بخطئهِ. إنهُ لأمرٌ جميل أن نتبع الإتيكيت المسيحي في كُلّ حوار ندخله مُحاولين فيهِ كسب النفوس وخلاصهم مُتّبعين أسلوب المسيح.
ليس الجميع موهوبين في هذا الفن أو الإتيكيت! أي، ليس الجميع على دراية كافية في أسلوب التعامل مع الشخص الخاطئ وجذبهُ إلى الاعتراف بخطئهِ وشرّهِ! فليكن الكتاب المقدس هو مرجعنا الوحيد ولنتعمّق ولنغصْ في ثناياهُ لِنتقلّد هذا الفن على خُطى يسوع الحبيب.