إن الرب يسوع هو المثال الكامل للطاعة الكاملة، فمنذ طفولته كان خاضعًا للقديسة المطوّبة مريم العذراء وليوسف.
ففي عيد الفصح عندما كان عمره اثنتي عشر سنة بقي يسوع في الهيكل ثلاثة أيام، يسمع ويسأل معلّمي الشريعة، وأنا أعتقد شخصيًّا أنه كان يسألهم عن النبوّات المتعلّقة به، وخاصّة وهو في عيد الفصح، حيث كانت تقدَّم آلاف الذبائح، فربما سألهم من هو هذا الذي يقول عنه الكتاب "بذبيحةٍ وتقدمةٍ لم تُسَرَّ. أُذُنيّ فَتَحتَ. مُحرقةً وذبيحة خطيّةٍ لم تطلب. حِينَئِذٍ قُلْتُ: «هأَنَذَا جِئْتُ. بِدَرْجِ الْكِتَابِ مَكْتُوبٌ عَنِّي: أن أفعل مشيئتك يا إلهي سررت. وشريعتك في وسط أحشائي". (مزمور ٦:٤٠-٨)
حقًّا إنّ الرب يسوع وهو في الثانية عشرة من عمره كان يفعل مشيئة الله الآب، وعندما وجداه في الهيكل يقول الكتاب "فلما أبصراه اندهشا. وقالت له أمه يا بُنيّ لماذا فعلت بنا هكذا؟ هوذا أبوك وأنا كنّا نطلبك مُعذّبَيْن". (لوقا ٤٨:٢) وكان جواب الرب يسوع مذهلًا "فقال لهما: [لماذا كنتما تطلبانني؟ ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون فيما لأبي؟]" (لوقا ٤٩:٢) كان هدفه أن يُنفّذ كلّ مقاصد الله الآب، والإرسالية العظيمة التي جاء لأجلها، أي أن يموت على الصليب ويقدّم نفسه ذبيحةً كفّاريّة ليغفر لنا خطايانا ويطهّرنا من كلّ إثم. يقول الكتاب: "ثم نزل معهما وجاء إلى الناصرة وكان خاضعًا لهما". (لوقا ٥١:٢) إن هذا المقطع في إنجيل لوقا هو مثال رائع عن كيف يجب أن تكون الأسرة المسيحيّة في تربية الأولاد. يوصي الرسول بولس الأولاد: "أيها الأولاد، أطيعوا والديكم في الرب لأنّ هذا حقٌّ". (أفسس ١:٦)
الطاعة في الخدمة
عندما بدأ يسوع خدمته كان له من العمر حوالي ثلاثين سنة. لقد انتظر التوقيت الذي وضعه الآب له، فيسوع كابن الإنسان لم يكن يفعل أي شيء ليرضي نفسه، بل ليرضي الآب ويفعل مشيئته، وهذه هي الطاعة الكاملة، ولم يكن يعمل بمقترحات الأقارب أو الأصدقاء. ومن أجمل الفصول التي تتحدّث عن ذلك نجده في إنجيل يوحنا 7، "فقال له إخوته: [انتقل من هنا واذهب إلى اليهودية، لكي يرى تلاميذك أيضًا أعمالك التي تعمل". (يوحنا ٣:٧) فماذا كان جوابه؟ "فقال لهم يسوع: [إن وقتي لم يحضر بعد]". (يوحنا ٦:٧) ثم أكمل يسوع قائلًا: "[اصعدوا أنتم إلى هذا العيد. أنا لست أصعد بعد إلى هذا العيد، لأن وقتي لم يُكمَل بعد]. قال لهم هذا ومكث في الجليل". (يوحنا ٨:٧-٩) كان ينتظر متى وكيف سيصعد إلى أورشليم. إنها طاعة كاملة للآب في التوقيت وفي الكيفيّة. "... حينئذٍ صعد هو أيضًا إلى العيد، لا ظاهرًا بل كأنه في الخفاءِ". (يوحنا ١٠:٧) وهنا لا بدّ لكلّ واحد أن يسأل نفسه: هل أخدم الربّ بطريقتي أم بمشيئتك؟ هل أرضي نفسي أم أرضي ربّي وإلهي؟
الطاعة في الصليب
"يقول الكتاب المقدس عن الربّ يسوع: "مع كونه ابنًا تعلّم الطاعة ممّا تألّم به". (عبرانيين ٨:٥) إنها طاعة كاملة، طاعة حتى الموت لكي يُذكّرنا بما حدث في جنّة عدن عندما عصى آدم الله عصيانًا كاملًا. كان يعرف جيِّدًا وصية الربّ "يوم تأكل منها موتًا تموت"، ومع ذلك فقد عصى بتعمّد، أما ربّنا يسوع فقد أطاع حتى الموت موت العار والازدراء. لقد قبل الربّ يسوع كلّ هذا لأنّه كان يريد أن يرضي الله الآب كما قال هو بفمه الكريم "الذي أرسلني هو معي ولم يتركني الآب وحدي لأنّي في كل حين أفعل ما يرضيه". (يوحنا ٢٩:٨)
إنّ ربنا يسوع المسيح هو المقياس الأعظم والكامل في الطاعة والتواضع. لننتبه إلى ما يقوله الوحي في الأصحاح الثاني من رسالة فيلبي "وإذ وُجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب". (فيلبي ٨:٢) وإذ تقرأ هذا الأصحاح تخيّل معي يا عزيزي القارئ أنّ الرب يسوع الحيّ إلى الأبد يريد أن يسألك ويسألني هذه الأسئلة الثلاثة: هل فكرك مثل فكري... فكر التواضع؟ هل قلبك مثل قلبي، وديع ومتواضع؟ هل طاعتك لله الآب كاملة؟ هل تستطيع أن تقول له: "لأنّي في كلّ حين أفعل ما يرضيه؟ أتمنّى أن تكون إجابتنا نعم ونعم.
العمود الثالث: الطاعة والمحبة
إنّ محبة الله في قلوبنا ضروريّة ليكون لنا استعداد تام للطاعة الكاملة. وبدون روح المحبّة في قلوبنا نكون مثل الفريسيّين أي (تديّن خارجي) الذين توبّخوا عندما قال الربّ يسوع لهم "ولكنّي قد عرفتكم أنْ ليست لكم محبّة الله في أنفسكم". (يوحنا ٤٢:٥) أيّ أنّه بدون المحبّة يصبح (عمل الطاعة) وعبادة الله واجبات دينيّة تُعمل بالإكراه أو الإجبار خوفًا من عقاب جهنّم! يقول الرب يسوع "إن كنتم تحبّونني فاحفظوا وصاياي". (يوحنا ١٥:١٤) والكلمة "احفظوا" تأتي بمعنى أن تكون عيوننا الروحيّة مثبّتة على وصايا الرب لكيلا يُفقد شيء منها... نحفظها كالكنز الثمين. والطاعة الكاملة تجعل المؤمن حارسًا يحرس كلّ كلمة لكيلا تضيع من أمام عينيه. يقول الرسول يوحنا: "فإنّ هذه هي محبّة الله: أن نحفظ وصاياه. ووصاياه ليست ثقيلة". (١يوحنا ٣:٥) يا لها من كلمات تُنير أذهاننا فهي واضحة كوضوح الشمس "محبّة الله: أن نحفظ (نطيع) وصاياه". وفي هذا تأكيد بأنّ محبّتنا لله مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالطاعة لوصاياه التي هي ليست ثقيلة. ولأهميّة الموضوع (الطاعة والمحبّة) يعود الرسول في رسالة ثانية وعامة لكلّ المؤمنين قائلًا بالروح القدس: "وهذهِ هي المحبَّة: أن نسلك بحسب وصاياه. هذه هي الوصيّة: كما سمعتم من البدء أن تسلكوا فيها". (٢يوحنا ٦) لقد جاءت عبارة "نسلك بحسب وصاياه" في بعض الترجمات الإنكليزية بمعنى أن نسلك بالطاعة walk in obedience وعبارة "أن نسلك فيها" جاءت بمعنى نسلك في المحبّة walk in love ومن هنا نستطيع بكلّ سهولة نمثّلها بمعادلةٍ حسابيّة متعادلة الطرفين (السلوك بالطاعة = السلوك بالمحبّة).
العمود الرابع: الطاعة وقيادة الروح القدس
"... والروح القدس أيضًا، الذي أعطاه الله للذين يطيعونه". (أعمال ٣٢:٥) تقول بعض الأبحاث العلميّة أنّ الإنسان يفكِّر بمعدّل ٦٠،٠٠٠ فكرة باليوم وخمسة وسبعين بالمئة منها سلبيّ، فكيف نحمي أنفسنا من الأفكار السلبيّة؟ نحن المؤمنون لدينا عطيّة الروح القدس الذي يجدّد أذهاننا، وعندما نعطي قيادة الروح القدس ليقود أفكارنا نكون قادرين على طاعة الله. لأن جسد الخطيّة فينا مُضادّ لإرادة الله، لذا فإن الحلّ الوحيد هو تسليم قيادة أفكارنا للروح القدس لكي يكون هناك قوّة لعمل الطاعة، وبدون ذلك سيبقى المؤمن في (اختبار رومية ٧) يصرخ: "ويحي أنا الإنسان الشقيّ". أي، يسلك بحسب أفكار الجسد ويشكو من عدم قدرته على العمل بوصايا الله. لكن الطاعة وقيادة الروح القدس تجعل المؤمن في اختبار رومية ٨ أي، حياة الفرح والتحرّر من الخطيّة والانتصارات والأفراح المتواصلة. إنّ طاعتنا لقيادة الروح القدس ستجعلنا نثمر بالروح "وأما ثمر الروح فهو: محبة فرح سلام، طول أناة لطف صلاح، إيمان وداعة تعفّف". (غلاطية ٢٢:٥)
ربّي ومخلّصي يسوع، أصلّي أن تعطيني قوّة بالروح القدس الساكن فيّ لكي أحبّ وصاياك، لأنّ روحك هو روح المحبّة، أصلّي كي أمتلئ من روحك وأكون تحت قيادة روحك القدّوس لكي أكون مثمرًا فأُفرِحُ قلبك وقلب الآب أبينا فترى من تعب نفسك وتشبع، ولاسمك القدوس كلّ المجد والكرامة، آمين!