الحياة النفسيّة هي الحياة التي يحياها الشخص قبل الإيمان بالمسيح... «نفسانيّون لا روح لهم» (يهوذا 19).

وهي حياة تتميّز بالآتي: نشاط النفس، لا سيّما العواطف، يقوم بالدور الرئيسي فيها: فهو يعيش لكي يحبّ ويفرح وينفعل بالأشياء الجميلة الجذّابة التي تروق له؛ سواء ذات قيِّمة أم لا، صحيحة أم غير صحيحة.
هي الحياة التي يعيش فيها الشخص لأجل نفسه: يخدم نفسه، يفرح بالحصول على ما تمليه عليه رغبات قلبه الطبيعي من شهوة أو شهرة أو مال، ويحبّ ما يعود عليه بالمنفعة. لسان حاله «أقول لنفسي...» (لوقا 19:12). فنفسه هي محور تفكيره وعواطفه لخدمة هذا الغرض.
علاقة الشخص بالله تخدم هذا الغرض: فالله هو المصدر الذي يحصل منه على ما يريده. فيفرح عندما يُنعِم الله عليه، وهو مستعدّ أن يقدِّم لله مقابل ذلك بعض الممارسات النفسيّة لإرضاء ضميره.
هذه الحياة لا يحياها الشخص بعد إيمانه بالمسيح، لأنه يعرف أنه مات مع المسيح، فليست نفسه هي التي تحرّكه، ولا يعيش فيما بعد لخدمة ذاته «لأن ليس أحد منّا يعيش لِذَاته... لأننا إن عشنا فللربّ نعيش ...» (رومية 7:14-8)
هذه الحياة المبنيّة على المعرفة واليقينيّات ليست حياة عقلانيّة جافّة خالية من العواطف، بل بالعكس ففي هذه الحياة تظلّ وظائف النفس تعمل، وتقوم عواطفه بدور أكثر ثباتًا، فيظلّ المؤمن يحبّ ويفرح ويغضب ويشتاق ويحنّ ويشفق، لكن بدوافع أخرى مبنيّة على إدراك واعٍ. فهو يحبّ ويفرح ليس لمجرّد أن الأشياء جذّابة وبريقها لامع، لكنّه يحبّ ويفرح بالأشياء التي يعلم أنها صحيحة وأنها ذات قيمة.
كلّما ازدادت روحانيّة المؤمن كلّما عملت وظائف النفس بطريقة صحيحة، وكلّما كانت عواطفه أكثر رقّة. فالروحيّون من المؤمنين هم أكثر الناس محبّة وفرحًا وسلامًا في دواخلهم، وهم أكثر الناس رقّة وعطفًا على الآخرين؛ حتى وإن اختلف تعبيرهم عن ذلك. لننظر إلى حياة الرب يسوع، وهو النموذج الأعظم؛ كم كانت عواطفه رائعة: كان رقيقًا مع الآخرين حتى مع من لا يستحقّون (انظر يوحنا 7:4-28؛ 1:8-11)، وكان مُحِبًّا للعشّارين والخطاة (لوقا 34:7)، وكان يشارك المتألّمين ظروفهم وأحزانهم وبكى معهم (يوحنا 35:11)، كما كان يغضب عندما يستدعي الأمر ذلك " فَنَظَرَ حَوْلَهُ إِلَيْهِمْ بِغَضَبٍ"(مرقس 5:3).

المجموعة: حزيران (يونيو) 2025