يلجأ البعض للكذب لتبرير أخطائهم، أو تغطية مصائبهم، أو حجب جزء من الحقيقة قد تعطّل الوصول لمآربهم!
والكتاب المقدس يعلن أن "كلّ إنسان كاذب" (مزمور 11:116) وذلك بسبب عبوديّته للشيطان، فلقد قال المسيح للمتديِّنين الكاذبين "أنتم من أب هو إبليس... لأنّه كذّابٌ وأبو الكذّاب" (يوحنا 44:8). لكن الفضيلة الرائعة التي لأولاد الله، أنّهم يحبّون "الصدق"، بل ويسمّون "بالصدّيقين"، وهذا ليس منهم، بل لأن "الصادق الأمين"، أي الرب يسوع، يسكن في قلوبهم بالإيمان. فهل أنا وأنت هكذا؟!
أولاً: خطورة الكذب
رغم أن الدول المتقدّمة اخترعت عدّة أجهزة لكشف الكذب، إلّا أنها لم تنجح إلّا بنسبة 20% فقط! لكن يوجد إله في السماوات كلُّ شيءٍ عريانٌ ومكشوف أمام عينيه!
1- الكذب مكرهة الرب: "هذه الستّة يبغضها الرب، وسبعة هي مكرهة نفسه: عيونٌ متعالية، لسانٌ كاذِبٌ ...". (أمثال 16:6)
2- الكذب خطيّة ضدّ الله: قال بطرس لحنانيّا، بعدما كذب هو وزوجته سفيرة، واختلسا من ثمن الحقل: "أنت لم تكذب على الناس بل على الله". (أعمال 4:5)
3- يجلب الكذب القضاء الإلهي الذي وقع على حنانيا وسفّيرة لكذبهما، فماتا حالاً. وأيضًا وقع القضاء على جيحزي، الذي كذب على نعمان وعلى أليشع رجل الله، فضربه الرب بالبرص «برص نعمان يلصق بك وبنسلك إلى الأبد. فخرج من أمامه أبرص كالثلج». (2ملوك 27:5)
4- لا بد أن يُفتضح أمر الكاذب: كما يقول الناس أن الكذب "مالهوش رجلين"! والأهمّ أن كلمة الله الصادقة تعلن أنه "ليس خفيٌّ لا يُظْهَر ولا مكتومٌ لا يُعْلَم ويُعْلَن". (لوقا 17:8)
5- مصير الكاذب النار الأبديّة: "... وجميع الكذبة، فنصيبهم في البحيرة المتّقدة بنارٍ وكبريت، الذي هو الموت الثاني". (رؤيا 8:21)
ثانيًا: متى يجوز الكذب؟!
يظنّ البعض أن هناك مبرِّرات للكذب، أو أن هناك بعض المواقف والحالات، لا يكون الكذب فيها كذبًا، بل هو نوع من الدبلوماسيّة.
لكن حذار أحبائي، فكلّ ما ليس صدقًا هو كذب. يؤكّد الكتاب المقدس أن "... جميع الكذبة، فنصيبهم في البحيرة المتّقدة بنارٍ وكبريت". لم يقل جميع الزناة أو جميع القاتلون، لكن الخطيّة الوحيدة التي سبقها بكلمة "جميع" هي الكذب؛ حتى لا يظنّ أحد أن هناك أحوال أو مواقف يمكن الكذب فيها، أو أن هناك كذبة بيضاء أو سوداء!
ثالثًا: روعة الصدق
"أقول الصِّدْقَ في المسيح. لا أكذب". (رومية 1:9) ويا لسموّ الصدق المسيحيّ! هذه عبارة قالها الرسول بولس مؤكِّدًا بها صدق محبّته للآخرين.
1- مصدر الصدق: المسيحيّة الحقيقيّة ليست مجرّد أوامرٍ ونواهٍ، بل هي طبيعة إلهيّة تسكن داخل الإنسان، فتسمو به لأعلى مستويات الرقيّ الأدبي؛ "... لكي تصيروا بها شركاء الطَّبيعة الإلهيّة، هاربين من الفساد الذي في العالم بالشّهوة". (2بطرس 4:1)
2- أروع مثال للصدق: لم ترَ أرضنا صادقًا كربّنا يسوع المسيح، الذي حُقّ له وحده أن يُسبِق كلامه بالقول "الحقَّ الحقَّ أقول لكم"، وشهد عنه الروح القدس بأنه "... الآمين، الشاهد الأمين الصادق". (رؤيا 14:3) فعن صدق شهادته يقول: "الحقّ الحقّ أقول لك: إنّنا إنّما نتكلّم بما نعلم ونشهد بما رأينا". (يوحنا 11:3) وفي توبيخه أيضًا كان صادقًا وهو يكشف عدم صدق الفرّيسيّين: "ويلٌ لكم أيها الكتبة والفريسيّون المراؤون! لأنكم تشبهون قبورًا مُبَيَّضة تظهر من خارج جميلة، وهي من داخل مملوءة عظامَ أمواتٍ وكلَّ نجاسة". (متى 27:23)
3- جوانب الصدق: الصدق لا يشمل فقط الأقوال، وإن كان هذا أساسيًّا، بل هو سمة كلّ جوانب الحياة المسيحيّة العمليّة... فيظهر في: الإيمان الحقيقي غير المزيَّف كما يصف بولس إيمان تيموثاوس "إذ أتذكّر الإيمان العديم الرياء الذي فيك". (2تيموثاوس 5:1) فما أكثر المزوّرين ومدّعي الإيمان بالله، وقلبهم مبتعد عنه بعيدًا.
يقول الكتاب في المشاعر القلبيّة الصادقة: "بل صادقين في المحبّة". (أفسس 15:4) ويقول في أحاديثنا معًا: "لذلك اطرحوا عنكم الكذب، وتكلّموا بالصدق كلّ واحدٍ مع قريبه". (أفسس 25:4) ويقول الرسول بولس في نقل الوقائع والاختبارات: "لأنّي لا أجسر أن أتكلّم عن شيء ممّا لم يفعله المسيح بواسطتي...". (رومية 18:15) ولا ننسى المبدأ الذهبي الإلهي "بل ليكن كلامكم: نعم نعم، لا لا. وما زاد على ذلك فهو من الشرير". (متى 37:5)
رابعًا: بركات الصدق
1- السكنى أو الشركة مع الربّ: يتساءل داود: "يا ربّ، من ينْزِلُ في مسكنكَ؟ من يسكن في جبل قدسك؟" فتأتي الإجابة: "السالك بالكمال، والعامل الحقّ، والمتكلِّم بالصدق في قلبه". (مزمور 1:15-2) فالله لا يساكن الكذّابين حتى لو كانوا متديِّنين!
2- إشباع لقلب الرب: "الشِّفَاهُ الْكَاذِبَةُ رِجْسٌ لَدَى الرَّبِّ، وَمَسَرَّتُهُ بِالْعَامِلِينَ بِالصِّدْقِ". (أمثال 22:12 الترجمة التفسيرية)
3- كلام الصادق لا يسقط إلى الأرض: "أقوال الشفاه الصادقة تدوم الى الأبد، ولسان الكذب إنما هو إلى طرفة العين". (أمثال 19:12 الترجمة التفسيريّة)
أحبائي، ما أروع فضيلة الصدق وما أحوجنا إليها! وما أخطر الكذب وعواقبه الوخيمة... يومًا قريبًا، سيأتي الرب "الذي سينير خفايا الظلام ويظهر آراء القلوب". (1كورنثوس 5:4) لذلك دعونا نمتلئ بروحه القدّوس، وليحُلّ المسيح بالإيمان في قلوبنا، ولتكن صلاتنا كلّ يوم: "لتكن أقوال فمي وفكر قلبـي مرضيّةً أمامك يا ربّ صخرتي ووليِّي".