الحياة مزيجٌ من الحزن والفرح، وهذا التنقّل بين الحزن والفرح هو حكمة الله للكون، فالمشاعر المختلفة

تعطي للحياة الحيويّة والألوان، ولولاها لكانت الحياة مملّة رتيبة تسير على وتيرة واحدة. ولا يوجد شخص يفرح باستمرار، فهناك ظروف تدعو للفرح وأخرى تدعو للحزن.
قال الرب يسوع لتلاميذه: “إِنَّكُمْ سَتَبْكُونَ وَتَنُوحُونَ وَالْعَالَمُ يَفْرَحُ. أَنْتُمْ سَتَحْزَنُونَ، وَلكِنَّ حُزْنَكُمْ يَتَحَوَّلُ إِلَى فَرَحٍ”. (يوحنا 20:16)
فرح العالم لأنّه صلب المسيح، بينما حزن التلاميذ لذلك، ولكن حزنهم تحوّل إلى فرح. فالصلبُ الذي حدث يوم الجمعة أعقبته القيامة يوم الأحد.
يقول الكتاب المقدس أيضًا: “فَرِحِينَ فِي الرَّجَاءِ” (رومية 12:12). وهذا معناه أنه ليس بين يديَّ الآن ما يدعو للفرح، ولكن سيأتي الفرح فيما بعد وعندي الأمل والرجاء بذلك. يقول أيضًا: “صَابِرِينَ فِي الضَّيْقِ (أي الحزن)” وهذا يعني التسلّح بالاحتمال. قد نجد إخوة بيننا حزانى ومتضايقين فنزورهم ونقدّم لهم رسالة رجاء وبركة. وأسرة أخرى تحتفل بمناسبة فرح فنشاركها “فَرَحًا مَعَ الْفَرِحِينَ”. ويقول الرسول يعقوب: “أَعَلَى أَحَدٍ بَيْنَكُمْ مَشَقَّاتٌ؟ فَلْيُصَلِّ. أَمَسْرُورٌ أَحَدٌ؟ فَلْيُرَتِّلْ” (يعقوب 13:5). في يوم المشقّات نصلّي، ثم يأتي يوم فرح فنرتّل.
ونجد هنا دعوة للفرح بالرغم من أن الظروف غير مواتية ولكن يجب أن نفرح. ويقول مزمور 95 “هَلُمَّ نُرَنِّمُ لِلرَّبِّ، نَهْتِفُ لِصَخْرَةِ خَلاَصِنَا”. ففي علاقة الحبّ بين المؤمنين وبين الرب نهتف بفرح ونشكر رغم أن الظروف سيّئة، ولكن نثق أن الربّ سيتدخّل.
والفرح بالربّ ينبع من داخلنا. فداود مثلًا كان قد طرده ابنه أبشالوم، ومع ذلك فقد كتب مزمور3 في المساء ومزمور4 في الصباح، رنّم بالليل ونام، ثم استيقظ في الصباح وأيضًا رنّم للربّ.
كان داود يفرح بالربّ باستمرار مهما كانت الظروف، فعندما كان ابنه يحاربه، عاش في ظروف حزينة، وكان يسير حافي القدمين مع أنّه الملك، ولكنّه رنّم للربّ ولسان حاله: “لأَنَّكَ أَنْتَ يَا رَبُّ مُنْفَرِدًا فِي طُمَأْنِينَةٍ تُسَكِّنُنِي” وهذه بطولة غير عاديّة.
في سفر أعمال الرسل أصحاح 12 نقرأ عن بطرس الرسول الذي ألقاه هيرودس في السجن ليقتله في اليوم التالي، ورغم ذلك نام بطرس بعمق في السجن. وجاء ملاك الرب في نصف الليل، واعتَقَد بطرس أنّه حلم، ولكنّ الملاك أيقظه وقال له: “إلبس نعليك”. فالربّ مهتمّ حتى بحذاء بطرس لأنّه يخشى عليه من البرد. وقاده الملاك حتى البوّابة الخارجيّة للسجن.
يترنّم النبي حبقوق: “فَمَعَ أَنَّهُ لاَ يُزْهِرُ التِّينُ، وَلاَ يَكُونُ حَمْلٌ فِي الْكُرُومِ. يَكْذِبُ عَمَلُ الزَّيْتُونَةِ، وَالْحُقُولُ لاَ تَصْنَعُ طَعَامًا. يَنْقَطِعُ الْغَنَمُ مِنَ الْحَظِيرَةِ، وَلاَ بَقَرَ فِي الْمَذَاوِدِ، فَإِنِّي أَبْتَهِجُ بِالرَّبِّ وَأَفْرَحُ بِإِلهِ خَلاَصِي” (حب 17:3-18).
كلّ شيء ضاع. التين والعنب والزيتون والبقر. ولكنّه يقول: “فَإِنِّي أَبْتَهِجُ بِالرَّبِّ وَأَفْرَحُ بِإِلهِ خَلاَصِي”. لم يعتمد فرح حبقوق على الأمور الماديّة الملموسة، بل على علاقته مع الله. لنصلِّ أن يعطينا الربّ هذا الإيمان العظيم.
في حادثة الخمس خبزات والسمكتين قال التلاميذ: ترى، ماذا سيعمل المسيح بهذه الخبزات؟ ولكن الرب بارك وكسّر وأعطى وفاض. لنضع ذواتنا بين يديّ الإله المحبّ. “كُنْتُ فَتىً وَقَدْ شِخْتُ، وَلَمْ أَرَ صِدِّيقًا تُخُلِّيَ عَنْهُ...” ولنتّكل على العناية الإلهيّة التي تستطيع أن ترسم الابتسامة على وجوهنا، فوعد الله لنا “عِنْدَ الْمَسَاءِ يَبِيتُ الْبُكَاءُ، وَفِي الصَّبَاحِ تَرَنُّمٌ”، ويأمرنا الرب أن نفرح “اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ” (فيلبي 4:4). إليك بعض الأسباب التي تملأ قلوبنا بالفرح.


فرح بالله الذي يخلّصني
“طُوبَى لِلْحَزَانَى، لأَنَّهُمْ يَتَعَزَّوْنَ”. عندما أحزن على خطاياي يعزّيني الله بالغفران. وعندما يعذّبني ضميري، يغفر الله خطاياي ويريحني. فنقول مع العذراء مريم: “تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي”.
نقرأ في الكتاب المقدّس عن قصّة العشّار الذي لم يشأ أن يرفع وجهه نحو السماء لأنّ خطاياه كثيرة، فقرع على صدره وقال: “اللّهُمَّ ارْحَمْنِي، أَنَا الْخَاطِئَ”، فنزل إلى بيته مبرَّرًا. وكذلك المجدليّة التي كان بها سبعة شياطين وغفر لها الربّ كلّ خطاياها وحرَّرها من سطوة الشيطان، ويقول لنا الله: “إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ” (إشعياء 18:1).
الله مستعدّ أن يغفر لنا ويغسلنا كلّ يوم من خطايانا، فهو أيضًا يعدنا “إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ” (1يوحنا 9:1).
ويقول أيضًا في أفسس 13:1 “إِذْ آمَنْتُمْ خُتِمْتُمْ بِرُوحِ الْمَوْعِدِ الْقُدُّوسِ”. أي إن الله يعطينا الروح القدس ليسكن فينا ويختم على المؤمن أنه مُلك لله، وبهذا يؤكّد له: إيمانك صحيح. لا داعي للشكّ أو الانزعاج. وستأخذ عربون الميراث.

فرح الشبع في محضر الله
يقول الرب لكلّ شخص: “وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ”. إذًا أنت على موعد يومي للجلوس مع أبيك السماوي، فتجلس في محضره وتتمتّع بالحديث الشيّق معه وهو أيضًا وعدنا: “لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ”، فالله يعدنا بالسرور بكثرة ووفرة. “أَمَامَكَ شِبَعُ سُرُورٍ” (مزمور 11:16).

فرح بالحصاد بعد الزرع بالدموع
يعدُ الله خدّامه الأمناء بالابتهاج والفرح بعد الزرع بالدموع: “الَّذِينَ يَزْرَعُونَ بِالدُّمُوعِ يَحْصُدُونَ بِالابْتِهَاجِ” (مزمور 5:126).
عندما نصلّي من أجل نفس بعيدة عن الربّ، نشعر بالحزن لما ترتكبه تلك النفس من خطايا، ولكن عندما يستجيب الربّ صلاتنا وترجع النفس للربّ وتتوب، نختبر فرحًا وابتهاجًا عظيمَين.

فرح نتيجة العطاء أكثر من الأخذ
يقول الربّ لنا: “مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ”. الربّ يعطينا فرح العطاء بسخاء وفرحًا بعودة النفوس. في أعمال 3 يقول الرسول بطرس للرجل الأعرج الذي كان جالسًا عند باب الهيكل: “لَيْسَ لِي فِضَّةٌ وَلاَ ذَهَبٌ، وَلكِنِ الَّذِي لِي فَإِيَّاهُ أُعْطِيكَ: بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ قُمْ وَامْشِ”. لقد أعطاه بطرس الرسول ما هو أهمّ وأفضل من الذهب. يستطيع بعضنا أن يدفع المال بسخاء، ولكن كلّنا نستطيع أن نصلّي من أجل النفوس باستمرار وبلجاجة ودموع.
والخلاصة: يسمح الله لقلوبنا بالحزن لينقّيها ويشدّدها، لكن عندنا أسباب للفرح مما تجعلنا ننتصر على أيّة ظروف حزن خارجيّة، لأنّ الفرح ينبع من داخلنا بغفران الربّ. كذلك الشبع بمحضر الربّ، ثم الفرح لحصاد خدمة أمينة مزروعة بالدموع، والفرح نتيجة العطاء بسخاء لأجل الربّ.

المجموعة: تموز (يوليو) 2025