هذه خواطر زميل وليست مقالة عادية.
بعد عيد الشكر مباشرة، ينشغل الناس للإعداد والاستعداد للكريسماس، وكل بلد من بلدان العالم له تقاليده الخاصة ‏للاحتفال بهذه الذكرى المباركة.

لم تُستثنَ الكنيسة مع رعاتها وخدامها من الاستعداد والإعداد الجيِّد لهذه المناسبة لأننا نحن معشر الخدام ننشغل ‏كثيرًا بهذا الأمر. وقد تنحصر اهتماماتنا في هذا الوقت بالذات، بالمظهر دون الجوهر. اذكر بعضًا منها على سبيل المثال: ‏
الاهتمام بزينة الكنيسة (كشجرة الميلاد والأنوار الجميلة وبابا نويل... إلخ) ونتفنّن في تقديم أجمل البرامج المختلفة لجميع ‏الأعمار في الكنيسة، وطبعًا الأطفال والشباب لهم نصيب الأسد في الاحتفالات. بالإضافة إلى كل هذا هناك الأطعمة ‏والحلويات التي تتبارى فيها الأخوات وتتنافس. وقد يتولّى الراعي الإشراف على كل هذه، بالإضافة إلى مشغوليته ‏بإعداد رسالة مناسبة للميلاد؛ كل هذا جميل ورائع ويُدخل البهجة والسرور إلى النفوس ولا اعتراض عليه. ‏لكنني أرى (سواء توافق أو تختلف معي) أننا قد انشغلنا بالمهم وأهملنا الأهم، والمهم هو أقوى عدو للأهم. ‏
إذن، ما هو الأهم الذي يجب أن نفكر فيه ونقوم به في الكريسماس؟‏
أذكر جيدًا بعد اختبار تجديدي في أوائل خمسينيات القرن الماضي، أنني انخرطت مع شباب الكنيسة في الخدمة، ومن ضمن
‏الخدمات التي كنا نقوم بها خدمة العائلات الفقيرة والمحرومة، والتي كانت تسعدني جدًا. كنا نقوم في الأعياد بمشروع ‏أطلقنا عليه اسم «مشروع الرغيف الواحد». فكنا نذهب إلى البيوت ونجمع الأرغفة، وكنا نقوم بجمع بعض التبرعات النقدية، ‏وكانت لدينا قائمة بأسماء العائلات الفقيرة والمحرومة. وقبل العيد بيوم، كنا نحضر لكل عائلة سلة تحتوي على بعض الأرغفة، ‏والخضار، والفاكهة، وكمية مناسبة من اللحوم حسب عدد أفراد الأسرة، إلخ... ونذهب ليلًا إلى هذه العائلات في القرية والقرى ‏المجاورة ونقدّمها لهم باسم يسوع، وكم كانت فرحة الصغار والكبار بهذه الهدية المتواضعة! ‏
ربما «مشروع الرغيف الواحد» في منتصف القرن الماضي كان له قيمة عظيمة، ومما لا شك فيه، فالأمور الآن قد اختلفت كثيرًا جدًا ‏ولا يناسب «مشروع الرغيف الواحد» الآن مع عصر الهمبرﭽر وخلافه... ‏
والآن، ما هو الأهم الذي نتكلم عنه؟ إننا نجده في قول الرب يسوع المسيح في إنجيل متى 25 في مثل الجداء والخراف: "ثم ‏يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا يا مباركي أبي رِثوا الملكوت المُعدّ لكم منذ تأسيس العالم. لأني جعت فأطعمتموني. ‏عطشت فسقيتموني. كنت غريبًا فآويتموني. عريانًا فكسوتموني. مريضًا فزرتموني. محبوسًا فأتيتم إليّ. فيجيبه ‏الأبرار حينئذ قائلين: يا رب، متى رأيناك جائعًا فأطعمناك، أو عطشانًا فسقيناك؟ ومتى رأيناك غريبًا فآويناك، أو عريانًا ‏فكسوناك؟ ومتى رأيناك مريضًا أو محبوسًا فأتينا إليك؟ فيجيب الملك ويقول لهم: الحق أقول لكم: بما أنكم فعلتموه بأحد ‏إخوتي هؤلاء الأصاغر، فبي فعلتم." (متى 34:25-40)
زميلي العزيز، فكّر معي ولو قليلًا، كم من الدولارات التي تُصرف على الزينات والأنوار والمشتريات والأمور الأخرى في ‏هذه المناسبة؟ هل لي أن اقترح عليك هذا الاقتراح؟ وطبعًا، أنت حرّ أن تقبله أو ترفضه. أقترح أن تشجّع أعضاء كنيستك أن ‏يخفضوا من هذه المصاريف إلى النصف، وأن تعرض عليهم مشروعًا تستثمرون فيه هذه النقود لصالح الفئات المذكورة في إنجيل ‏متى 34:25–40، وهم ستة فئات، لإدخال البسمة والفرحة إليها.
ومن ناحية أخرى في موسم الكريسماس، قد يكون جميلًا أن يجهِّز الخادم مع الكنيسة فرقًا ومجموعات لزيارة ‏المرضى في المستشفيات، وبيوت المسنّين، والسجون، والملاجئ، إلخ... أو قد يفكّر في عائلات تحتاج إلى مساعدات مثل ‏دفع إيجار متأخِّر، أو دفع قسط سيارة، أو قسط تأمين متأخِّر، أو شراء بعض الأدوية لم تستطع العائلة شراءها، إلخ... ‏
ومع كل هذا، ربما تستطيع الكنيسة تكوين مجموعات كرازية لعزف الموسيقى والترانيم الميلادية الجميلة، وتوزيع ‏النبذ والكتب المقدسة في أماكن عامة مثل الحدائق والمنتزهات فتكون فرصة لإظهار محبة المسيح بطريقة ‏عملية.‏
هذه بعض الاقتراحات العملية لموسم الكريسماس للتذكير فقط، ولعلمي أن جميعكم له باع أكبر وعنده الأكثر في هذا ‏المضمار، وقد تكون كنيسته تمارس فعلًا مثل هذه الخدمات.
وأود أن أختم هذه الخواطر بتأمل بسيط في قصة زيارة المجوس للصبى يسوع:
نلاحظ أن هؤلاء المجوس:‏

‏1– أتَوْا إلى بيت لحم طائعين - إذ جاءوا من بلاد بعيدة. أطاعوا الرؤيا التي ظهرت لهم بواسطة النجم، وتركوا ‏بلادهم وأتوا ليروا المسيح الملك المولود. يقول لنا الرب في هذا الموسم: اذهبوا إلى خارج جدران الكنيسة ‏المحلية وأعملوا عمل المسيح الذي كان يجول يصنع خيرًا.

‏2– فتَّشوا باحثين وقائلين: أين هو المولود ملك اليهود؟ فقد رأينا نجمه وأتينا لنسجد له. وها صوت الرب يقول لنا: ‏اخرجوا خارج دائرة الكنيسة وفتشوا عن يسوع بين إخوته الأصاغر وهم كثيرون.‏

‏3– سجدوا ليسوع عابدين - فلا ننهمك بمظاهر الكريسماس وننسى الجوهر وهو أن نقدِّم العبادة الحقيقية ‏لشخص الرب يسوع.

‏4– قدَّموا أغلى ما عندهم معبِّرين عن محبتهم لمولد مخلص العالم. قدّموا الذهب واللبان والبخور! وبغضّ ‏النظر عما تشير إليه هذه الهدايا من رموز جميلة التي نعرفها جيدًا، فإنه يُقال إن العائلة المقدسة استخدمت ‏هذه الهدايا وخاصة الذهب في نفقات الرحلة إلى مصر. فهل لنا أن نعبِّر بطريقة عملية عن محبتنا للرب يسوع ‏فنساعد المحتاجين والفقراء في هذا الموسم؟

‏5 – رجعوا فرحين مهللين وشاكرين الرب الذي ظهر لهم وقادهم في طريق الوصول إلى يسوع وفي طريق ‏العودة بعيدًا عن هيرودس.وقد حقّقوا الدعوة والرؤيا وقد تمتّعوا بالرب يسوع رب المجد وملك القلوب.‏
وكما بدأتُ بهذه الخواطر أختم بنفس القول: إنها ليست مقالة بل هي مشاركة خواطر من زميل لكم، ولعلها تجد ‏صدًى فيكون الكريسماس في هذا الموسم، مختلفًا في كنائسنا عن كل عام، ويساهم برنامج الكريسماس في تحقيق ‏الإرسالية العظمى لربح نفوس جديدة للمسيح. وشكرًا على مشاركتكم، وكل عام وأنتم بخير وفرح وسعادة وسلام، ‏وأنتم خدامًا مبارَكين للمسيح. آمين.‏

زميلكم في الخدمة المقدسة،
القس منير سليمان

المجموعة: 2019