نشرة مع الخدام

يأتي عيد الميلاد «الكريسماس» هذا العام، في وقت يمرّ فيه العالم في ‏أزمة جائحة الكورونا، التي لم يسبق لها مثيل من قبل؛ التي أصابت ‏ملايين البشر،

وقضت بالموت على الآلاف، بينما يتسابق العلماء في كل ‏أنحاء العالم لإيجاد اللقاحات المضادة لهذا الفيروس وإيقاف انتشاره. ‏بينما الخوف والقلق والحيرة والاضطراب يملأ قلوب البشر والحزن يعمّ ‏الكثير من العائلات التي فقدت أحباءها بسبب هذا الوباء.
ويقفز إلى ذهني هذا السؤال: هل الاحتفالات بعيد الميلاد تكون ‏كالأعوام السابقة؟ هل ستحتفل به الكنائس والعالم المسيحي كما كانت ‏تفعل من قبل؟ هل ستُضاء شجرة الكريسماس في الميادين العامة ‏والمطارات ومحطات القطارات والأتوبيسات وفي كبرى المحلات؟ وهل ‏ستنشد جوقات الترنيم تسابيح الميلاد كما كانت تفعل من قبل؟ وكيف ‏ستحتفل العائلات؟ هل ستكون في الكنائس أو أمام الشاشة الصغيرة؟ أو كيف؟ وهنا أود أن أشير بالخط العريض: وان اختلفت الإجابات عن هذه ‏الأسئلة وتنوّعت البرامج وأساليب الاحتفالات، أو إن توقّفت، فإن ‏صاحب العيد الرب يسوع، مولود بيت لحم، يبقى هو هو أمسًا ‏واليوم وإلى الأبد. لا يتغيّر أو يحدث فيه ظلّ دوران. فهو لا تهمّه ‏مظاهر عيد الميلاد بقدر اهتمامه بالقلوب الخاشعة العابدة له ‏بالروح والحق. ففي أيّ حال أو حالة سيكون الاحتفال، وسيبقى ‏يسوع هو المركز والمتقدِّم في كل شيء، ودائمًا فوق العرش، فلنعطِه كل المجد!‏
وبالرغم من الزمن الصعب الذي نمرّ فيه مع العالم كله، ومهما كانت ‏وسيلة الاحتفالات بعيد الميلاد، علينا أن نتوقّف عن الأنين والضجر، ‏ونتأمّل بعمق في رسالة ميلاد ربّ المجد، ففيها عزاء لقلوبنا، وعلاج ‏لجروحنا، واطمئنان لنفوسنا، وتجفيف لدموعنا، ورجاء لحياتنا. وللفائدة ‏أُذَكِّر وأذكر ما يلي:

1– ميلاد المسيح هو خلاص للبشرية
ظهر مَلاَكُ الرَّبِّ ليوسف قَائِلًا: "لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ ‏مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ... فَسَتَلِدُ ابْنًا ‏وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ." وبكل تأكيد، هذا الأمر لا يغيب عن أذهان الزملاء الخدام الأجلاء، فرسالة ‏الميلاد الأساسية هي خلاص البشرية من خطاياهم. وأعتقد أن أفضل وقت ‏نقدّم فيه يسوع المخلص ورسالة الخلاص للبعيدين هو هذا الوقت، ليفهم ‏العالم أن الموت الذي يخيفهم، هو باب الحياة الأبدية لهم، حيث لا يوجد ‏حزن بعد ولا خوف ولا كورونا!‏

2- ميلاد المسيح هو سلام للقلوب
إن عبارة "لا تخف"، تكررت في قصة الميلاد ثلاث مرات ليقول الرب للخائفين: ‏اطمئنوا، لكم سلام في مولود بيت لحم!

‏‏‏1- لقد شجّع العذراء المطوّبة مريم قائلاً: "لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ..."
‏2- وشجع الرعاة: "لاَ تَخَافُوا. فَهَا ‏أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ..." ‏
3- وطمأن يوسف النجار خطيب مريم "لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ..."
ومن ناحية أخرى، أعلنت السماء سلام طفل بيت لحم، بترنيمة الملائكة ‏الخالدة: «المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة.» هذا النوع من السلام الفريد، لا يعطيه العالم، ولا ‏المؤتمرات الداعية للسلام ولا القرارات التي تصدرها الأمم المتحدة لوقف ‏الحروب، ولا لقاح الكورونا، لكنه عطية سماوية من مولود بيت لحم ‏صانع السلام ورئيسه للمؤمنين به. «فإذ قد تبررنا ‏بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح.» ونحن في زمن الكورونا زمن ‏الخوف من الإصابات به، والخوف من الموت والقلق والاضطراب، يجب أن ‏نقدّم رسالة عيد الميلاد - رسالة السلام الحقيقي للخائفين والمضطربين - ‏ليحلّ المسيح في قلوبهم بالإيمان، فيتحوّل الخوف في حياتهم إلى سلام... ‏والاضطراب إلى هدوء وسكينة.

3- وميلاد المسيح هو فرح للحزانى‏
قال الملاك للرعاة: "فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ..." لقد تركت الكورونا وراءها قلوبًا منكسرة، ‏ونفوسًا حزينة، وعيونًا دامعة على فراق الأحباء. فهؤلاء محتاجون إلى ‏رسالة تعزية وتشجيع، ووقت عيد الميلاد فرصة مناسبة لتقديم هذه ‏الرسالة لهم، سواء في صورة رسائل بالهاتف أو «كارت» يحمل آيات ‏تعزية من الكتاب المقدس، أو إرسال خطاب بهذا المعنى أو بأي أسلوب آخر مناسب، نُظهر فيه مشاعرنا وعواطفنا ومشاركتنا لهم في هذا الوقت ‏بالذات. كل هذا مع الأخذ بالاعتبار الإجراءات الاحترازية.

4- وميلاد المسيح هو رسالة عطاء
"فشكرًا لله على عطيته التي لا يُعبَّر عنها." إذ "وَضَعَ (يسوع) نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ." هذا هو العطاء الأعظم!
ويقول الكتاب عن المجوس: "وَأَتَوْا إِلَى الْبَيْتِ وَرَأَوُا الصَّبِيَّ مَعَ مَرْيَمَ ‏أُمِّهِ فَخَرُّوا وَسَجَدُوا لَهُ ثُمَّ فَتَحُوا كُنُوزَهُمْ وَقَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا: ذَهَبًا وَلُبَانًا وَمُرًّا." (متى 11:2)
أيها الزملاء، لنفكّر في هذا العيد بالذات في ‏هؤلاء الذين فقدوا أعمالهم بسبب الكورونا، خاصة الذين لديهم عائلات، ‏وفي الأرامل والأيتام والمحتاجين، فنحثّ كنائسنا على إرسال بعض المال أو ‏هدايا عينية للأولاد أو أي شيء من هذا القبيل، إلخ... لا نعتذر بسبب جائحة ‏الكورونا، فهناك وسائل كثيرة نستطيع أن نستخدمها في هذه الخدمة. ‏وأيضًا لنفكّر في الخدام الذين لا تستطيع كنائسهم توفير رواتبهم... فلتساعد الكنائسُ القادرة الكنائسَ غير القادرة كما فعلت كنيسة أنطاكية لكنيسة ‏أورشليم. فإن أعطانا الله نفسه، ألا نشارك نحن الآخرين احتياجاتهم‏؟‏
هذه بعض الأفكار للتذكرة، فإنني متأكد أن للزملاء الكثير والأفضل مما لديّ‏‏. ولنستمر في الصلاة لتعبر هذه الجائحة وتعود المياه إلى مجاريها، ‏ويفيض الرب بالخير والبركات معوّضًا عن السنين التي أكلها الجراد.

المجموعة: 2020