نشرة مع الخدام

"رابح النفوس حكيم." (أمثال 30:11)
لا بدّ أن لك هدفًا ساميًا وإرسالية رفيعة تخدم فيها. إنك سفير لرب المجد، وأنت تدري ما للسفير من مسؤولية ومركز.

فهو بحكم وظيفته ممثِّلٌ لوطنه ورئيسه، ولعاداتٍ وثقافةٍ يؤمن بها، ويفتخر بماضيها وحاضرها، ويشهد عنها في كل مناسبة. إنه سفيرٌ، مسافرٌ مستقرّ، وغريبٌ مستوطن، وشاهد حقّ غير خائف، لأنه محتضَن برعاية مضمونة. هذا السفير هو أنت، في حياتك وتصرفاتك وعلاقاتك.
نعم، هدفك سامٍ، فهل هناك شيء في الدنيا أثمن من نفس الإنسان المخلوقة على صورة الله ومثاله؟ ولكن هذه النفس البشرية ضلّت طريقها عن خالقها. والله بحكمته دبّر لها خلاصًا في الصليب، وقد أوكَلَ خدمة توصيل إنجيل الخلاص إلينا نحن الذين اخترنا هذا الخلاص. ولكي نستطيع أن نقوم بهذه المسؤولية بحكمة، علينا أن ندرك الحقائق التالية:

1- من هو رابح النفوس؟
إن رابحَ النفوس الحكيم هو الرسول المقتنع بإرساليته والواثق بها. هو المتمسّك بتعاليم مخلصه والمرسِّخ مسؤوليته في عقله وفي قلبه. هو الصدّيق الذي فمه ينبت حكمةً، والذي لا يترك كتابه بل يأخذ منه غزارة وفيضًا وبركة لا توسع.
إنه المزوّد والمسلّح بأسلحة الروح ليتسنّى له خوض غمار الحرب الروحية التي لا هدنة فيها. فهو الممتلئ من الروح القدس والعامل في الخدمة في آن واحد. هو المولود ثانية والمتّكل على قوة الروح القدس وليس على مجهوده الشخصي في هذه الخدمة، وهو المطيع لصوت سيده القائل: "اذهب وأخبر بكم صنع الرب بك"، "اذهب اليوم واعمل في كرمي."

2- مقياس حكمة رابح النفوس
إن الموازين والمقاييس وُجدت لتُظهر قيمة المادة، فهناك أنواع شتى لقياس العديد من موجودات هذه الأرض ونفائسها. أما مقياس حكمة رابح النفوس فيختلف عن مقياس العقل البشري.
لننظر إلى موسى ذلك القائد العظيم، هل استفاد من حكمة معلّميه وحكماء عصره الذين تعلّم عندهم؟ كلّا، بل إنه قاد الشعب بحكمة الله. إن الحكمة الناجحة لربح النفوس وقيادتها إلى مخلصها هي حكمة الصليب. فإنه في الصليب قوة الله وحكمة الله "لأن حكمة هذا العالم هي جهالة عند الله." إذًا، لكي أكون حكيمًا ونافعًا لخدمة السيد، عليّ أن أقدّم هذه الحكمة السماوية عن سواها. إن العيار الثقيل الذي يمكن أن نستفيد منه هو ميزان محبة يسوع إلى العالم التي ظهرت في الصليب مقدمة الثمن الغالي الذي دُفع عن نفس الإنسان.

3- مصدر حكمة رابح النفوس
مهما تعدّدت الحركات الفكرية والعقائدية، ومهما تنوّعت مصادر العلم وانتشرت، فلن تتمكّن من أن تصل إلى مستوى حكمة الإيمان المسيحي. هذا ما حيّر اليهود عندما سمعوا يسوع يتكلم بكلمات أدهشت عقولهم ودخلت إلى قلوب الكثيرين، فتعجّب الجميع قائلين: "من أين لهذا هذه الحكمة؟" "ما هذه الحكمة التي أُعطيت له؟" وهكذا نجد أنه كان لعمل المسيح أثمار ظاهرة شهدت له الأفراد والجماعات.
إن السر في هذا هو أن مصدر الحكمة المثمرة هي من مصدر الحياة والمحبة، لأن يسوع تكلم عن الحاجة المطلوبة والدواء الكامل. يقول الرسول يعقوب: "وأما الحكمة التي من فوق فهي أولاً طاهرة، ثم مسالمة، مترفّقة، مذعنة، مملوّة رحمة وأثمارًا صالحة، عديمة الريب والرياء." فإن كانت هذه الأمور هكذا، فعلى كل من تجنّد في خدمة السيد أن يخدم النفوس على هذا الأساس المثالي. ففي الكلام نهدف إلى جذب النفوس للمسيح، وفي العمل نمجّد الرب لنربح النفوس، وفي التصرّف والمسلك نكون قدوة للآخرين لنربحهم بسيرتنا الحسنة؛ لأن «كل النفوس هي لي» يقول الرب. "والشاهد الأمين منجّي النفوس."
وإذ نريد أن نربح النفوس للرب، دعنا إذًا نستخدم إمكانيات الرب الموضوعة على حسابنا، فلنا رصيد كبير يمكننا أن نعتمد عليه في كل حين، والنجاح مضمون ما دام المصدر سليمًا وصالحًا، و"نبع الحكمة نهر متدفّق."
هذا من الناحية الإيجابية، أما من الناحية السلبية فلنا الوعظ الكافي في رسالة كورنثوس الأولى الأصحاحين الثاني والثالث. وإني لمقتنع تمامًا بعدم جدوى استخدام الحكمة الإنسانية في التأثير الروحي لخلاص النفوس، وأن اختباراتنا لشاهدة علينا.
بقي علينا أن نخطو الخطوة العملية في موضوعنا لنتعلم المزيد بواسطة الاختبار الفردي في مدى فاعلية حياتنا. إذًا نحتاج إلى:

4- حكمة تطبيقية في ربح النفوس
لا بد لمن يتأمل في هذه العبارة أن يذكر حكمة يسوع التطبيقية. ففي أعماله وفي كلامه كان يعمل ضمن هذا الموضوع، حتى أنه على الصليب ربح نفسًا ثمينة، هي نفس اللص.
ولا ترهب الاضطهاد حتى الموت لأن إلهك حيّ وستحيا معه حيثما يكون. وعندما تتحدّث إلى أحد، اعرف قيمة رسالتك التي تقدّمها وتواضع متأنّيًا معطيًا فرصة الكلام لمحدّثك مقدّمًا له الاحترام والمحبة الخالصة التي لن تسقط أبدًا. واعرف أن طريق خدمتك ليس مفروشًا بالرياحين بل بالاضطهاد والمعاندين.
وأخيرًا دعني أوجز حكمة رابح النفوس بثلاث كلمات: أولاً، أن يكون متمسّكًا بمواعيد الله وواثقًا بها. ثانيًا، أن يكون مهتمًّا بكلمة الرب وغنيًّا بمعرفتها ليجيب عن كل سؤال روحي كتابي. ثالثًا، أن يستخدم أسلوب حياة الإيمان في بشارته. وأهم هذه الوسائل العملية هي: التواضع، المسالمة، اللطف، الإذعان، الأثمار الصالحة، عدم الريب والرياء، وفوق الكل لابسًا ثوب المحبة ليستطيع أن يحتمل معاندة غير المؤمنين وليُسَرّ بإيصال رسالة الحياة الأبدية لهم.

المجموعة: 2020