نيسان April 2012

الدكتور القس لبيب ميخائيلمن الأدلة التي لا تُدحض لتأكيد قيامة المسيح، ظهوره لرسله الذين اختارهم بعد قيامته، "اَلَّذِينَ أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ، بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَيَتَكَلَّمُ عَنِ الأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ" (أعمال 3:1). ومع ظهوره لرسله، ظهر دفعة واحدة لأكثر من خمسمئة أخ كان أكثرهم باقيًا في أيام بولس (1كورنثوس 6:15). كان ظهور المسيح بعد قيامته ظهورًا هادفًا، وفي هذه الرسالة سنسير مع المسيح في ظهوره.

 

1- ظهر أولاً لمريم المجدلية

نقرأ في إنجيل مرقس: "وَبَعْدَمَا قَامَ بَاكِرًا فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ ظَهَرَ أَوَّلاً لِمَرْيَمَ الْمَجْدَلِيَّةِ" (مرقس 9:16).

مريم المجدلية كان يسكنها، قبل أن تلتقي بالمسيح، سبعة شياطين أخرجهم المسيح بسلطانه منها (لوقا 2:8). فأحبّته والتصقت به وتبعته حيثما ذهب بعد أن ذاقت طعم الحرية التي منحها لها المسيح. وفي مشهد الصلب نجد المجدلية واقفة... "وَكَانَتْ وَاقِفَاتٍ عِنْدَ صَلِيبِ يَسُوعَ، أُمُّهُ... وَمَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ" (يوحنا 25:19). وفي صباح القيامة ذهبت إلى القبر الذي دُفن فيه المسيح، "وَفِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ جَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ إِلَى الْقَبْرِ بَاكِرًا، وَالظَّلاَمُ بَاق. فَنَظَرَتِ الْحَجَرَ مَرْفُوعًا عَنِ الْقَبْرِ" (يوحنا 1:20).

مريم المجدلية تبعت المسيح بعد أن حررها من سبعة شياطين وكانت واقفة عند الصليب تشاهد آلامه.

وذهبت إلى القبر في أول الأسبوع والظلام باقٍ لتدهن جسده بالحنوط.

قليلون هم أمثال مريم المجدلية.

وعند القبر ظهر لها المسيح، وكانت أول من رآه بعد قيامته. ونتصوّر أنها بعد أن سمعت صوت المسيح يناديها باسمها، أنها تحت تأثير العاطفة كادت تعانقه، ففي الحال قال لها: "لاَ تَلْمِسِينِي لأَنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلَى أَبِي" (يوحنا 17:20).

وفي ظهور المسيح أولاً لمريم المجدلية - وهي امرأة - تكريم عظيم للمرأة المؤمنة في كل العصور... وقد حملت المجدلية خبر قيامة المسيح لتلاميذه، وأخبرتهم والفرح يملأ قلبها، أنها رأت الرب.

 

2- ظهر للتلميذَين الذاهبَين إلى قرية عمواس

ويقول لوقا البشير عن هذا المشهد: "وَإِذَا اثْنَانِ مِنْهُمْ كَانَا مُنْطَلِقَيْنِ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ إِلَى قَرْيَةٍ... اسْمُهَا عِمْوَاسُ. وَكَانَا يَتَكَلَّمَانِ بَعْضُهُمَا مَعَ بَعْضٍ... وَفِيمَا هُمَا يَتَكَلَّمَانِ وَيَتَحَاوَرَانِ، اقْتَرَبَ إِلَيْهِمَا يَسُوعُ نَفْسُهُ وَكَانَ يَمْشِي مَعَهُمَا. وَلكِنْ أُمْسِكَتْ أَعْيُنُهُمَا عَنْ مَعْرِفَتِهِ". (لوقا 13:24-16)

تحدث إليهما يسوع، فأخبراه أن بعض النساء منا حيّرننا إذ كنّ باكرًا عند القبر. وأنّهنّ رأين منظر ملائكة قالوا إنه حيّ.

"فَقَالَ لَهُمَا: أَيُّهَا الْغَبِيَّانِ وَالْبَطِيئَا الْقُلُوبِ فِي الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ! أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟ ثُمَّ ابْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا الأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ" (لوقا 25:24-27).

كان هدف ظهور المسيح لهذَين التلميذَين هو أن يفسّر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب، أي في أسفار العهد القديم.

 

3- ظهر للأحد عشر... ثم ظهر لتوما وهو معهم

"وَلَمَّا كَانَتْ عَشِيَّةُ ذلِكَ الْيَوْمِ، وَهُوَ أَوَّلُ الأُسْبُوعِ، وَكَانَتِ الأَبْوَابُ مُغَلَّقَةً حَيْثُ كَانَ التَّلاَمِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ، جَاءَ يَسُوعُ وَوَقَفَ فِي الْوَسْطِ، وَقَالَ لَهُمْ: سَلاَمٌ لَكُمْ! وَلَمَّا قَالَ هذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَجَنْبَهُ، فَفَرِحَ التَّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوْا الرَّبَّ" (يوحنا 19:20-20).

كان هدف هذا الظهور هو أن يؤكد يسوع لتلاميذه أنه هو نفسه الذي صُلب على الصليب، ولذلك أراهم يديه وجنبه، ليروا في يديه أثر المسامير وفي جنبه أثر طعنة الحربة التي طعنه بها الجندي الروماني (يوحنا 34:19). فالمسيح الذي صُلب هو نفسه الذي قام... وقد أزال ظهوره لتلاميذه الخوف من قلوبهم، وملأهم فرحًا.

"أَمَّا تُومَا، أَحَدُ الاثْنَيْ عَشَرَ... فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ حِينَ جَاءَ يَسُوعُ. فَقَالَ لَهُ التَّلاَمِيذُ الآخَرُونَ: قَدْ رَأَيْنَا الرَّبَّ!. فَقَالَ لَهُمْ: إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ إِصْبِعِي فِي أَثَرِ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ، لاَ أُومِنْ" (يوحنا 24:20-25).

لم يصدق توما شهادة التلاميذ الذين رأوا يسوع... أراد دليلاً ملموسًا ومحسوسًا حتى يزول الشك الذي طغى على قلبه؟

"وَبَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ كَانَ تَلاَمِيذُهُ أَيْضًا دَاخِلاً وَتُومَا مَعَهُمْ. فَجَاءَ يَسُوعُ وَالأَبْوَابُ مُغَلَّقَةٌ، وَوَقَفَ فِي الْوَسْطِ وَقَالَ: سَلاَمٌ لَكُمْ! ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا" (يوحنا 26:20-27).

أعلن يسوع لتوما أنه سمع كلماته التي قالها لرفقائه، وبهذا أعلن أنه مطلق الوجود، ومطلق المعرفة... ثم طلب من توما أن يلمس ويبصر أثر المسامير في يديه، وأن يضع يده في موضع الحربة، وبهذا يصير مؤمنًا بقيامته. وبعد أن تيقن توما أن المسيح الذي صُلب هو نفسه الذي قام.

"أَجَابَ تُومَا وَقَالَ لَهُ: رَبِّي وَإِلهِي!".

أعلن توما إيمانه بلاهوت المسيح إذ قال له: "ربي وإلهي".

لكن المسيح لم يدع الفرصة تذهب دون أن يعطي درسًا في الإيمان للأجيال القادمة، فقال لتوما:

"لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا" (يوحنا 29:20).

كان هدف ظهور المسيح لتوما هو إزالة شكه، وتعليم الأجيال مدى البركة التي لهم إذا آمنوا بحقيقة صلبه وقيامته ولم يروا.

4- ظهر للتلاميذ على بحر طبرية

وهذا ما نقرأه في بشارة يوحنا.

"بَعْدَ هذَا أَظْهَرَ أَيْضًا يَسُوعُ نَفْسَهُ لِلتَّلاَمِيذِ عَلَى بَحْرِ طَبَرِيَّةَ. ظَهَرَ هكَذَا: كَانَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ، وَتُومَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ التَّوْأَمُ، وَنَثَنَائِيلُ الَّذِي مِنْ قَانَا الْجَلِيلِ، وَابْنَا زَبْدِي، وَاثْنَانِ آخَرَانِ مِنْ تَلاَمِيذِهِ مَعَ بَعْضِهِمْ. قَالَ لَهُمْ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: أَنَا أَذْهَبُ لأَتَصَيَّدَ. قَالُوا لَهُ: نَذْهَبُ نَحْنُ أَيْضًا مَعَكَ. فَخَرَجُوا وَدَخَلُوا السَّفِينَةَ لِلْوَقْتِ. وَفِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ لَمْ يُمْسِكُوا شَيْئًا. وَلَمَّا كَانَ الصُّبْحُ، وَقَفَ يَسُوعُ عَلَى الشَّاطِئِ. وَلكِنَّ التَّلاَمِيذَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَسُوعُ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: يَا غِلْمَانُ أَلَعَلَّ عِنْدَكُمْ إِدَامًا؟. أَجَابُوهُ: لاَ! فَقَالَ لَهُمْ: أَلْقُوا الشَّبَكَةَ إِلَى جَانِبِ السَّفِينَةِ الأَيْمَنِ فَتَجِدُوا. فَأَلْقَوْا، وَلَمْ يَعُودُوا يَقْدِرُونَ أَنْ يَجْذِبُوهَا مِنْ كَثْرَةِ السَّمَكِ. فَقَالَ ذلِكَ التِّلْمِيذُ الَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ لِبُطْرُسَ: هُوَ الرَّبُّ!... وَأَمَّا التَّلاَمِيذُ الآخَرُونَ فَجَاءُوا بِالسَّفِينَةِ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا بَعِيدِينَ عَنِ الأَرْضِ... وَهُمْ يَجُرُّونَ شَبَكَةَ السَّمَكِ. فَلَمَّا خَرَجُوا إِلَى الأَرْضِ نَظَرُوا جَمْرًا مَوْضُوعًا وَسَمَكًا مَوْضُوعًا عَلَيْهِ وَخُبْزًا. قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: قَدِّمُوا مِنَ السَّمَكِ الَّذِي أَمْسَكْتُمُ الآنَ... قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: هَلُمُّوا تَغَدَّوْا!. وَلَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ مِنَ التَّلاَمِيذِ أَنْ يَسْأَلَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ إِذْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ الرَّبُّ. ثُمَّ جَاءَ يَسُوعُ وَأَخَذَ الْخُبْزَ وَأَعْطَاهُمْ وَكَذلِكَ السَّمَكَ. هذِهِ مَرَّةٌ ثَالِثَةٌ ظَهَرَ يَسُوعُ لِتَلاَمِيذِهِ بَعْدَمَا قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ... هذَا هُوَ التِّلْمِيذُ الَّذِي يَشْهَدُ بِهذَا وَكَتَبَ هذَا. وَنَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَتَهُ حَقٌّ" (يوحنا 1:21-24).

  • في هذا الظهور أعلن المسيح لتلاميذه أنه قادر أن يعطيهم حصادًا كثيرًا من النفوس إذ قال لهم: "أَلْقُوا الشَّبَكَةَ إِلَى جَانِبِ السَّفِينَةِ الأَيْمَنِ فَتَجِدُوا. فَأَلْقَوْا، وَلَمْ يَعُودُوا يَقْدِرُونَ أَنْ يَجْذِبُوهَا مِنْ كَثْرَةِ السَّمَكِ" (يوحنا 6:21).
  • وأعلن لهم، هو والسمك الذي يمسكوه - أي النفوس التي يربحونها لملكوته - سيتكفّلون بتسديد احتياجاتهم المادية.

"فَلَمَّا خَرَجُوا إِلَى الأَرْضِ نَظَرُوا جَمْرًا مَوْضُوعًا وَسَمَكًا مَوْضُوعًا عَلَيْهِ وَخُبْزًا. قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: قَدِّمُوا مِنَ السَّمَكِ الَّذِي أَمْسَكْتُمُ الآنَ... قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: هَلُمُّوا تَغَدَّوْا!". (يوحنا 9:21-10 و12)

إن على خادم الرب الأمين أن يهتم بربح النفوس، والرب والمؤمنون الحقيقيون سيتولّون تسديد حاجاته، كما قال بولس الرسول:

"فَيَمْلأُ إِلهِي كُلَّ احْتِيَاجِكُمْ بِحَسَبِ غِنَاهُ فِي الْمَجْدِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ" (فيلبي 19:4).

  • في هذا الظهور أيضًا أعلن الرب لبطرس غفرانه لخطيته، وأعطاه تفاصيل خدمته: "ارعَ خرافي... ارعَ غنمي... ارعَ غنمي".
  • كما أعلن له أنه سيموت شهيدًا من أجل اسمه إذ قال له: "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: لَمَّا كُنْتَ أَكْثَرَ حَدَاثَةً كُنْتَ تُمَنْطِقُ ذَاتَكَ وَتَمْشِي حَيْثُ تَشَاءُ. وَلكِنْ مَتَى شِخْتَ فَإِنَّكَ تَمُدُّ يَدَيْكَ وَآخَرُ يُمَنْطِقُكَ، وَيَحْمِلُكَ حَيْثُ لاَ تَشَاءُ. قَالَ هذَا مُشِيرًا إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعًا أَنْ يُمَجِّدَ اللهَ بِهَا. وَلَمَّا قَالَ هذَا قَالَ لَهُ: اتْبَعْنِي".(يوحنا 18:21-19)

وكلمة "تمدّ يديك" تشير إلى موت بطرس مصلوبًا، ويقول التاريخ أن بطرس طلب من قاتليه أن يصلبوه مقلوبًا لأنه ليس أهلاً أن يُصلب كما صُلب سيده.

  • عندما سأل بطرس المسيح عن مصير يوحنا الرسول، أجابه يسوع أن لا شأن له بمعرفة مصيره، وإنما عليه أن يتبعه، وهو درس لكل مؤمن أن يتبع المسيح دون السؤال عن مصير الآخرين.

نعود مكررين أن ظهور المسيح بعد قيامته، كان ظهورًا هادفًا:

  • ظهر أولاً لمريم المجدلية ليكرم المرأة ويكافئ تكريسها.
  • ظهر للتلميذين في طريق قرية عمواس ليفسر لهما الأمور المختصة به في أسفار العهد القديم.
  • ظهر للأحد عشر ثم ظهر لتوما وهو معهم، ليؤكد لهم أنه هو نفسه الذي صُلب على الصليب قد قام منتصرًا على الموت.
  • ظهر للتلاميذ على بحر طبرية ليؤكد لهم أنه رب الحصاد، وأنه سيسدّد كل احتياجاتهم.

كان ظهوره المتكرر مؤكدًا بما لا يدع مجالاً للشك أن المسيح صُلب حقًا وأنه قام بعد موته منتصرًا على الموت.

المجموعة: نيسان (إبريل) 2012