القس بسام بنورةتعلمنا كلمة الله في الكتاب المقدس أن الله هو مصدر الحياة. نقرأ في تكوين 7:2 "وجبل الرّبّ الإله آدم ترابًا من الأرْض ونفخ في أنْفه نسمة حياةٍ. فصار آدم نفْسًا حيّةً". كذلك نتعلم من الوحي المقدّس بأن الله أعطى للبشرية ثلاث أنواع من الولادات.


1. ولادة طبيعية. "ولكنّ الإنْسان موْلودٌ للْمشقّة." (أيوب 7:5)
2. ولادة من عذراء، أي بدون رجل. "ولكنْ يعْطيكم السّيّد نفْسه آيةً: ها الْعذْراء تحْبل وتلد ابْنًا وتدْعو اسْمه "عمّانوئيل"." (إشعياء 14:7)
3. ولادة من فوق، أي ولادة من الله. وتسمّى الولادة الثانية. "لا تتعجّبْ أنّي قلْت لك: ينْبغي أنْ تولدوا منْ فوْق." (يوحنا 7:3)

أولًا: الولادة الطبيعية

بعد أن خلق الله آدم وحواء، قال لهما في تكوين 28:1 "اكْثروا وامْلأوا الأرْض". وهكذا امتلأت الأرض من الناس الذين ولدوا ولادة طبيعية. ومع ذلك، فهذه الولادة الطبيعية التي تحدث كل ثانية أو ثانيتين في العالم، هي حدث مذهل ورائع، هي عجيبة من عجائب الله.
نقرأ في مزمور 13:139-15 "أنْت اقْتنيْت كلْيتيّ. نسجْتني في بطْن أمّي. أحْمدك منْ أجْل أنّي قد امْتزْت عجبًا... لمْ تخْتف عنْك عظامي حينما صنعْت في الْخفاء ورقمْت في أعْماق الأرْض". الله معطي الحياة. وهو يريد أن تستمر الحياة، ولذلك أعطى الله للزوجين الأولين، أي لآدم وحواء، أمرًا بعدم الأكل من الشجرة الممنوعة. نقرأ في تكوين 17:2 "وأمّا شجرة معْرفة الْخيْر والشّرّ فلا تأْكلْ منْها لأنّك يوْم تأْكل منْها موْتًا تموت". ولكن آدم وحواء أكلا منها وسقطا، وبالتالي دخلت الخطية إلى العالم، وعقاب الخطية هو الموت "في آدم يموت الْجميع." (1كورنثوس 22:15) وأيضًا نقرأ في رومية 12:5 "منْ أجْل ذلك كأنّما بإنْسانٍ واحدٍ دخلت الْخطيّة إلى الْعالم وبالْخطيّة الْموْت وهكذا اجْتاز الْموْت إلى جميع النّاس إذْ أخْطأ الْجميع." وهكذا أصبحت الولادة الطبيعية في العالم تقود إلى الموت بسبب الخطية وفساد الجنس البشري، فالجميع يموتون، وأيضًا يعيشون ويختبرون المشقة من جرّاء الخطية. كما نقرأ في أيوب 7:5 "ولكنّ الإنْسان موْلودٌ للْمشقّة." وهكذا نستنتج بأن مشكلة البشرية الوحيدة والعظمى هي الخطية بأشكالها المختلفة: سرقة، كراهية، حروب، دمار، زنى، كذب، محبة المال، الخ...
ولذلك فالسؤال العظيم المطروح هو: كيف نتبرر أمام الله؟ كيف نتخلص من مشكلة الخطية؟ والجواب نجده في كلمة الله في "متبرّرين مجّانًا بنعْمته بالْفداء الّذي بيسوع الْمسيح." (رومية 24:3) وبما أن الخلاص من الخطية يتم فقط بالفداء بيسوع المسيح، لهذا استدعت الحاجة لأن يولد المسيح في عالمنا، وهكذا تمت الولادة الثانية المذهلة.

 ثانيا: ولادة الرب يسوع المسيح من القديسة مريم العذراء

نقرأ في إنجيل يوحنا "في الْبدْء كان الْكلمة والْكلمة كان عنْد اللّه وكان الْكلمة اللّه." "وﭐلْكلمة صار جسدًا وحلّ بيْننا ورأيْنا مجْده مجْدًا كما لوحيدٍ من الآب ممْلوءًا نعْمةً وحقًّا."
فالرب يسوع المسيح هو الكلمة الأزلي المساوي للآب في الجوهر. ولأنه الله القادر على كل شيء، ويحب جميع البشر الذين خلقهم، اختار بدافع محبته أن يصبح واحدًا منهم. "وبالإجْماع عظيمٌ هو سرّ التّقْوى: الله ظهر في الْجسد، تبرّر في الرّوح، تراءى لملائكةٍ، كرز به بيْن الأمم، أومن به في الْعالم، رفع في الْمجْد." (1تيموثاوس 16:3)
وتم ظهور المسيح، أي مجيئه إلى عالمنا، بتجسده وولادته من القديسة مريم العذراء كما نقرأ في متى 23:1 "هوذا الْعذْراء تحْبل وتلد ابْنًا ويدْعون اسْمه عمّانوئيل ﭐلّذي تفْسيره: اللّه معنا".
فالكلمة الأزلية، أي الله الابن، صار إنسانًا بقوة عمل وحلول الروح القدس على القديسة المباركة مريم العذراء. وسبب تجسد الله هو لكي يجسد محبته بشكل عملي لكل الناس، فيستطيع الجنس البشري أن يفهم فكر الله من نحوهم، ويتم فداؤهم من الخطية وعقابها.
تقول القصّة أن عالم أحياء كان يتأمّل متعجبًا من النمل في عمله ونشاطه وانضباطه وخزنه للطعام أيام الصيف ليجد له غذاءً في الشتاء، ولكن النمل خاف وانزعج من هذا العالم لأنه لم يفهم ولم يدرك أن هذا الإنسان كان يحب النمل. عندها تمنى عالم الأحياء لو أنه يستطيع مخاطبة النمل ليوصل إليهم أفكاره، ولحظتها فهم معنى تجسد الله في المسيح.
نقرأ في فيلبي 6:2-7 "الّذي إذْ كان في صورة الله، لمْ يحْسبْ خلْسةً أنْ يكون معادلًا للّه. لكنّه أخْلى نفْسه، آخذًا صورة عبْدٍ، صائرًا في شبْه النّاس". فالرب يسوع المسيح الذي كان في السماء في صورة الله أخذ صورة عبد. وما أروع هذه الحقيقة المجيدة: الرب يسوع المسيح أصبح إنسانًا كاملًا، مع أن الله الكامل.
نقرأ في إشعياء 6:9 "لأنّه يولد لنا ولدٌ ونعْطى ابْنًا وتكون الرّياسة على كتفه ويدْعى اسْمه عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا أبًا أبديًّا رئيس السّلام." فالطفل المولود هو الله القدير، وقد ولد من أم بشرية. نتعلم من الإنجيل المقدس حقائق مجيدة عن رب المجد يسوع:
تعب كإنسان، لكنه أعطى الراحة لكل من يؤمن به. عطش كإنسان، لكنه يعطينا مياه الحياة. جاع كإنسان، لكنه يشبع الجميع من خيراته. بكى كإنسان، لكنه يعطي الفرح للجميع، ويمسح دموع الحزانى. نام كإنسان، ولكنه أخرس العاصفة التي أرعبت التلاميذ في البحر.
نقرأ في عبرانيين 9:2 "ولكنّ الّذي وضع قليلًا عن الْملائكة، يسوع، نراه مكلّلًا بالْمجْد والْكرامة، منْ أجْل ألم الْموْت، لكيْ يذوق بنعْمة الله الْموْت لأجْل كلّ واحدٍ". أجل، مات الرب يسوع المسيح على الصّليب من أجل كل واحد منا لكي يعطينا الحياة ويأتي بنا إلى المجد.
ولد المسيح بدون زرع بشر، وجسده لم يتلوّث بالخطية. ومع أنه ولد بجسد بشري، لكنه جسد لا تسكنه الخطية، حتى يستطيع أن يدين الخطية. نقرأ في رومية 3:8 "فاللّه إذْ أرْسل ابْنه في شبْه جسد الْخطيّة ولأجْل الْخطيّة دان الْخطيّة في الْجسد." لقد استخدم الله الولادة من عذراء ليعطينا مخلصًا كاملًا بلا خطية، ويستطيع بالتالي أن يحمل خطايا كل إنسان يؤمن به.
نحن الخطاة وبالطبيعة أولاد الغضب. "تصرّفْنا قبْلًا... في شهوات جسدنا، عاملين مشيئات الْجسد والأفْكار، وكنّا بالطّبيعة أبْناء الْغضب..." (أفسس 3:2) ولكن الله أراد ويريد اليوم أن يغير هذه الطبيعة الفاسدة والشريرة إلى طبيعة جديدة، إلهية، روحية.

ثالثًا: الولادة الجديدة

دعونا نتذكر مرة أخرى أن الإنسان مولود بالخطية وبطبيعة فاسدة تميل دومًا إلى الخطية، لذلك فالإنسان المولود فقط ولادة طبيعية لا يستطيع أن يعمل الصلاح بل الخطية، لأن أعماله تعكس طبيعته الخاطئة والشريرة. نقرأ في أفسس 1:2 "وأنْتمْ إذْ كنْتمْ أمْواتًا بالذّنوب والْخطايا." والخاطئ يستحيل عليه أن يدخل إلى محضر الله القدوس، تمامًا كما قال الرب يسوع المسيح في يوحنا 3:3 "إنْ كان أحدٌ لا يولد منْ فوْق لا يقْدر أنْ يرى ملكوت اللّه." والسّؤال: كيف نولد من فوق؟ والجواب: بالإيمان بالرب يسوع وبالتوبة، بوضع ثقتنا بالمسيح وحده من أجل خلاصنا. نقرأ في يوحنا 16:3 "لأنّه هكذا أحبّ اللّه الْعالم حتّى بذل ابْنه الْوحيد لكيْ لا يهْلك كلّ منْ يؤْمن به بلْ تكون له الْحياة الأبديّة."
الإيمان بالرب يسوع يعني الثقة به والاعتماد عليه. أي ندعوه ليدخل حياتنا، فتتم الولادة الجديدة. نقرأ في 1بطرس 23:1 "موْلودين ثانيةً، لا منْ زرْعٍ يفْنى، بلْ ممّا لا يفْنى، بكلمة الله الْحيّة الْباقية إلى الأبد".
نلاحظ هنا أن الولادة الثانية تتم بالكلمة، أي ليس بالتعليم ولا بالكنيسة لا بالمعمودية لا بالأعمال الصالحة، بل بكلمة الله كما قال الرب يسوع له المجد في يوحنا 24:5 "الْحقّ الْحقّ أقول لكمْ: إنّ منْ يسْمع كلامي ويؤْمن بالّذي أرْسلني فله حياةٌ أبديّةٌ ولا يأْتي إلى ديْنونةٍ بلْ قد انْتقل من الْموْت إلى الْحياة". إذًا، من يسمع كلام الرب يسوع، ويؤمن بموته وقيامته، وبأن دمه فقط يطهرنا من كل خطية، فقد ولد ثانية. وبدون الولادة الثانية لا توجد حياة أبدية.
فكل من يولد ثانية ينال ثلاثة أشياء جديدة من الله لحظة هذه الولادة:
1. امتياز جديد: بقبول الرب يسوع المسيح نصبح أولاد الله. نقرأ في يوحنا 12:1 "وأمّا كلّ الّذين قبلوه فأعْطاهمْ سلْطانًا أنْ يصيروا أوْلاد اللّه أي الْمؤْمنون باسْمه."
2. قوة جديدة: بالولادة الجديدة يمتلأ الإنسان بالروح القدس، والروح القدس يعطينا القوة لنعيش لله ولا نعود مستعبدين لشهوة الجسد وشرور هذا العالم.
3. هدف جديد: لا يعود هدفنا أن نرضي الجسد، والناس، بل أن نرضي الله أولًا.
فكر في وضعك الروحي وأجب نفسك بأمانة: هل ولدت من جديد أم لا تزال على طبيعتك القديمة؟ أدعوك أن تقبل الرب يسوع المسيح اليوم، حتى لا يرفضك غدًا. تب عن الماضي، وابدأ من جديد. اطلب من الله أن يملأك بالروح القدس، لكي تعيش فيما بعد لله ولخدمته ومجده.

المجموعة: كانون الأول (ديسمبر) 2016