الدكتور مفيد إبراهيم سعيدحزقيا واحد من الملوك الأتقياء القلائل الذين ملكوا على يهوذا. عمل الصالح في عيني الله، وحاول أن يعيد العبادة الحقيقية للشعب، ومارس الفصح مع شعبه. لكن الكتاب يقول: "بعد هذه الأمور وهذه الأمانة، أتى سنحاريب ملك أشور ودخل يهوذا ونزل على المدن الحصينة."

أي إنه بعد حياة الأمانة التي عاشها حزقيا، وبعد جهاده في إتمام مشيئة الله، إذا بالعدو – ملك أشور (سنحاريب) – يأتي ليأخذ المدن الحصينة وليدمر ويستعمر. وقد خطط سنحاريب لهذه الحرب خططًا عديدة، هي في الواقع تشير إلى الخطط التي يسلكها الشيطان ضدنا. وكما استخدم حزقيا وسائل الدفاع عن بلاده، نستطيع نحن أن نسلك ذلك الطريق للدفاع في حروبنا الروحية.
ونستطيع أن نتخذ من هذه الحرب – التي شنها سنحاريب على حزقيا – صورة للحروب الروحية التي يجتازها كل مسيحي في هذه الحياة. ولكل منا سنحاريب، ولكل منا معارك، ولكل منا أسلحة ينبغي أن نستخدمها ضد سنحاريب.
دعونا نتأمل في خطط العدو (سنحاريب) وفي وسائل الدفاع التي استخدمها حزقيا، لنتخذ منها عبرة لنا في هذه الأيام.

1- استخدم سنحاريب أولاً حسن التوقيت

هاجم سنحاريب حزقيا في وقت لم يخطر على بال. يقول الكتاب: "وبعد هذه الأمور وهذه الأمانة أتى سنحاريب..." كنا نتصور أن بعد هذه الأمانة كافأ الله حزقيا بالسلام ومنع عنه الحروب وطرد عنه سنحاريب. ولكن الذي حدث عكس ذلك، فقد أتى سنحاريب ليدمر ويحارب.
وكذلك كان الأمر مع أيوب. "كان رجلاً كاملاً مستقيمًا يتقي الله ويحيد عن الشر." كنا نتصور أن مكافأة لهذا أن يظل أيوب متمتعًا بالصحة والبركة والأولاد، إلا أنه بعد هذه الأمور، وهذه الأمانة أتى العدو وسلب أيوب أولاده وممتلكاته وصحته، في وقت ما كان يخطر فيه على بال أحد أن العدو يمكن أن يجيء.
إن أول خطط الشيطان في حربه، أنه يأتينا في وقت لا نتوقّعه، بعد حياة انتصار وشركة وعلاقة أمانة مع الله، وفي وقت نظن معه أنه آن لنا أن نستريح ونتمتع بالبركات الأرضية مكافأة من الله لنا على أمانتنا. وإذا بالعدو يأتينا على حين غرَّة ليحاربنا ويدمرنا.


2- استخدم سنحاريب سلاح التهديد والوعيد مرة، والوعود والمهادنة مرة أخرى

أرسل سنحاريب لحزقيا يقول: "أما تعلمون ما فعلته أنا وآبائي بجميع شعوب الأراضي؟ فهل قدرت آلهة أمم الأراضي أن تنقذ أرضها من يدي؟ ... حتى يستطيع إلهكم أن ينقذكم من يدي؟ ... لا يخدعنّكم حزقيا... لأنه لم يقدر إله أمة أو مملكة أن ينقذ شعبه من يدي ويد آبائي."
تهديد ووعيد بالخراب والدمار إن كان الشعب لا يطيعه، وإن كان حزقيا لا يستسلم له. كم من مرة يأتي الشيطان في صورة التهديد والوعيد؟ يقول: إننا لن نحصل على ترقية إن لم نستخدم الطرق الملتوية لكي نصل إليها. أليس هكذا يأتينا الشيطان؟ إن كنا لا نهادن هذا العالم ونشاكل هذا الدهر سنظل محرومين ومضطهدين.
أيها الإخوة، إنها خطة قديمة ما زال الشيطان يستخدمها ضدنا، ويهددنا أن نخضع له وإلا...

3- استخدم سنحاريب سلاح السخرية من حزقيا ومن إلهه

كتب رسائل لتعيير الرب إله إسرائيل قائلاً: "كَمَا أَنَّ آلِهَةَ أُمَمِ الأَرَاضِي لَمْ تُنْقِذْ شُعُوبَهَا مِنْ يَدِي، كَذلِكَ لاَ يُنْقِذُ إِلهُ حَزَقِيَّا شَعْبَهُ مِنْ يَدِي." سخر من حزقيا ومن إله حزقيا. أليس هذا سلاح الشيطان يستخدمه إلى يومنا هذا؟ يسخر من أبناء الله ويتهمهم بالرجعية وأنهم لا يسايرون التقدم العلمي لأنهم يعيشون حياة التدقيق؟ ويتهمهم بأنهم يعيشون في عزلة ولا يشاكلون هذا الدهر.

4- استخدم سنحاريب سلاح الصلح والمهادنة

نقرأ في 2ملوك 18 صورة ثانية لهذه الحرب التي قادها سنحاريب ضد حزقيا وفيها مزيد من التفاصيل. يقول: "لا تسمعوا لحزقيا، لأنه هكذا يقول ملك أشور: اعقدوا معي صلحًا، واخرجوا إليّ، وكلوا كل واحد من جفنته وكل واحد من تينته، واشربوا كل واحد من ماء بئره." كأنه يقول: اعقدوا معي صلحًا وأنا أضيف عليكم خيرات مادية، أعطيكم أكلاً وشربًا.
إن الشيطان يأتينا أحيانًا في صورة عدوٍّ سافر، وأحيانًا أخرى في صورة صديق يحاول أن يصادقنا، أو في صورة ملاك نور. لماذا تحاربون؟ لنتصالح ونتضافر معًا، وأنا أعطيكم بركات مادية كيفما تشاؤون... ترقيات، مراكز، ثروة. فقط اخضعوا لي، ما لكم وهذه المبادئ المسيحية والموعظة على الجبل؟ عيشوا كما يعيش أهل العالم، وأنا أعدكم بالبركة الأرضية. إنه يدعونا إلى صلح معه.
احذروا أيها الإخوة الشيطان حين يدعونا إلى صلح ومهادنة.

5- استخدم سنحاريب سلاح توجيه الاتهامات الباطلة ضد حزقيا

قال سنحاريب: "أَلَيْسَ حَزَقِيَّا هُوَ الَّذِي أَزَالَ مُرْتَفَعَاتِهِ وَمَذَابِحَهُ، وَكَلَّمَ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ قَائِلًاً: أَمَامَ مَذْبَحٍ وَاحِدٍ تَسْجُدُونَ، وَعَلَيْهِ تُوقِدُونَ؟" نعم، فعل حزقيا ذلك. لقد أزال المرتفعات التي كان الشعب يقدم عليها ذبائح لآلهة الوثن وقال لهم: على مذبح واحد فقط تذبحون. يا لها من خدمة مجيدة قام بها حزقيا! لكن الشيطان حوّر الحق وحوّله إلى باطل، وجعل من أعظم ما عمل حزقيا تهمة يوجهها إليه؛ تمامًا كما فعل مع سيدنا وإلهنا الرب يسوع. قالوا عنه إنه صديق العشارين والخطاة، وما أمجد هذه التهمة! إنه جاء ليعيش في وسطنا ويعرف حالتنا ويختبر تجاربنا ويصادقنا، لكن الشيطان حوّل هذا الحق إلى باطل ليصور أن السيد صار صديقًا للعشارين وللخطاة لأنه مثلهم.
دعونا نعرف حيل الشيطان ونتجنب كل هذه الطرق التي يأتينا بها ليحاربنا.

خطط الدفاع

دعونا نراجع الخطط التي بها واجه بها حزقيا سنحاريب:

1- أول ما عمل، يقول الكتاب: أنه ومعه مساعدوه طمّوا جميع الينابيع والنهر الجاري في وسط الأرض قائلين: "لماذا يأتي ملوك أشور ويجدون مياهًا غزيرة؟" كانت هذه الينابيع مصدر الماء لسكان أورشليم، لكن خوفًا من أن يستخدمها العدو ويرتوي بها سدّوها حتى لا يستخدمها العدو ضدهم. ليست هذه الينابيع شرًا على الإطلاق، بل إنها خير لهم، تأتيهم بالماء، لكنهم ضحوا بخيرهم حتى لا يعطوا العدو فرصة ليهاجمهم من خلال هذه الثغرات.
هناك في الحياة أمور كثيرة ليست في حدّ ذاتها خطية، بل إنها أحيانًا تكون خيرًا لنا. لكن هذه الينابيع ينبغي أن نسدها حتى لا نعطي للشيطان فرصة أن يستخدمها ضدنا.

2- الأمر الثاني أنه بنى سورين وعلاهما

يقول: "وتشدّد وبنى كل السور المنهدم وأعلاه إلى الأبراج، وسورًا آخر خارجًا، وحصّن القلعة مدينة داود." ما أحوجنا إلى أن نبني أسوارًا! الأسوار التي تحطمت فاختلط من هم بالداخل بمن هم بالخارج، ولم نعد نستطيع أن نعرف من هو المسيحي بينهم، لأن الكل يعيش حياة مادية أرضية. لست أدعو إلى عزلة ولكن إلى تقديس! لست أدعو أن نذهب إلى أماكن نسيّج حول أنفسنا فيها، بل أدعو أن نذهب إلى العالم، ولكن لا نُدخِل العالم إلى قلوبنا. أن تسير السفينة في الماء لكن حذار من أن يدخل الماء إلى قلب السفينة! قال المسيح: "لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير."
دعونا نبني الأسوار ونعليها. "لا تشاكلوا هذا الدهر، بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم." ويستخدم الرسول بولس كلمتين هامتين في هذه الآية "لا تشاكلوا" وهي تعني الشكل الخارجي – أي لا تغيروا شكلكم بحسب شكل العالم – لا نسمح للعالم أن يشكّلنا، بل يقول: "تغيروا." وهذه الكلمة معناها الطبيعة التي تتغيّر. وبولس إذ يقول: "تغيّروا عن شكلكم" يعني أن لا نكتفي بتغيير الشكل الخارجي، بل أن نسعى من أجل تغيير الطبيعة الداخلية. لا بد أن نتجدد ونُخلق خليقة جديدة.

3- ثم السهر

يقول الكتاب: "تشدد وبنى كل السور المنهدم وأعلاه إلى الأبراج." أقام حزقيا أبراج مراقبة لكي يرى ويكون ساهرًا. "اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة، لأن إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه." إذًا علينا بالسهر لنكون على حذر من هجمات العدو.

4- ثم علينا بالسلاح

يقول الكتاب "وحصّن القلعة مدينة داود وعمل سلاحًا بكثرة وأتراسًا." علينا بالسلاح لنتحصن به ونلبسه. لقد استخدم حزقيا أقوى سلاح حين يقول الكتاب: "فصلى حزقيا الملك وإشعياء بن آموص، وصرخ إلى السماء." والصلاة هي اتجاه مستمر في الحياة. لا بد أن نخصّص أوقاتًا للصلاة، وأن تكون حياتنا صلاة. صلى حزقيا، وكانت النتيجة أن الله أرسل ملاكًا واحدًا وقتل 185 ألفًا من جنود سنحاريب، فعاد مهزومًا، ودخل ليعبد إله الوثن، وإذا بابنيه اللذين خرجا من أحشائه يقتلانه بالسيف.
لقد كاد حزقيا أن يسقط كما نقرأ في 2ملوك 18 "أرسل حزقيا ملك يهوذا إلى ملك أشور إلى لخيش يقول: [قد أخطأت. ارجع عني. ومهما جعلت عليّ حملته. فوضع ملك أشور على حزقيا 300 وزنة من الفضة و30 وزنة من الذهب...]" ما أتعس حزقيا في ذلك الوقت! ضعف في التجربة لكنه عاد فانتصر.
دعونا نحذر الشيطان حين يأتينا سافرًا، أو مهادنًا. لنتعوّد على حياة السهر ولنعلّ السور، ولنصلّ ونلبس سلاح الله الكامل، وهنا يعظم انتصارنا بالذي أحبنا.

المجموعة: آب (أغسطس) 2018