القس بسام بنورةفي يوم من أيام الرَّبيع، وفي سنة حصاد وفير في حقل بوعز، والحصَّادون والحصَّادات يعملون بجدٍ في حقل هذا الرجل المرموق وجبَّار البأس، جاءت راعوث الموآبية لتلتقط سنابل من وراء الحصَّادين. لقد كانت وقتها أرملة وتعيش مع حماتها نعمي، وذلك بعد أن تركت بلادها في شرقي نهر الأردن وجاءت لتعيش في منطقة بيت لحم في فلسطين.

أرادت راعوث الأرملة الحزينة والفقيرة أن تجد قوتها بالتقاط السنابل من وراء الحصَّادين. وكان ترتيب الله لها أن تلتقط تلك السنابل في حقل بوعز.
وحدث في ذلك اليوم أن أقبل بوعز ليتفقد حال الحصاد والحاصدين، فرأى راعوث وراء الحاصدين. فسأل عنها وعرف قصتها وإيمانها والتصاقها بحماتها بعد ترملها. وما سمعه بوعز أثّر في قلبه وبالتالي وجدت راعوث نعمة في عينَيه فكلّمها بكل لطف ومحبَّة ورقة، وطيَّب قلبها، حتى أنه أمر الحاصدين أن يعطوها من الحصاد.
كانت راعوث قد قدمت مع نُعمي حماتها لكي يكون لها نصيب مع شعب الله، لقد صدّقت وآمنت بالله الحقيقي، وقالت لحماتها: "شَعْبُكِ شَعْبِي وَإِلَهُكِ إِلَهِي". وقال لها بوعز: "لِيُكَافِئِ الرَّب عَمَلَكِ الَّذِي جِئْتِ لِكَيْ تَحْتَمِي تَحْتَ جَنَاحَيْهِ". (راعوث 12:12)
قدَّم بوعز صورة لله وكأنه طير عظيم يحتمي المؤمن تحت جناحيه - هذا المؤمن المسكين والمتألم والفقير مثل راعوث. ويمكننا تلخيص حقيقة وطبيعة أجنحة الله القدير بما يلي:

أولًا: أجنحة القدير سريعة ودقيقة وخاطفة

تثير أجنحة الطيور الفضول بشكلٍ كبير، وأحيانًا نذهل كيف أن الطير بضربة واحدة من جناحيه يحلّق عاليًا في سماء الله. نعرف مثلًا عن طيور تقضي معظم حياتها في قطع المسافات الشاسعة فوق سطح الأرض، حتى أن بعضها يطير مسافة تغطي محيط الكرة الأرضية حوالي 90 مرة.
هكذا أجنحة الله، فهي سريعة ودقيقة، وخصوصًا عندما يأتي الله لنجدة مؤمن فقير يصرخ طالبًا عونه، أو عندما يعمل الله على ضرب الأشرار بعقابه العادل، فمجيئه يكون بسرعة جناح الطير، بل أسرع من الطير، فهي أجنحة القدير. (راجع مزمور 7:139-10)
في سفر نشيد الأنشاد، نجد تشبيهًا جميلًا للرَّب يسوع، حيث يشبَّه بالظَّبيّ أو غفر الأيائل على الجبال المشعّبة (راجع نشيد 17:2) فالرَّب يسوع يسرع لنجدتنا عندما نحتاج إليه، كما أسرع لنجدة بطرس من الغرق.
نمر في حياتنا بأوقات نحتاج فيها إلى مساعدة فورية وإلا فيمكن أن تحل بنا مشكلة أو كارثة، وهنا علينا أن ندرك بأن الرَّبّ سيتدخل بسرعة مذهلة، فنعمة الله تأتي دائمًا عند الحاجة إليها.
يعمل الله دائمًا بشكلٍ سريع لنجدة أولاده وبناته ومساعدتهم. كذلك يسرع الله إلى الخاطئ ويطهره بدم يسوع في اللحظة التي يطلب فيها خلاص الرَّب. إن أجنحة القدير أسرع من كل الظباء والأيائل وأسرع من أجنحة النسور، وأسرع من أجنحة الطائرات المعاصرة، فثق أيها الإنسان بأجنحة القدير.

ثانياً: أجنحة الله واسعة وعظيمة

تبلغ المسافة بين خوافي أو مقدمة أجنحة طير النسر الذهبي، مسافة قد تصل إلى 220سم. والطائرات العملاقة الحديثة، قد تصل المسافة من طرف الجناح الأول إلى طرف الجناح الثاني مسافة 40-50 مترًا، وهي حقًا مسافة كبيرة.
أمَّا أجنحة الله، فهي في سعتها وعظمتها كافية لدرجة أن كل مؤمن في العالم يستطيع أن يحتمي ويختفي في ظلها، وهذه هي الأجنحة التي احتمت بها راعوث كل أيام حياتها.
أجنحة الله شاسعة وعظيمة، فهي تغطي كل احتياجاتنا وآلامنا وهمومنا وعذابنا. ويضع الله أحد جناحيه على سرير مهدنا عند ولادتنا، والجناح الآخر على القبر. فالمؤمن لا يعيش في برية وصحراء العالم وحيدًا ومعذبًا، بل يعيش في حماية الله القدير. وحتى لو كانت هنالك صعوبات في الحياة، فعلينا أن نتذكر أن أجنحة الله تحمينا.
يمر الإنسان بأوقات صعبة جدًا في الحياة، فقد يشعر أنه وحيدًا وأن الآخرين يهملونه، أو يقفون ضدَّه، فلا يوجد من يعزيه أو يمده بالرَّجاء، ويبدأ بالسقوط في اليأس. وقد عاش مثل هذه اللحظات رجال ونساء الله العظام في الكتاب المقدس، ومن الأمثلة على حالات الألم والحزن والوحدة نقرأ قصص موت سارة زوجة إبراهيم، وتمرُّد أبشالوم على أبيه داود، وفقدان أيوب لأولاده وبناته وبيته وكل ممتلكاته، وحتى جسده أصابته القروح، وموت لعازر وتركه مريم ومرثا آنستان بدون أب أو أم أو أخ في العالم. كانت هذه أوقات صعبة في حياة رجال ونساء الله، ولم يجدوا لأنفسهم أي عزاء أو رجاء إلا في أجنحة القدير.
عندما تمر بلحظات من الألم والحسرة، كما كانت عليها حالة كل من راعوث ونُعمي، عليك أن تتذكر أن أجنحة الله عظيمة.
فكر وتأمل بما يحدث لعش الطيور: الفِراخ تعاني من البرد، والجوع، وتزعق، ولكن الأم لا تجيب، بل تطير بعيدًا إلى الحقول والجبال، إلى أرض بعيدة، تبحث عن طعام لصغارها، وبعد فترة تعود لهم بالطعام، ثم تفتح الفِراخ أفواهها لتلقّم الطعام من أمها.
أحيانًا نظن أن الله تركنا، ولكنه حقًا يعمل من أجلنا في الوقت المناسب، يظللنا بأجنحته العظيمة، وهذا الظل كافٍ ليتمتع به البلايين على مدى العصور، فكل من يؤمن بالرَّب يسوع سيكون في ظل جناح القدير وحمايته. إن أجنحة الله القدير أعظم من الفضاء الشاسع، وهنالك يوجد مكان كاف للجميع.
ينادي الرَّب يسوع إلى كل المتألمين، وكل الخطاة، وكل الضائعين، وكل الخائفين، وكل المحتارين، وكل المائتين، ويقول الرَّب يسوع لكل هؤلاء: "تعالوا وأنا أريحكم، وبجناحي أحميكم وأحفظكم."

ثالثًا: أجنحة قوية بلا حدود

تطير بعض الطيور أحيانًا بين 5-7 أيام بدون توقف. ويخبرنا علماء الطيور أنه توجد في جناح النسر قوة كافية لقتل كل من يضربه بهذا الجناح. كما توجد أيضًا في جناحيه قوة تساعد الطير على حمل فريسته إلى مسافات عالية جدًا. وهكذا أجنحة الله قوية لتساعد كل محتاج وطالبٍ للخلاص؛ وقوية أيضًا لهلاك الأشرار.
حرك الله أجنحته، وشق البحر فعبر الشعب القديم، وبحركة أخرى عاد البحر كما كان، وغرق جيش فرعون. وحرك الله جناحه فجاء الطوفان. كذلك حرك الله جناحه فهلكت سدوم وعمورة، وسيحرك الله جناحه لتسقط بابل العظيمة التي ترمز لكل ما هو شر وظلم ونجاسة في هذا العالم.
الرَّب هو الله القدير. وهو كالحصن المنيع، وكالقلعة والملجأ للمؤمن. فلا تخف أو تقلق أيها المؤمن. صحيح أن أعداءنا أقوياء. وصحيح أن أحزاننا ثقيلة، وصحيح أيضًا أن خطايانا كثيرة، ولكن الرَّب بأجنحته القوية يحمينا ويرفعنا ويقودنا إلى النجاة. فهل نثق بالله وبعمله من أجلنا؟

رابعاً: أجنحة الله القدير هي رقيقة ولطيفة

لا يوجد أنعم من الريش، وكثيرون يحلمون بوسادة من ريش ناعم توفّر لهم نومًا مريحًا. عندما تعود أنثى الطير إلى فِراخها، تضعهم تحت أجنحتها بكل رقة ولطف لتمدهم بالحنان والحب والدفء والشبع. وهكذا الله يخبئنا تحت أجنحته حيث الرقة والحنان والمحبَّة، كما نقرأ في مزمور 4:91 "بِخَوَافِيهِ يُظَلِّلُكَ وَتَحْتَ أَجْنِحَتِهِ تَحْتَمِي،" ومع أن الله يريد أن يعطينا الدفء والمحبَّة والحنان والشبع والحماية، فإن كثيرين يرفضون لطف الله ومحبَّته.
إن أجنحة الطيور الأرضية، والأعشاش التي تصنعها مصيرها الموت والزوال، أما أجنحة الله فستبقى لحمايتنا ورعايتنا إلى الأبد، بعكس قوى العالم، فإنها تمامًا كما قال نبي الله عوبديا في الآية 4 "إِنْ كُنْتَ تَرْتَفِعُ كَـالنَّسْرِ وَإِنْ كَانَ عُشُّكَ مَوْضُوعًا بَيْنَ النُّجُومِ فَمِنْ هُنَاكَ أُحْدِرُكَ يَقُولُ الرَّب."
تعال وجد راحتك وحمايتك ودفأك ومحبتك تحت جناح الله السريع والواسع والقوي والرقيق. تعال حتى تنتهي الهموم والمشاكل في الحياة. ضع ثقتك بالله وخاصّة في هذه الأيام الصعبة، وتأكد بأن الرَّب لن ينساك. أخبر الآخرين عن حماية الله، وعن أجنحة القدير، حيث الشفاء والصحة والدفء والحنان والحماية والرعاية. حيث الخلاص والحياة الأبدية.

المجموعة: آب (أغسطس) 2018