الدكتور القس لبيب ميخائيليخطئ من يعتقد أن حياة المؤمن بالمسيح خالية من الأزمات. ذلك لأن الإعلان الكتابي، والاختبار العملي يؤكدان أن حياة المؤمن مليئة بالأزمات القاسية التي يقصد بها الرب تدريبه في طريق الإيمان، لينمو في معرفته، ويُفطم قلبه عن محبة العالم ويكفّ عن الاعتماد على المنظور. وسأذكر فيما يلي بعض الأزمات القاسية التي يجتاز فيها المؤمن أثناء رحلته في البرية:

أزمة الغيرة من الأشرار الناجحين
إن المؤمن يدخل أزمة الإحساس بظلم الحياة حين يرى الإنسان الشرير، صاحب المكايد، ناجحًا في طرقه، يصل بأساليبه المعوجّة إلى القمة على جثث ضحاياه، بينما هو كمؤمن يفشل في بلوغ أهدافه رغم أمانته لله. وقديمًا اجتاز آساف في هذه الأزمة فقال: "إنما صالح الله... أما أنا فكادت تزلّ قدماي. لولا قليل لزلقت خطواتي. لأني غرت من المتكبّرين، إذ رأيت سلامة الأشرار." (مزمور 2:73-3)
وقد اجتاز يوسف في هذه الأزمة حين رأى نفسه مُلقى داخل جدران السجن بينما زوجة فوطيفار الداعرة تنعم في بحبوحة العيش. وهو يعبر عن إحساسه بظلم الأشرار بكلماته لرئيس السقاة: "لأني قد سُرقت من أرض العبرانيين، وهنا أيضًا لم أفعل شيئًا حتى وضعوني في السجن." (تكوين 15:40) وحين يغار المؤمن من نجاح الأشرار فليس معناه أنه يتمنى أن يعيش في شرهم لكنه يتمنى الحصول على نجاحهم.
ولكن الله ينادي المؤمن خلال هذه الأزمة الطاحنة قائلاً: "لا تغرْ من الأشرار، ولا تحسد عمّال الإثم، فإنهم مثل الحشيش سريعًا يُقطعون، ومثل العشب الأخضر يذبلون." (مزمور 1:37) "لا تغرْ من الذي ينجح في طريقه، من الرجل المجري مكايد." (مزمور 7:37)

أزمة تخيّل سكوت الله على الظالمين
اجتاز حبقوق النبي هذه الأزمة وعبّر عنها بكلماته: "حتى متى يا رب أدعو وأنت لا تسمع؟ أصرخ إليك من الظلم وأنت لا تخلّص؟ لمَ تريني إثمًا، وتبصر جورًا؟ وقدّامي اغتصاب وظلم... لأن الشرير يحيط بالصِّدّيق فلذلك يخرج الحكم معوجًّا... عيناك أطهر من أن تنظرا الشر، ولا تستطيع النظر إلى الجور، فلم تنظر إلى الناهبين، وتصمت حين يبلع الشرير من هو أبرّ منه؟" (حبقوق 2:1-4، 13) وكذلك قاسى يوحنا المعمدان من هذه الأزمة بعد أن رأى نفسه في ظلام السجن وهيرودس الملك العاتي متربّعًا في استقرار على العرش. فأرسل إلى المسيح اثنين من تلاميذه يسأله: "أنت هو الآتي أم ننتظر آخر؟" (متى 3:11) وكأنه يقول له: إذا كنت أنت هو المسيح فلماذا تتركني في ظلام السجن، وتترك هيرودس النجس على العرش؟! وقد أجاب يسوع عن سؤال يوحنا: "اذهبا وأخبرا يوحنا بما تسمعان وتنظران: العمي يبصرون، وَالْعُرْجُ يَمْشُونَ، وَالْبُرْصُ يُطَهَّرُونَ، والصم يسمعون، والموتى يقومون، والمساكين يُبشَّرون وطوبى لمن لا يعثر فيّ." (متى 4:11-6)
إن سكوت الله على الظالمين لا يعني عجزه عن معاقبتهم وإذلالهم، وإنما يعني أنه يُظهر بصبره عليهم مدى فظاعة ظلمهم، ويمتحن بظلمهم إيمان الصديقين. "الرب يمتحن الصدّيق، أما الشرير ومحب الظلم فتبغضه نفسه. يمطر على الأشرار فخاخًا، نارًا وكبريتًا، وريح السموم نصيب كأسهم. لأن الرب عادل ويحب العدل. المستقيم يبصر وجهه." (مزمور 5:11-7)
إن الله وسط شعبه، رغم ظلم الظالمين لهم، وسكوته ليس لعجزه عن إحباط مؤامراتهم، بل لحبه للقديسين الذين يريد أن يصل بهم إلى حافة اليأس من جهة نجاح المجهود البشري، ليروا عظمة التدخّل الإلهي. تمامًا كما سكت الله عن هامان حتى جاءت اللحظة التي أمسك فيها هامان بلجام الفرس الذي ركبه مردخاي ونادى أمامه قائلاً: "هكذا يُصنع للرجل الذي يُسَرّ الملك بأن يكرمه." (أستير 11:6) لقد كان هامان يحمل في جيبه الحكم بإعدام مردخاي لكنه بدلاً من الحصول على أمنيته نادى قدامه بكلمات الإكرام، وهكذا يمكننا أن نفهم كلمات النبي صفنيا: "الرب إلهكِ في وسطكِ جبار. يخلّص. يبتهج بك فرحًا. يسكت في محبته. يبتهج بك بترنم." (صفنيا 17:3)

أزمة الجهل أزمة الجهل بخطة الله للمؤمنين
اجتاز أيوب هذه الأزمة القاسية وهو يراجع حياته، ويرى فداحة الكوارث التي مرت به، فتحدّى أصحابه قائلاً: "فهّموني في أي شيء ضللت." (أيوب 24:6) ثم رفع عينيه إلى السماء ونادى الله قائلاً: "فهّمني لماذا تخاصمني!" (2:10) أجل، لقد أراد أيوب أن يفهم خطة الله في تجاربه وكأنه يقول: لماذا يا رب سمحت بسرقة بقري؟ لماذا سمحت أن تحترق غلماني وغنمي؟ ولماذا سمحت أن يأخذ الكلدانيون جمالي؟ وأخيرًا يا رب، لماذا سمحت بموت جميع أولادي وبناتي؟ "فهّمني لماذا تخاصمني؟"
والمؤمن خلال أزمة الجهل لخطة الله لحياته يفقد أفراحه، ويصبح حساسًا لأقلّ كلمة تُقال له، وكثيرًا ما يعرب عن همّه بدموع عينيه.
وهذا المؤمن المعذّب يحتاج إلى سماع كلمة الرب القائلة: "لأن أفكاري ليست أفكاركم، ولا طرقكم طرقي، يقول الرب. لأنه كما علت السماوات عن الأرض، هكذا علت طرقي عن طرقكم وأفكاري عن أفكاركم." (إشعياء 8:55-9) بل يحتاج وهو يتأمل غرابة تصرفات الرب معه أن يستمع إلى كلماته المعزية: "لست تعلم أنت الآن ما أنا أصنع، ولكنك ستفهم فيما بعد." (يوحنا 7:13) ذلك لأننا "ننظر الآن في مرآة في لغز." (1كورنثوس 12:13) ولن نفهم حقيقة أهداف تصرفات الرب معنا أثناء حياتنا على الأرض إلا بعد وصولنا إلى المجد.

علاج الأزمات في حياة المؤمن
يقدم المزمور 37 علاجًا فعّالاً للأزمات في حياة المؤمن في هذه الآيات:
"اتّكل على الرب وافعل الخير."
"تلذّذ بالرب فيعطيك سؤل قلبك."
"سلّم للرب طريقك واتّكل عليه وهو يجري." "انتظر الرب واصبر له." ( مزمور 3:37-7)
إن النقطة المركزية في هذه الآيات الأربع ليست في الكلمات "اتّكل"، "تلذّذ"، "سلّم"، "انتظر" بل هي في كلمة "الرب" فالرب هو النقطة المركزية في العلاج. فالاتكال على الرب، والتلذّذ بالرب، والتسليم للرب، والانتظار للرب.
الخطوة الأولى لعلاج الأزمات القاسية في حياتك كمؤمن هي أن تنتقل من دائرة الغيرة من الأشرار، وتخيّل سكوت الله على الظالمين، وموقف التساؤل عن خطة الله إلى دائرة الاتكال على الرب. "اتكل على الرب وافعل الخير. اسكن الأرض وارعَ الأمانة." وكلمة "اتكل" تحمل معنى الارتماء العاجز عن عمل شيء، والإقرار بعدم وجود أسلوب بشري لمعالجة أزمتك. هناك أزمات يمكن حلّها بما أعطانا الله من حكمة وعلينا أن نحلّها، ولكن هناك أزمات نعجز عن حلّها تمامًا بمجهوداتنا، وهنا لا بد من الارتماء على الرب كلية.

الخطوة الثانية: "تلذّذ بالرب فيعطيك سؤل قلبك." والسؤال: كيف أتلذّذ بالرب؟ الجواب: بالتأمل في جماله، والتفكير في أعماله. "واحدة سألت من الرب وإياها ألتمس: أن أسكن في بيت الرب كل أيام حياتي، لكي أنظر إلى جمال الرب، وأتفرّس في هيكله." (مزمور 4:27) "ما أعظم أعمالك يا رب! وأعمق جدًا أفكارك!" (مزمور 5:92) فالنظر إلى جمال الرب وقداسته، ورحمته، وغفرانه، ومجده، وحبّه يسبي القلب ويجعل الرب موضوع لذّته. كذلك فإن التفكير في أعمال الرب، وحكمته الظاهرة في هذه الأعمال، كيف حرّر شعبه من العبودية، وشقّ البحر الأحمر؟ كيف أطعمهم المن في البرية وحوّل الماء المرّ إلى ماء عذب؟ كيف أشبعهم عسلاً من الصخرة وأنقذ شعبه من الهوان؟ هذا التفكير يدفع المؤمن للتلذّذ بالرب، وحين يتلذّذ المؤمن بالرب فلن ينزع أحد هذه اللذّة منه، وسيجد في هذه اللذّة علاجًا لأزمات حياته.

الخطوة الثالثة: سلّم للرب. "سلّم للرب طريقك واتكل عليه وهو يجري. ويخرج مثل النور برّك وحقّك مثل الظهيرة." (مزمور 5:37) وكلمة "سلّم" تحمل معنى إلقاء الحمل. فألقِ حملك الثقيل على الرب. وكلمة "طريقك" تعني أسلوب حياتك. سلّم للرب أسلوب حياتك ودعه هو يقود خطواتك ويدرّبك في الطريق الذي يريد.

الخطوة الرابعة والأخيرة: "انتظر الرب واصبر له." وهذا يعني أن تنتظر بهدوء، واطمئنان بأن الرب سيُخرج مثل النور برّك. وفي انتظار الرب قوة! "الغلمان يعيون ويتعبون، والفتيان يتعثّرون تعثّرًا. وأما منتظرو الرب فيجدّدون قوة. يرفعون أجنحة كالنسور. يركضون ولا يتعبون. يمشون ولا يُعيَون."
(إشعياء 30:40-31)
فيا أخي المؤمن ويا أختي المؤمنة، إذا كنت تجتاز أزمة قاسية في حياتك اليوم، بسبب مرض مستعصٍ أصابك، أو بسبب خيانة أصدقائك، أو بسبب ظروف مالية طحنتك، أو شكوك ملأت رأسك، أو بسبب ظلم شديد وقع عليك، أو بسبب موت شريك حياتك. فاتكل على الرب، وتلذّذ بالرب، وسلّم للرب طريقك، وانتظر الرب واصبر له. ففي هذا تجد العلاج الشافي لكل أزمات قلبك، وعقلك وجسدك وروحك.

المجموعة: شباط (فبراير) 2019