القس رسمي إسحق"لاَ يَفْتَخِرَنَّ الْحَكِيمُ بِحِكْمَتِهِ، وَلاَ يَفْتَخِرِ الْجَبَّارُ بِجَبَرُوتِهِ، وَلاَ يَفْتَخِرِ الْغَنِيُّ بِغِنَاهُ. بَلْ بِهذَا لِيَفْتَخِرَنَّ الْمُفْتَخِرُ: بِأَنَّهُ يَفْهَمُ وَيَعْرِفُنِي أَنِّي أَنَا الرَّبُّ." (إرميا 23:9-24)
بينما كنت أقرأ في إرميا 4:49 توقّفت عند الجزء الذي يقول: "ما بالكِ تفتخرين بالأوطية؟"

الأوطية كما قال المفسرون هي الوديان التي اغتصبها بنو عمّون من سبط جاد – وكانوا يفتخرون بها لأنها أرض محصّنة يصعب اختراقها، وفي نفس الوقت هي أرض خصبة مثمرة... وظنّوا أنهم امتلكوها إلى الأبد. ولكن خابت آمالهم عندما هاجمهم الكلدانيون وأسروا ملكهم وكهنتهم ورؤساءهم، وهرب من هرب وقتل منهم كثيرين ملأت دماؤهم تلك الأودية. ويمكن أن نقول إن الأوطية ترمز إلى كل ما ليس له قيمة. ففي مزمور 3:10 تقول كلمة الله: "الشرير يفتخر بشهوات نفسه." وأريد أن أحدّثكم في ثلاث كلمات:

أولاً: الافتخار الذميم
هنالك أشياء كثيرة لا تستحق أن نفتخر بها، ولكني سأذكر ثلاثة أشياء كما وردت في إرميا 23:9

1- الحكمة الجسدية: "لاَ يَفْتَخِرَنَّ الْحَكِيمُ بِحِكْمَتِهِ." يقول الرسول بولس: "بينما هم يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء." الحكمة الجسدية هي الجهل بعينه! يحدثنا البشير لوقا عن إنسان استخدم حكمته الجسدية في ضمان مستقبله المادي، ذلك الإنسان الذي قال له سيده: "أعطِ حساب وكالتك لأنك لا تصلح أن تكون لي وكيلاً – قال ذلك الإنسان: لا أستطيع أن أنقب أو أستعطي، فذهب إلى مديوني سيده وخفّض ديونهم لكي يقبلوه في بيوتهم – هذه الحكمة وصفها الرسول يعقوب بأنها أرضية نفسانية شيطانية، لأنها تتعلق بكل ما هو أرضي وكل ما هو جسدي وشيطاني.

2- القوة البدنية: "لا يفتخرنّ الجبار بجبروته." هذه القوة وهذا الجبروت ممكن أن يتلاشى بميكروب صغير، لا يُرى بالعين المجردة. كان شمشون قويًا، ولكنه لم يحافظ على سرّ قوته. فماذا كانت النتيجة؟ أخذه الفلسطينيون وقلعوا عينيه، وصار أضحوكة للشعب.
إنسان آخر كان يفتخر بقوته وجبروته وهو جليات الذي كان لمدة 40 يومًا يعيّر شعب الله ويهددهم، ولكن غلامًا صغيرًا يحمل سلاحًا بسيطًا جدًا، مقلاعًا وخمسة حجارة ملساء رمى بواحد منها جليات فارتزّ في جبهته فسقط مضرّجًا بدمائه وقطعت رأسه. وأيضًا سنحاريب الملك الذي كان يفتخر بقوته وجبروته، ولكن الرب أرسل ملاكًا واحدًا قتل من جيشه 185 ألف جندي.

3- الثروة المادية: ما أكثر الذين يفتخرون بثرواتهم؟ يقول آساف: "هؤلاء هم الأشرار، ومستريحين إلى الدهر يكثرون ثروة." يقول كاتب مزمور 6:49 "الذين يتكلون على ثروتهم، وبكثرة غناهم يفتخرون." لكن أقول لهؤلاء الذين يفتخرون بأموالهم وغناهم ما قاله سليمان: "لأن الغنى ليس بدائم."
أعرف شخصًا تحدّى الله أن يفقره، قال: نعم، إنه يستطيع أن يميت ويحيي، ولكن لا يقدر أن يفقرني. ولكن بعد ثلاثة أيام فقط فقد كل ثرواته وأصبح محتاجًا – "يذخر ذخائر ولا يدري من يضمّها." حتى وإن بقيت الثروات المادية فالإنسان سيتركها بكل تأكيد. قال الرب للإنسان الغني: "يا غبي! هذه الليلة تُطلب نفسك منك، فهذه التي أعددتها لمن تكون؟"

ثانيًا: افتخار يحتاج إلى تقويم
كانت هناك حرب بين أبيّا ملك يهوذا ويربعام ملك إسرائيل. وقف أبيّا ملك يهوذا، وقال: الرب... أعطى المُلك... لداود... ولبنيه ولكن لما ملك رحبعام اجتمع إليه بنو بليعال وتشددوا عليه لأنه كان فتى رقيق القلب فلم يثبت أمامهم. فجاء يربعام عبد سليمان وملك وطرد كهنة الرب بني هارون وعمل لنفسه كهنة مثل شعوب الأراضي، أما نحن - وهنا بدأ الافتخار – فالرب إلهنا لم نتركه، والكهنة الذين يخدمون هم نسل هارون... وهوذا الرب معنا رئيسًا – لقد كذب مرتين: أولًا، عندما قال عن رحبعام أنه رقيق القلب مع أنه ليس كذلك. وثانيًا، عندما قال إننا لم نترك الرب بينما يقول الكتاب عن رحبعام: "ولما تثبتت مملكة رحبعام وتشدّدت، ترك شريعة الرب هو وكل إسرائيل معه." هذا الافتخار يحتاج إلى تقويم. كان على أبيا أن يقول كما قال عزرا: "اللهم، إني أخجل وأخزى من أن أرفع يا إلهي وجهي نحوك، لأن ذنوبنا قد كثرت فوق رؤوسنا، وآثامنا تعاظمت إلى السماء." توجد آيات كثيرة من هذا النوع من الافتخار الذي يحتاج إلى تقويم: "هوذا أنت تُسمّى يهوديًّا، وتتّكل على الناموس، وتفتخر بالله." "لأَنَّهُ مَنْ يُمَيِّزُكَ؟ وَأَيُّ شَيْءٍ لَكَ لَمْ تَأْخُذْهُ؟ وَإِنْ كُنْتَ قَدْ أَخَذْتَ، فَلِمَاذَا تَفْتَخِرُ كَأَنَّكَ لَمْ تَأْخُذْ؟"
إني أرى هذا الافتخار أسوأ من النوع الأول!

ثالثًا: الافتخار الصحيح السليم
يقول الكتاب: "بَلْ بِهذَا لِيَفْتَخِرَنَّ الْمُفْتَخِرُ: بِأَنَّهُ يَفْهَمُ وَيَعْرِفُنِي أَنِّي أَنَا الرَّبُّ الصَّانِعُ رَحْمَةً وَقَضَاءً وَعَدْلاً فِي الأَرْضِ." (إرميا 24:9) إنه الافتخار بمعرفة الرب المعرفة الحقيقية. هناك أناس يعرفون الرب معرفة وراثية، ومعرفة سماعية، ومعرفة عقلية، ولكن هذه الأنواع من المعرفة لا قيمة لها. قدّمت سيدة من خلفية غير مسيحية طلبًا للانضمام للكنيسة فقامت لجنة برئاسة راعي الكنيسة بالتحدّث إليها. ثم قدّم لها الراعي سؤالاً: ماذا تعرفين عن المسيح؟ فقالت: آسفة! إني لا أستطيع الردّ عن سؤال خاطئ في مبناه. فقال لها الراعي: وما أوجه الخطأ في هذا السؤال؟ قالت: في الحقيقية يا سيدي أنا أعرف المسيح نفسه وليس أشياء عنه. فالرب يسوع قال في يوحنا 17 "وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ (وليس أن يعرفوا عنك) أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ." ما أكثر الذين يعرفون عن المسيح ولا يعرفون المسيح نفسه. يقول الرسول بولس: "لأعرفه، وقوة قيامته، وشركة آلامه، متشبّهًا بموته."
نفتخر باسمه: "افْتَخِرُوا بِاسْمِ قُدْسِهِ. تَفْرَحُ قُلُوبُ الَّذِينَ يَلْتَمِسُونَ الرَّبَّ."
اسم يسوع أحلى الأسماء وأغلاها وأعلاها!
اسم يسوع به خلصنا، وشُفينا وانتصرنا، وفيه حمايتنا.
نفتخر بكلامه: "الله افتخر بكلامه. الرب افتخر بكلامه.
بكلام الرب شفينا: "أرسل كلمته فشفاهم."
فيه عزاؤنا وحياتنا: "هذه هي تعزيتي في مذلتي، لأن قولك أحياني."
به نُحفظ من الخطأ: "خبأت كلامك في قلبي لكيلا أخطئ إليك."
نفتخر بصليبه: "وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ."
إنه قوة الله للخلاص: "فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ."
أريد أن أقدّم سؤالاً لقارئي العزيز في ختام كلمتي: بماذا تفتخر؟

المجموعة: شباط (فبراير) 2019