Anwar_Wadie"إذًا نسعى كسفراء عن المسيح، كأن الله يعظ بنا." (2كورنثوس 20:5)
كما نعلم، تستلزم العلاقات بين الدول فيما يسمّى بالسفراء، إذ يمثّل كل سفير دولته في الدولة التي يذهب إليها. ولا بد لهؤلاء السفراء أن يتميّزوا بحكم مراكزهم، لذا قصد الرسول بولس بإرشاد الروح القدس أن يتحدّث عن المؤمنين بأنهم سفراء عن المسيح، وواجباتهم هي مراقبة وإعلان مبادئ دولتهم كممثّلين صالحين أينما يكونون. من صفات السفير ما يلي:

1- السفير لا يختار نفسه بل حكومته هي التي تختاره لهذا المركز، ويرجع ذلك طبقًا لسجل ماضيه وحياته. فالذين يختارهم الرب في المراكز ذات المسؤولية في الخدمة يحتاجون إلى اختبار الرب لهم لكي يُعطى له عمله. فمنهم من يُعطى خدمة صغيرة للتدريب حيث أن "الأمين في القليل أمين أيضًا في الكثير"، وأيضًا لاختبار مدى صلاحيته للأمور الكبرى فلا نقلّل من الأمور الصغيرة التي يعيّنها الرب لنا. وإلا فلسنا أهلاً لمركز أعظم، وكثير من رجال الله العظماء امتُحنوا بأشياء صغيرة قبل أن يوكل الرب إليهم الأمور العظيمة، ولذا فهذا الامتياز أن نعمل كسفراء ليس وقفًا على أحد بل على كل شعب الرب.

2- أوامر السفير: يتلقّى السفير أوامره من حكومته فلا يعمل شيئًا بإرادته ومشاعره الخاصة بل يكون خاضعًا لرئيس دولته ويكون شعاره "ماذا تريد يا رب أن أفعل؟" فكل من يريد أن يخدم الرب في هذا العالم يكون هذا شعاره. لقد أمضى موسى أربعين سنة في البرية يعلّمه الرب ويهيّئه لقيادة شعب الله بعد خروجه من أرض مصر، ثم جاء يوم وتصرّف موسى فيه برأيه مستقلاً عن إلهه. فمرة خرج لينظر إخوته وأثقالهم فرأى رجلاً مصريًا يضرب أحد إخوته العبرانيين، فالتفت إلى هنا وهناك وقتل المصري وطمره في الرمل (خروج 11:2) ولم يكن هذا بحسب فكر الرب. ومرة أخرى في عدد 8:20 عندما قال الرب لموسى أن يأخذ العصا، أي عصا هارون ويكلما الصخرة وفعلاً أخذ العصا من أمام الرب وجمع الشعب ورفع موسى يده وهو متذمّر وضرب الصخرة بعصاه مرتين ولم يستمع لقول الرب أن يكلما الصخرة. الأمر الذي حرمهما الرب فيه من دخول أرض الموعد. فليحمنا الرب من عمل إرادتنا الخاصة بل نسعى دائمًا لنختبر ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة حتى تستمر خدمتنا للرب.

3- جنسية السفير
رغم أن السفير يعيش خارج بلاده الأصلي، في الدولة التي يمثّل فيها بلاده، إلا أنه يظل تابعًا لدولته مهما طال بقاؤه فيها، وهذا ما أعلنه الرب لتلاميذه: بأن "سيرتنا نحن هي في السماوات" (فيلبي 20:3) لأننا لسنا من العالم بل الرب اختارنا من العالم (يوحنا 19:15) وهذا ما يجب أن يكون ثابتًا في أذهاننا أننا لا نشترك مع العالم – فنحن نكون في العالم ولكن لا يكون العالم فينا، كما ورد في يوحنا 18:17 "كما أرسلتني إلى العالم أرسلتهم أنا إلى العالم." هكذا المسيحي المولود من الله لا يكون في عزلة عن العالم لأن إرساليته من الرب يسوع إلى العالم هي بأن يخبر بفضائل الذي دعاه من الظلمة إلى نوره العجيب (1بطرس 9:2) فنسعى "كسفراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا." هكذا قال الرب يسوع في صلاته للآب: "لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير." (يوحنا 15:17)

4- الطاعة أولاً، وهي ألا ننسى أن السفير يقيم في الدولة المُرسل إليها من دولته الأصلية. وتُعتبر إقامة السفير في هذه الدولة في ما يُسمّى "السفارة"، وتعتبر قطعة من وطنه الأصلي. وقوانين السفارة هي قوانين دولته بينما السفير يجب أن يطيع قوانين البلاد التي أُرسل إليها، لكن قوانين دولته هي التي تطاع أولاً. وأينما أوجدنا الرب كسفراء له يجب أن تكون قلوبنا قطعة من السماء يرفرف عليها علم المسيح الذي أمرنا أن نكون "خاضعين للرياسات والسلاطين وأن نطيع ونكون مستعدين لكل عمل صالح." (تيطس 1:3) ولكن لا ننسى أن طاعتنا يجب أن تكون للرب أولاً، والمطالب الأخرى تأتي في المرتبة الثانية، فيكون للرب مكانًا ممتازًا في قلوبنا وفي حياتنا.

5- توق السفير
إن الإهانات والإساءات التي توجّه إلى أي سفير توجّه إلى حكومته، وليس له أن ينتقم لهذه الإهانات بل يترك ذلك لحكومته. ففي يوحنا 19:15 "لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصته. ولكن لأنكم لستم من العالم، بل أنا اخترتكم من العالم، لذلك يبغضكم العالم." ولذلك "لا تتعجبوا يا إخوتي إن كان العالم يبغضكم."

6- استدعاء السفير
ورغم عداوة العالم للرب، سيأتي اليوم حين ينتهي كل هذا وسيتم استدعاء السفراء، ومعنى هذا إعلان الحرب. ونظرًا لأن الوقت منذ الآن مقصّر، ستستدعي السماء سفراءها كمقدمة لانصباب قضاء الله على العالم الشرير حيث ستتوقّف المناداة بإنجيل النعمة بأنه يوجد أيضًا مكان، وحينئذ سيُحضِر الرب الراقدين بيسوع، ونحن الأحياء الباقين، السفراء المستدعين، سنُخطف جميعًا لملاقاة الرب في الهواء ونكون كل حين مع الرب.
فيا ليت قرب مجيء الرب يكون محفّزًا لخدمة المصالحة فنسعى "كسفراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا نطلب عن المسيح: تصالحوا مع الله." (2كورنثوس 19:5-20)
لأنه إن كان واحد قد مات لأجل الجميع فالجميع إذًا ماتوا كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام. مرددين قول أعظم سفراء المسيح:
"جاهدت الجهاد الحسن. أكملت السعي. حفظت الإيمان." (2تيموثاوس 7:4) الذي له كل المجد.

المجموعة: نيسان (إبريل) 2019