حياة الفرح هي الحياة الطبيعية في الاختبار المسيحي، فالمسيحي السائر في مشيئة الرب يستمتع في حياته اليومية بالفرح ويعيش وأفراح السماء تملأ جوانب نفسه وقلبه وضميره.

من داخل السجن في روما، ووسط مشاهد الألم والعذاب، وتحت ثقل القيود الحديدية يردّد بولس كلماته الذهبية للقديسين في فيلبي قائلاً: "افرحوا في الرب كل حين، وأقول أيضًا: افرحوا." (فيلبي 4:4) ومرة ثانية يكتب للقديسين في تسالونيكي قائلاً: "افرحوا كل حين... لأنَّ هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم." (1تسالونيكي 16:5 و18) وفي هذه الرسالة أريد أن أتحدّث للقارئ المحبوب عن مفاتيح الفرح في الكتاب المقدس مصليًا لإلهي أن يجعل هذه الكلمات ينبوع فرح في حياة الكثيرين.

1- مفتاح امتلاك الرب

"افرحوا في الرب." ومعنى هذه الكلمات أن نفرح لأن الرب قد أصبح الشخص المبارك المُقيم في قلوبنا. فحين يَقبل الإنسان الرب يسوع مخلّصًا لنفسه يمتلئ فرحًا كما قيل عن زكا رئيس العشارين: "فأسرَعَ ونزلَ وقَبِلَهُ فرِحًا." (لوقا 6:19) وكما قيل عن الخصي الحبشي بعد أن قبل المسيح مخلّصًا وأعلن عن إيمانه القلبي بطلب المعمودية بالماء، فبعد أن اعتمد نقرأ عنه: "وذهب في طريقهِ فرِحًا." (أعمال 39:8)
والفرح في الرب يعني فرح رؤيا الرب كما قيل عن التلاميذ: "ففرِحَ التلاميذ إذ رأَوْا الرب." (يوحنا 20:20) إن قبولنا للرب، وامتلاكنا إيَّاه، ورؤيا وجهه الكريم الوضّاح، وتثبيت أنظارنا فيه، كل هذا يجعلنا نحيا حياة الفرح الدائم الذي لا يُنطق به ومجيد، والذي قال عنه بطرس الرسول: "الذي وإن لم ترَوْه تحبّونه. ذلك وإن كنتم لا ترَوْنه الآن لكن تؤمنون به، فتبتهجون بفرحٍ لا يُنطق به ومجيد." (1بطرس 8:1)

2- مفتاح الحلم

بعد ما قال بولس: "افرحوا في الرب كل حين..." قال: "ليكن حِلْمكم معروفًا عند جميع الناس." (فيلبي 5:4) إننا نعيش في عصر يدفع الناس دفعًا إلى أن يكونوا عصبيِّين في تصرّفاتهم. فالسرعة الجنونية التي نعيش بها، والحيرة التي تسيطر على حياة الأمم والشعوب من جهة مصير عالم اليوم، واندفاع الناس إلى الملذّات يُغرقون فيها إحساسهم بالشقاء. كل هذا قد أضاع الحلم من الناس، فصار الغضب، والعصبيّة، والكلمات الجارحة، والقسوة وغيرها من وسائل العنف مبدأ حياتهم وطريق سلوكهم. حتى بعض أولاد وبنات الله قد أُصيبوا بعدوى "الأعصاب المنفلتة". ومن هنا فقدوا حلمهم. وبالتالي فقدوا فرحهم في الرب.
قيل إن جورج واشنطن أثناء رئاسته للولايات المتحدة، كان يسير ذات يوم في مكان موحل، فوجد بائع لبن انغرست عجلات عربته في الوحل، فطلب من الجندي المكلّف بالحراسة أن يساعد البائع في إخراج عربته من الطين، ولكن الجندي – وكان يجهل أن محدّثه هو رئيس الجمهورية – أجاب بعجرفة: "ولماذا لا تساعده أنت في إخراجها." وفي هدوء عجيب ابتسم جورج واشنطن وقال: "حسنًا أيها الجندي، سيساعد رئيس الجمهورية بائع اللبن في إخراج عربته من الأوحال." وانحنى الرئيس العظيم أمام الجندي المذهول وساعد الرجل في انتشال عربته من الأوحال.
ليتنا نتعلّم الحلم، فنعلن عن أخلاقنا المسيحية لجميع الناس، وبهذا نستمتع بحياة الفرح في الرب.

3- مفتاح الصلاة الصحيحة

تقوم الصلاة الصحيحة على معرفة حقيقة الصلة بيننا وبين الرب. في الأصحاح 15 من إنجيل يوحنا يرينا الرب حقيقة هذه الصلة قائلاً: "أنا الكرمة وأنتم الأغصان. الذي يثبت فيّ وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير، لأنَّكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا. إن كان أحد لا يثبت فيّ يُطرح خارجًا كالغصن، فيجفُّ ويجمعونه ويطرحونه في النار، فيحترق. إن ثبتُّم فيّ وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم. بهذا يتمجّد أبي: أن تأتوا بثمر كثير فتكونون تلاميذي. كما أحبني الآب كذلك أحببتكم أنا. اثبتوا في محبَّتي. إن حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي، كما أني أنا قد حفظت وصايا أبي وأثبت في محبته. كلّمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم ويُكمَل فرحكم." (يوحنا 5:15-11)
فالحياة المتّصلة بالرب، المثمرة لمجده، المطيعة لوصاياه، تُكلَّل بالفرح الثابت الكامل، فيا ليتنا نتفهّم معنى هذه الحياة التي قال فيها بولس الرسول: "لا تهتمّوا بشيء، بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر، لتُعلَم طِلباتكم لدى الله. وسلام الله الذي يفوق كل عقل، يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع." (فيلبي 6:4-7)

4- مفتاح الشكر

والشكر والفرح صنوان لا يفترقان. "افرحوا كل حين. صلّوا بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء، لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم." (1تسالونيكي 16:5-18) إن المؤمن الشاكر يعدّد بركات الله، وفي تعداده بركات الله يمتلئ فرحًا لأنه يرى الجانب المنير في الحياة.
في ليالي الفقر والهمِّ الأليم
وزمان الضيق والخوف العظيم
واضطرام البغض والجور الذميم
بركات الرب عدّد شاكرًا
كم من مرة نطلب من الرب، ونُعطَى ما نطلبه، لكننا ننسى في غمرة سرورنا أن نشكر على ما أعطانا الرب... تعلّم درس الشكر لتختبر حياة الفرح.

5- مفتاح التفكير الإيجابي
يضع بولس الرسول هذا المفتاح الذهبي في الكلمات: "أخيرًا أيها الإخوة كل ما هو حقّ، كل ما هو جليل، كل ما هو عادل، كل ما هو طاهر، كل ما هو مسرّ، كل ما صيته حسن، إن كانت فضيلة وإن كان مدحٌ، ففي هذه افتكروا... وإله السلام يكون معكم." (فيلبي 8:4-9)
معنى كلمات بولس أن نفكّر تفكيرًا إيجابيًا إذا أردنا أن نمتلئ بالفرح الغامر، فالعقل الممتلئ بكلِّ ما هو حقّ لن يوجد فيه مكان لما هو باطل، والعقل الممتلئ بكل ما هو جليل لن يجد ما هو دنيء الطريق لاحتلاله، والعقل الممتلئ بكل ما هو عادل لن يكون فيه ما هو ظالم، والعقل الممتلئ بكل ما هو طاهر لن يفكّر فيما هو نجس. والعقل الذي يفكّر فيما هو مسرّ لن يجد وقتًا للتفكير فيما هو محزن وكئيب.
إن التفكير الإيجابي هو المفتاح الذهبي للامتلاء بالفرح كل حين، فلنكفّ عن التفكير السلبي الهدّام، ولنفكّر تفكيرًا إيجابيًا يملأ قلوبنا بالفرح والبهجة. لنقل مع بولس: "وأما نحن فلنا فكر المسيح." (1كورنثوس 16:2)

6- مفتاح الاكتفاء

لا شك في أن الطمع يُفْقِد المؤمن أفراحه، لهذا قال الرب له المجد: "انظروا وتحفّظوا من الطمع فإنه متى كان لأحد كثير فليست حياته من أمواله." (لوقا 15:12) وقال بولس الرسول: "وأما الزنا وكل نجاسة أو طمع فلا يُسمَّ بينكم كما يليق بقدّيسين." (أفسس 3:5) فالمؤمن الذي يريد أن يتمتّع بفرح الرب يجب أن يتعلّم درس الاكتفاء الذي تعلّمه بولس وعبّر عنه بالكلمات: "ليس أني أقول من جهة احتياج، فإني قد تعلّمت أن أكون مكتفيًا بما أنا فيه. أعرف أن أتّضع وأعرف أيضًا أن أستفضل. في كلّ شيء وفي جميع الأشياء قد تدرّبت أن أشبع وأن أجوع، وأن أستفضل وأن أنقص. أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقوّيني." (فيلبي 11:4-13)
في قصة من قصص الكاتب الروسي تولستوي يحدّثنا عن "حجّار" كان يتذمّر لأجل عمله الشاق في قطع الحجارة من الجبل، وإذ بملاك يأتيه من السماء قائلاً: أيها الرجل المتذمّر، ماذا تريد أن تكون؟ فقال الحجّار: أريد أن أكون شمسًا. وصار شمسًا يسلّط حرارته القاسية على رؤوس الناس، إلى أن جاء يوم ماطر وجاءت سحابة ثقيلة فحجبت ضَوْأَها عن الأرض، فاحتجّ وتذمّر. ثم جاءه الملاك ثانية يسأله: "أيها المتذمّر، ماذا تريد أن تكون؟" فقال: "أريد أن أكون حجرًا." فصار حجرًا... وإذ بحجّار يأتي ليحطّمه بمطرقته فصرخ قائلاً: "يا ربّ، أريد أن أكون حجّارًا..." وعاد ليرضى بما أعطاه الله ليتعلّم أن يكون مكتفيًا بما هو فيه.
إن الذين تعلّموا درس الاكتفاء يختبرون قوة حياة الفرح في الرب.

7- مفتاح الامتلاء
من الروح القدس
نقرأ في سفر أعمال الرسل هذه الكلمات: "وأما التلاميذ فكانوا يمتلئون من الفرح والروح القدس." (أعمال 52:13) ونقرأ في رسالة بولس الرسول إلى كنائس غلاطية الكلمات: "وأما ثمر الروح فهو: محبة فرح سلام، طول أناة لطف صلاح، إيمان وداعة تعفّف." (غلاطية 22:5-23) ونقرأ في رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس الكلمات: "ولا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة، بل امتلئوا بالروح، مكلّمين بعضكم بعضًا بمزامير وتسابيح وأغانيّ روحيّة، مترنّمين ومرتّلين في قلوبكم للرب." (أفسس 18:5-19)
فالامتلاء من الروح القدس يضمن الامتلاء بالفرح، لأن ثمر الروح "محبة فرح" ونقرأ "لأن ليس ملكوت الله أكلاً وشربًا، بل هو برٌّ وسلام وفرح في الروح القدس." (رومية 17:14)
فليتنا نتفرّغ من الذات لنمتلئ بالروح، وعندما نمتلئ بالروح ستكون حياتنا الطبيعية هي حياة الفرح في الرب، وسنعطي صورة بهيجة للإيمان المسيحي في حياتنا اليومية.

المجموعة: أذار (مارس) 2022