نيسان (إبريل) 2009
إن أوّل مرة يُذْكر فيها "بيت الله" في الكتاب المقدس هي حين كان يعقوب هارباً إلى حاران ورأى حلماً. وإذا سلّم منصوبة على الأرض ورأسها يمسّ السماء "وَخَافَ وَقَالَ: مَا أَرْهَبَ هذَا الْمَكَانَ! مَا هذَا إِلاَّ بَيْتُ اللهِ، وَهذَا بَابُ السَّمَاءِ" (انظر تكوين 10:28-17).
ولكن هذا لم يكن إلا حلما،ً والبيت الذي رآه لم يكن على هذه الأرض. أما أول ذكر لبيت الله على هذه الأرض هو عندما قال الرب لموسى بعد أن أخرج الشعب من أرض مصر: "فَيَصْنَعُونَ لِي مَقْدِسًا لأَسْكُنَ فِي وَسَطِهِمْ" (خروج 8:25). فبنوا خيمة الاجتماع "كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى".
وهذه العبارة "كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى" تتكرر مراراً كثيرة بعد ذلك في سفر الخروج، ولها أهمية لا تحتاج إلى تعليق. "فَنَظَرَ مُوسَى جَمِيعَ الْعَمَلِ، وَإِذَا هُمْ قَدْ صَنَعُوهُ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ. هكَذَا صَنَعُوا. فَبَارَكَهُمْ مُوسَى"
(خروج 43:39). ولأن كل شيء كان طبقاً للتعليمات الإلهية "غَطَّتِ السَّحَابَةُ خَيْمَةَ الاجْتِمَاعِ وَمَلأَ بَهَاءُ الرَّبِّ الْمَسْكَنَ فَلَمْ يَقْدِرْ مُوسَى أَنْ يَدْخُلَ خَيْمَةَ الاجْتِمَاعِ، لأَنَّ السَّحَابَةَ حَلَّتْ عَلَيْهَا وَبَهَاءُ الرَّبِّ مَلأَ الْمَسْكَنَ"
(خروج34:40-35). ليتنا نتعلم معنى هذا كله.
مرّت سنون كثيرة بعد ذلك، وجاء داود الملك، ثم ابنه سليمان الذي بنى الهيكل حسب المثال الذي عيّنه الرب. وكما عمل موسى كذلك عمل سليمان طبقاً للتعليمات الإلهية. ولذلك لما تمّ بناؤه حدث أيضاً "أَنَّ السَّحَابَ مَلأَ بَيْتَ الرَّبِّ، وَلَمْ يَسْتَطِعِ الْكَهَنَةُ أَنْ يَقِفُوا لِلْخِدْمَةِ بِسَبَبِ السَّحَابِ، لأَنَّ مَجْدَ الرَّبِّ مَلأَ بَيْتَ الرَّبِّ"
(1ملوك 10:8-11). ووعد الرب أن تكون عيناه مفتوحتين لهذا البيت طالما كانوا يتبعونه. ولكن للأسف الشديد زاغ بنو إسرائيل عن الرب وعبدوا آلهة الشعوب الذين حولهم، فتركهم الرب. ووصف لنا حزقيال كيف ترك مجد الرب ذلك البيت وأتت جيوش نبوخذنصّر وهدموا الهيكل. ومع أنه أُعيد بناء الهيكل بواسطة زربابل في أيام عزرا ونحميا، إلا أننا لا نقرأ عن مجد الرب يحلّ على أرضنا هذه إلى أن وُلد يسوع المسيح الذي هو عمانوئيل (الذي تفسيره الله معنا) في بيت لحم "وَكَانَ فِي تِلْكَ الْكُورَةِ رُعَاةٌ مُتَبَدِّينَ يَحْرُسُونَ حِرَاسَاتِ اللَّيْلِ عَلَى رَعِيَّتِهِمْ، وَإِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَفَ بِهِمْ، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَضَاءَ حَوْلَهُمْ، فَخَافُوا خَوْفًا عَظِيمًا. فَقَالَ لَهُمُ الْمَلاَكُ: لاَ تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ... وَظَهَرَ بَغْتَةً مَعَ الْمَلاَكِ جُمْهُورٌ مِنَ الْجُنْدِ السَّمَاوِيِّ مُسَبِّحِينَ اللهَ وَقَائِلِينَ: الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ" (لوقا 8:2-14). بمجيء المسيح جاء الرب إلى أرضنا. ويقول يوحنا: "ورأينا مجده"، فهو "الكلمة صار جسداً" وهو "الله ظهر في الجسد" (يوحنا 14:1؛ 1تيموثاوس16:3). هو الذي "فِيهِ سُرَّ أَنْ يَحِلَّ كُلُّ الْمِلْءِ" (كولوسي 19:1). "فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيًّا" (كولوسي 9:2). كان جسده الهيكل الحقيقي الذي قال عنه لليهود: "انْقُضُوا هذَا الْهَيْكَلَ، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ... وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَقُولُ عَنْ هَيْكَلِ جَسَدِهِ" (يوحنا 19:2-21). لقد دنّس آباؤهم هيكل سليمان فهدمه نبوخذنصّر، وأما هيكل زربابل فقال لهم الرب عنه: "أنتم جعلتموه مغارة لصوص". وأنذرهم أنه لن يترك فيه حجر على حجر لا يُنقض. ولكن ماذا عملوا بالهيكل الذي فيه سرّ أن يحلّ كل ملء اللاهوت جسدياً؟ إنهم صرخوا قائلين: اصلبه اصلبه. نعم، نقضوا هذا الهيكل القدوس الوحيد الذي لم تكن فيه خطية، ولكنه قام كما قال وصعد إلى السماء. فهل لا يوجد الآن بيت لله على هذه الأرض؟ نعم، يوجد بيت الله وهو الكنيسة.
هذه حقيقة أكيدة وواضحة في العهد الجديد. يقول في أفسس19:2-21 "فَلَسْتُمْ إِذًا بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلاً، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ اللهِ، مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ، الَّذِي فِيهِ كُلُّ الْبِنَاءِ مُرَكَّبًا مَعًا، يَنْمُو هَيْكَلاً مُقَدَّسًا فِي الرَّبِّ. الَّذِي فِيهِ أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيُّونَ مَعًا، مَسْكَنًا ِللهِ فِي الرُّوحِ". وقال الرسول بولس لتيموثاوس: "فَلِكَيْ تَعْلَمَ كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي بَيْتِ اللهِ، الَّذِي هُوَ كَنِيسَةُ اللهِ الْحَيِّ، عَمُودُ الْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ" (1تيموثاوس 15:3). وفي عبرانيين 6:3 "وَبَيْتُهُ نَحْنُ". يا لها من حقيقة جليلة يجب أن يكون تأثيرها القوي على تصرفاتنا! إذاً، الكنيسة الحقيقية التي تتكوّن من جميع المؤمنين هي مسكن لله في الروح. ولكن هناك بيت آخر يصفه الروح القدس بأنه بيت كبير وهو يشمل المؤمنين الحقيقيين والمسيحيين بالاسم فقط. فيقول عنه: "وَلكِنْ فِي بَيْتٍ كَبِيرٍ لَيْسَ آنِيَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَقَطْ، بَلْ مِنْ خَشَبٍ وَخَزَفٍ أَيْضًا، وَتِلْكَ لِلْكَرَامَةِ وَهذِهِ لِلْهَوَانِ" (2تيموثاوس20:2-21). هذا البيت الكبير هو ما يُسمّى بالإنجليزية Christendom. بعد أن يأخذ المسيح المؤمنين الحقيقيين يصبح هذا البيت "مَسْكَنًا لِشَيَاطِينَ، وَمَحْرَسًا لِكُلِّ رُوحٍ نَجِسٍ، وَمَحْرَسًا لِكُلِّ طَائِرٍ نَجِسٍ وَمَمْقُوتٍ" (رؤيا 2:18). وسيدينها الله "مِنْ أَجْلِ ذلِكَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ سَتَأْتِي ضَرَبَاتُهَا: مَوْتٌ وَحُزْنٌ وَجُوعٌ، وَتَحْتَرِقُ بِالنَّارِ، لأَنَّ الرَّبَّ الإِلهَ الَّذِي يَدِينُهَا قَوِيٌّ" (عدد 8).
ولكن موضوعنا هو الكنيسة الحقيقية التي هي بيت الله وهيكل الروح القدس. أساس هذا البيت هو يسوع المسيح "فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاسًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي وُضِعَ، الَّذِي هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ" (1كورنثوس 11:3). لذلك قال الرب لسمعان بطرس: "وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي" حين اعترف بطرس قائلاً: "أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ" (متى 16:16 و18). هذه الكنيسة هي، كما رأينا، مسكن الله وهي أيضاً هيكل مقدَّس (أفسس 19:2-21). فبالإضافة إلى أن جسد المؤمن هو هيكل الروح القدس، فالكنيسة كلها أيضاً تسمّى "هيكل الروح القدس". ووجود الروح القدس في الكنيسة هو الحاجز الذي يحمينا من انصباب غضب الله في الضيقة التي ستحلّ على هذه الأرض بعد أن يؤخذ المؤمنون إلى السماء، كما هو وارد في 2تسالونيكي 6:2-7. فطالما ما برحت الكنيسة على هذه الأرض، فإن الروح القدس يسكنها. كما أنه يسكن في المؤمنين كأفراد "أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟" (1كورنثوس 19:6). وفي 2كورنثوس 16:6 يقول: "فَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ هَيْكَلُ اللهِ الْحَيِّ". ويقول الرسول بطرس: "كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيِّينَ كَحِجَارَةٍ حَيَّةٍ بَيْتًا رُوحِيًّا، كَهَنُوتًا مُقَدَّسًا، لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ اللهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ" (1بطرس 5:2). لقد انتهى دور الذبائح الحيوانية التي كانت تقدَّم في العهد القديم وكانت مجرّد رموز، أما الآن فالذبائح الروحية هي المقبولة لدى الله، التي سنذكر منها ثلاثة:
أولاً: ذبيحة التسبيح، "فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ ِللهِ ذَبِيحَةَ التَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِاسْمِهِ" (عبرانيين 15:13). إنها تُفرح الرب وتُفرح المؤمن. حقاً، "بِالْمُسْتَقِيمِينَ يَلِيقُ التَّسْبِيحُ" (مزمور 1:33).
ليتنا نكثر من تقديم هذه الذبيحة.
ثانياً: فعل الخير والتوزيع، "وَلكِنْ لاَ تَنْسَوْا فِعْلَ الْخَيْرِ وَالتَّوْزِيعَ، لأَنَّهُ بِذَبَائِحَ مِثْلِ هذِهِ يُسَرُّ اللهُ" (عدد 16). وكل مؤمن يحب الرب يريد أن يعمل ما يُسرّ الرب.
ثالثاً: هناك ذبيحة حيّة مقدّسة، يقول عنها في رومية 1:12 "فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ، عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ". والمقصود بأجسادنا هو كل قدراتنا، سواء الكلام أو العمل، أو كما قال في كولوسي 17:3 "وَكُلُّ مَا عَمِلْتُمْ بِقَوْل أَوْ فِعْل، فَاعْمَلُوا الْكُلَّ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ، شَاكِرِينَ اللهَ وَالآبَ بِهِ".
تعليق: بما أننا بيت الله فعلينا أن نحافظ على نظافة هذا البيت، أي نحيا حياة القداسة "بِبَيْتِكَ تَلِيقُ الْقَدَاسَةُ يَا رَبُّ إِلَى طُولِ الأَيَّامِ" (مزمور5:93).
والحقيقة أنه إذا نظرنا إلى الكنيسة كجسد المسيح، أو بيت الله، أو عروس المسيح، ففي هذه التشبيهات حقيقة مشتركة، وهي:
أولاً: لزوم القداسة في الحياة العملية.
ثانياً: لا يليق بأي إنسان أن يتسلّط على هذا البيت أو يأخذ مكان الرئاسة، لأنه بيت الله. وكل التعليمات والترتيبات يجب أن تكون مطابقة لإرادة سيد هذا البيت. فليس من رب بيت يريد أن يعطي شخص آخر الأوامر في بيته. وللأسف، كم مرة يقوم زعماء كاذبون يحلّلون المحرّم ويُحرّمون المحلّل. وهناك من ادَّعوا أن لهم السلطة أن يقرّروا من يكون في هذا البيت ومن يُطرد منه.
حقاً، ما أجمل التشبيهات التي لنا في الكتاب المقدس عن الكنيسة، فهي جسد المسيح كما رأينا سابقاً، وهي بيت الله وهيكل الروح القدس، وسوف نتكلّم عنها كعروس المسيح، له المجد في الكنيسة إلى جميع أجيال دهر الدهور، آمين.