في قرية بيت لحم، وفي مذود مظلم للبقر، شع نور ميلاد أول رسول للسلام. لم يكن في ميلاده ولا في حياته مظاهر الغنى والعظمة الكاذبة كالذين يتشدّقون اليوم بالسلام، والسلام منهم ومن رسالتهم براء، بل كانت حياته أغنية سلام عذبة، وإرساليته خدمة قضية السلام الكبرى بين الله والناس. ومن كان أقدر من ابن الإنسان ليصنع الصلح والسلام يوم صليبه؟
واليوم، إذ يتحدث قادة العالم عن السلام، ويطلقون الصواريخ الموجهة عابرة القارات وغيرها، كل ذلك استعدادًا لشرارة الحرب التي سيكون السلام النقطة الحرجة فيها.
وهل يأتي السلام أو ينتشر بالدماء؟
هل ميلاد يسوع المسيح من العذراء مريم هو بداية وجوده، أم أنه كان موجودًا منذ الأزل وتجسّد في الزمان؟
يعلن الكتاب المقدس بما لا يعطي مجالاً للشك، أن يسوع المسيح كان موجودًا منذ الأزل، وتجسّد في الزمان ليموت على الصليب ليفدي الإنسان.
اِقرأ المزيد: لما جاء ملء الزمان
عزيزي القارئ، أينما كنت، وفي أي أرض تقيم، ومن أي نبعٍ تستقي، وأي هواءٍ تستنشق، وإلى أي عقيدةٍ تنتمي.
وتدور عجلة الزمن، وتعود الأيام من جديد لتحيي ذكرى أعظم وأعجب حدثٍ عرفته البشرية "ميلاد المسيح"!
ونتساءل، ويتساءل معنا الملايين: أيُّ ميلادٍ بهي حدث في التاريخ كميلاده؟!
اِقرأ المزيد: ما السر في كل هذا؟!
يوسف: لقد مالتِ الشمسُ إلى المغيب، وعلينا أن نترك بيتَ لحم لأنَّ المكانَ مُريب، فهيَّا بنا يا مريم.
مريم: ماذا تعني يا يوسف؟ ولماذا تنوي من هنا الرحيل؟ هكذا ومن دون أيِّ دليل؟
يوسف: لقد ظهر لي ملاك الرب في حلم، وحذَّرني بأن الأمر خطير، فهل تريدين بعدُ من تفسير؟
اِقرأ المزيد: الناصري المتواضع هو المليك المترفّع
وردت في العهد القديم عشرات النبوات عن ميلاد الرب يسوع المسيح؛ ولقد اخترت في هذا العدد واحدة منها وهي الواردة في نبوة إرميا 5:23-6 "هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأُقِيمُ لِدَاوُدَ غُصْنَ بِرّ، فَيَمْلِكُ مَلِكٌ وَيَنْجَحُ، وَيُجْرِي حَقًّا وَعَدْلاً فِي الأَرْضِ... وَهذَا هُوَ اسْمُهُ الَّذِي يَدْعُونَهُ بِهِ: الرَّبُّ بِرُّنَا". لقد شُبّه المسيح "بالغصن" ستة مرات في العهد القديم (إشعياء2:4؛ 1:11؛ إرميا 5:23؛ 15:33؛ زكريا 8:3؛ 12:6)، ومنها نرى المسيح الغصن في أربعة صور: الملك، والخادم، وابن الإنسان، وابن الله.
بمناسبة الميلاد المجيد، يقرأ الناس كثيرًا من المقالات والمواضيع حول بركات مجيء المسيح إلى عالمنا الأرضي وتجسّده في صورة إنسان لكي يقرّب لنا صورة الله القدوس العادل فنراه أيضًا في حبّه، وحنانه، وغفرانه العظيم، إضافة إلى ما أرساه مجيئه المبارك من مبادئ الحق والبرّ والسلام. ولكنك قلّما تجد من يشغّل ذهنه في افتراض ما كان سيحصل للعالم لو لم يأتِ المسيح!
اِقرأ المزيد: لو لم يأتِ المسيح
كان آخر ما سمعه من والده الطبيب ما خطّه إليه في رسالة قصيرة وردته منذ أربعة أشهر من إحدى المناطق الأفريقية التي لا يكاد يتذكر اسمها. كان والده عضوًا في كنيسة المحبة التي من عادتها أن تبعث بفرق إرسالية حيث تستدعي الحاجة في المجتمعات التي تعاني من الفقر، والأمراض، والأوضاع السياسية المتدهورة. وفي هذا العام استقرّ رأي والده على الاشتراك في إحدى هذه الحملات ليقوم ببعض الخدمات الطبية بين إحدى القبائل التي كانت على لائحة صلاة هذه الكنيسة. وما لبث أعضاء الحملة أن عادوا إلى موطنهم بعد غياب نحو شهر باستثناء والده. ولم تكن الأخبار التي حملها أعضاء ذلك الفريق مما يدعو إلى التشجيع.
اِقرأ المزيد: قصة العدد: انتصار في الأسر
عهدناه وديعًا كالحمل، مترفقًا بالضالين البائسين، رقيقًا كالنسيم العليل، منعشًا بقايا الأمل العاثر في قلوب اليائسين، فكيف نقول أنه ثائر؟
عرفناه بسّام الثغر، طلق المحيّا، مشرقًا كالصباح، مشرقًا كالضحى، ينير سبيل اليقين أمام كل حائر، فكيف ندّعي أنه ثائر؟
بملامس أنامله الرقيقة فتح عينَي الأكمه، وطهّر الأبرص، وبكلمة منه أسكت العاصفة، وهدّأ البحر الهائج الثائر، فكيف نقول عنه أنه ثائر؟
لقد علّمنا في إنجيله المقدس أن نردّ بدل الإهانة إحسانًا، وبدل الإساءة تسامحًا وغفرانًا، وبدل القسوة عطفًا وحنانًا، فكيف يكون هذا ثائرًا؟
تركض الأيام والشهور والسنون مسرعة نحو نهاية العمر ونهاية الأرض. ونجد الناس من حولنا يسعون وراء جشعهم ونزواتهم وانتهاز كل الفرص للتمتع بملذات الحياة غير مبالين بالقصد من وجودهم على الأرض؛ وهو أن الله خلقنا على صورته لكي نمجده ونتمتع به إلى الأبد. لقد وضع الله الأبدية في داخلنا (جامعة 11:3). ويعني ذلك أن الله وضع فينا الفضول لمعرفة الغد والمستقبل والإحساس بخلودنا، حيث هناك رغبة دفينة في أعماقنا نحو الخلود، وضميرنا يهمس أننا لم نُخلق فقط لنأكل، ونشرب، ونتناسل، ونموت مثل بقية البهائم فيطوينا الزمن والنسيان.
اِقرأ المزيد: رأس السنة... وقفة مراجعة مع الذات
"المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة"
عندما يولد طفل ما في أسرة ملك عظيم، يكون هذا الحدث هامًا جدًا فتتحدَّث عنه وسائل الإعلام في العالم أجمع، ولا يمرّ ببساطة وهدوء كما يحدث لأي مولود آخر. كما أن المولود الأول لأي أسرة مهما كانت مكانتها الاجتماعية متواضعة، يُستقبل على الأقل في غرفة مريحة مع أمه.
اِقرأ المزيد: ميلاد ملك الملوك
قبل ميلاد المسيح بسبع مئة سنة تنبأ إشعياء النبي قائلاً:
"لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ" (إشعياء 6:9).
وقال في مطلع الأصحاح التاسع: "اَلشَّعْبُ السَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا. الْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ ظِلاَلِ الْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ".
يقول الرسول بولس: "إني أحسب كل شيء أيضًا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي"، وهو بهذا يعطي هذه المعرفة حق قدرها، إذ إنه يعتبر كل شيء خسارة في سبيل معرفة الرب يسوع المسيح. وهو في هذا كان محقًا كل الحق، إذ أن مجرد معرفة شخص الرب في حد ذاتها هي بمثابة صمام أمان للإنسان في جهاده ضد الشر والفساد؛ بل هو وسيلتنا الأولى للهروب من نجاسات هذا العالم وشروره: "لأَنَّهُ إِذَا كَانُوا، بَعْدَمَا هَرَبُوا مِنْ نَجَاسَاتِ الْعَالَمِ، بِمَعْرِفَةِ الرَّبِّ وَالْمُخَلِّصِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (2بطرس 20:2).
بالطبع إن الذي اخترق الزمان والمكان ليس هو رجل الفضاء، لكنه الابن الوحيد والكلمة الأزلي. الابن الذي تنازل إلينا من السماء، والكلمة الذي تجسّد في هيئة بشر. نعم، لقد اخترق الابن الوحيد الزمان والمكان بحسب خطة الله الأزلية المرسومة لفداء الجنس البشري. وأتى إلينا في ملء الزمان، أي في الوقت المعيّن من قبل الله.
اِقرأ المزيد: اخترق الزمـان والمكـان
"وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ" (غلاطية 4:4-5).
شرح الرسول بولس في الرسالة إلى أهل غلاطية موقف المؤمنين في العهد القديم، أي قبل مجيء المسيح، فقال أنهم ورثة معنا. ولكنهم كانوا يشبهون الابن القاصر، أي لم يصل إلى السن الذي فيه يدرك امتيازاته فيتمتع بها كابن حقيقي "بَلْ هُوَ تَحْتَ أَوْصِيَاءَ وَوُكَلاَءَ إِلَى الْوَقْتِ الْمُؤَجَّلِ مِنْ أَبِيهِ" (2:4). ولكن لما جاء هذا الوقت المعين من أبيه أصبح له الحق في أن يعرف كل امتيازاته وبركاته.
دقّت الأجراس وسمعت أقدام البشرى تشق القبة الزرقاء بشدو قديم هزّ كل كياني "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة". وتطلعت وإذا جمهور من الجند السماوي يعلن مجيء المسيا. فوقفت منذهلاً أمام أطروحة الفداء، وإن شئت فقل: أمام لغز التجسّد. وقادني النجم إلى مذود شعّت منه الروحانية والألوهية. وسألت: أين هو المولود؟ ومن هو المولود؟
لم تكن شهادة ميلاده كأي شهادة أخرى لأن تاريخها يرجع إلى البدء "في البدء كان الكلمة... ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل".
انتقل إلى الديار الباقية الأخ دميان متري صالح (أبو متري) والد الأخت ميرنا زوجة القس ميشيل بطارسه في كاليفورنيا بتاريخ 29 سبتمبر 2012. صوت الكرازة يقدم أحر التعازي لعائلته وذويه في الوطن والمهجر.
دورة مجانية للدروس بالمراسلة
فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات.
Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075
164 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع
© 2016 - All rights reserved for Voice of Preaching the Gospel - جميع الحقوق محفوظة