كانون الأول December 2012
تركض الأيام والشهور والسنون مسرعة نحو نهاية العمر ونهاية الأرض. ونجد الناس من حولنا يسعون وراء جشعهم ونزواتهم وانتهاز كل الفرص للتمتع بملذات الحياة غير مبالين بالقصد من وجودهم على الأرض؛ وهو أن الله خلقنا على صورته لكي نمجده ونتمتع به إلى الأبد. لقد وضع الله الأبدية في داخلنا (جامعة 11:3). ويعني ذلك أن الله وضع فينا الفضول لمعرفة الغد والمستقبل والإحساس بخلودنا، حيث هناك رغبة دفينة في أعماقنا نحو الخلود، وضميرنا يهمس أننا لم نُخلق فقط لنأكل، ونشرب، ونتناسل، ونموت مثل بقية البهائم فيطوينا الزمن والنسيان.
ينفرد الإنسان وحده من بين مخلوقات الله بشعوره بالملل والفراغ، لماذا؟ لأن الله أوجد في كيانه فراغًا عظيمًا لا يستطيع أن يملأه سوى علاقة شخصية معه. إن دعوة الله لنا عند توديع عام واستقبال عام جديد هي:
دعوة لجرد الحساب
الحياة أقصر جدًا من كل طموحاتنا وأحلامنا، والله يدعونا يوميًا لإجراء عملية جرد حساب، نعرف فيها تمامًا عدد أيام وسنين حياتنا فنتعلم الحكمة في استثمار وقتنا في أمور أبدية في السلوك في حياة القداسة وتمجيد الله. في صلاته في مزمور 90 يركز موسى على سرعة زوال الإنسان من الأرض فيشبِّه الحياة مرة بهزيع من الليل، ومرة بسنة "غفوة"، ومرة بعشب يزهر ثم ييبس، ومرة بقصة قصيرة تنقضي سريعًا. ويصلي موسى طالبًا حكمة بإحصاء عدد أيامه (مزمور 12:90). ويقدّر موسى متوسّط العمر في عصره بسبعين سنة وفي أحسن الأحوال ثمانين سنة تتميز بالمعاناة والألم. وهذا ليس وعدًا يضمن لنا طول العمر، بل هو احتمال بأننا قد نعيش تلك المدة (مزمور 10:90). يشبه الكتاب المقدس الحياة أيضًا ببخار يظهر قليلاً ثم يضمحل (يعقوب 14:4). وفي المزمور 39 يصلي داود: "عرفني يا رب نهايتي ومقدار أيامي كم هي فأعلم كيف أنا زائل. هوذا جعلت أيامي أشبارًا وعمري كلا شيء قدامك. إنما نفخة كل إنسان قد جعل. إنما كخيال يتمشى الإنسان" (مزمور 4:39).
دعوة للتوبة
يعلمنا الكتاب المقدس والاختبار الشخصي أن الحياة قصيرة جدًا، والمستقبل مجهول ومليء بالمفاجآت، لكنه تحت سلطان الله المطلق. وعند شعوره باقتراب نهاية كل شيء يدعو بطرس الرسول قراءه في (1بطرس 7:4) إلى التعقل، والصحو، وإعادة ترميم مذبح الصلاة المهدم، والبدء أولا بتقوية الشركة اليومية مع الرب، ومن ثم ممارسة فضيلة المحبة، وبعدها تأتي الخدمة بحسب الموهبة. إنها دعوة للتوبة وتغيير اتجاهنا وطرقنا التي لا تمجد الله. الأخبار غير السارة هي أننا فعلاً قد أضعنا فرصًا ثمينة، وسنين طويلة في عدم طاعة الرب، وفي سلوكنا بحسب الجسد، ولكن الاخبار السارة هي أن الرب مستعد للتعويض إذا رجعنا إليه من كل القلب. يشجعنا الرب على فتح صفحة جديدة ويعدنا قائلاً: "ولكن الآن يقول الرب: ارجعوا إليّ بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح... وأعوّض لكم عن السنين التي أكلها الجراد..." (يوئيل 12:2 و25). رغم كل ما خسرناه من فرص في الماضي، ما زالت أمامنا فرصة للتوبة والتعويض في ما تبقى لنا من الحياة، فالرب قادر أن يستخدمنا لفترة قصيرة تعوّض عن كل السنين التي أضعناها.
دعوة لافتداء الوقت
قال الرب يسوع لتلاميذه: "ينبغي أن أعمل أعمال الذي أرسلني ما دام نهار. يأتي ليل حين لا يستطيع أحد أن يعمل" (يوحنا 4:9). والمقصود أن هناك فرصة لعمل الله قد تنتهي في أي لحظة. وفي عصرنا، عصر النعمة، أصبح الإنجيل مترجمًا إلى حوالي ألفَي لغة ولهجة ومتاحًا بشكل كبير على الإنترنت، والفضائيات، والإذاعات، والكنائس، والإرساليات. لكن هذه الفرصة لن تدوم إلى الأبد لأن روح الله لا يدين في الإنسان إلى الأبد (تكوين 3:6). فالكتاب المقدس يشير إلى مجيء أيام سوداء مظلمة على كل الأرض، حيث ستنتهي الحرية الدينية حتى في الغرب، ويبدأ اضطهاد عظيم يحارَب فيه الإنجيل، ويُمنع من التداولُ ويحارَب فيه التبشير من قِبل كل الحكومات بما فيها الحكومات الغربية. لذلك يحثنا بولس في أفسس 15:5 على افتداء الوقت، أي استغلاله لأن الأيام المقبلة شريرة. يشرح بولس بأن افتداء الوقت يتم بالسلوك بحكمة، وفهم مشيئة الله، والامتلاء بالروح القدس، وحياة الشكر والترنيم.
أمام هذه الحقائق والاختبارات العملية يدعونا الله إلى وقفة تأمل ومحاسبة مع الذات لتمنحنا حكمة وتعقلاً لتقدير قيمة حياتنا كفرصة مقطرة نكرسها لخدمة الرب يسوع وتمجيده.