كانون الأول December 2012
"المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة"
عندما يولد طفل ما في أسرة ملك عظيم، يكون هذا الحدث هامًا جدًا فتتحدَّث عنه وسائل الإعلام في العالم أجمع، ولا يمرّ ببساطة وهدوء كما يحدث لأي مولود آخر. كما أن المولود الأول لأي أسرة مهما كانت مكانتها الاجتماعية متواضعة، يُستقبل على الأقل في غرفة مريحة مع أمه.
دعونا نتأمل الآن في من حقق نظرة السماء للعظمة الحقيقية، وفي أحداث ميلاد ملك الملوك ورب الأرباب، الذي بميلاده شطر تاريخ البشرية إلى قسمين: ما قبل الميلاد وما بعده، بل يقال أيضًا إن كلمة "تاريخ" باللغة الإنجليزية تُكتب History أي His-story وتعني "قصته"، أي قصة المسيح.
"ولما جاء ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة…" (غلاطية 4:4). لقد دبّر الله كل الظروف كي تتوافق مع خطة خلاصه العجيب المعدّ قبل تأسيس العالم، والتي أخبرت عنه نبوءات العهد القديم بتفصيل دقيق.
بدأت الأحداث بظهور الملاك للعذراء مريم المنعم عليها، الذي قال لها: "ستحبلين وتلدين ابنًا وتسمينه يسوع…" (لوقا 28:1-31)، وكان ذلك إتمامًا لنبوءة الميلاد العذراوي في إشعياء 14:7 "ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل".
وأعد الله يوسف خطيب العذراء الذي ظهر له الملاك في حلم قائلاً: "الذي حُبل به فيها هو من الروح القدس" (متى 20:1).
ثم أعدّ الله ظروف ولادته. فعندما اقترب مولد الرب صدر أمر من أغسطس قيصر بأن يُكتتب كل واحد في مدينته. فذهب يوسف ومريم إلى بيت لحم لكونهما من هناك، لكي تتم النبوءة التي حددت مكان ولادته: "أما أنتِ يا بيت لحم… فمنكِ يخرج لي الذي يكون متسلطًا على إسرائيل، ومخارجه منذ القديم، منذ أيام الأزل" (ميخا 2:5). وهكذا وُلد المسيح في بيت لحم، في مكان متواضع – في حظيرة للبهائم - ووُضع في "مذود"، المكان الذي يوضع فيه التبن لإطعام الحيوانات. "فَوَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ وَقَمَّطَتْهُ وَأَضْجَعَتْهُ فِي الْمِذْوَدِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي الْمَنْزِلِ". أوليس في هذا عدم مبالاة من العالم لاستقبال ملك الملوك؟! لم يستقبلوه في بيوتهم، ولكن، ربما لو علموا من هو لكان تصرفهم وردّ فعلهم مختلفًا!
ونحن يا من نعلم الآن من هو المسيح... هل استقبلناه ورحبنا به ملكًا على حياتنا؟
عزيزي القارئ، هل فتحت له عندما جاء يقرع باب قلبك بقرعات الحب؟ إذ قال: "هأنذا واقف على الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب، أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي" (رؤيا 20:3).
والسؤال هو: ماذا يرى الناس في بيتك؟
إن ما في بيوتنا يعكس دائمًا ما في قلوبنا؛ والرب يعلم به، لكنه يريد أن يوقظ ضمائرنا! فلننتهز هذه المناسبة العظيمة ونأخذ خطوة عملية وندعو عمانوئيل ليبارك بيوتنا.
ما أسعد البيت الذي قد حلّ فيه ابن العلي
حيث المسيح المُفتدي أضحى رئيس المنزلِ
كان في استطاعة الرب يسوع المسيح أن يولد في قصر المُلك وهو الذي "... ثبّت جميع أطراف الأرض" (أمثال 4:30)، وله كل السلطان، لكنه اختار أن يكون متواضعًا. "من أجلكم افتقر وهو غني" (2كورنثوس 9:8).
لم يدرك البشر مقدار المجد والسلام والمسرة بميلاد المخلص إلا بعد أن أرسل الآب جمهورًا "من الجند السماوي مسبحين الله وقائلين: المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة" (لوقا 14:2). ثم بشّر الملائكة الرعاة بفرح عظيم قائلين: "وُلد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب" (لوقا 11:2). وحالاً انطلق الرعاة مسرعين ليروا المخلص، ثم ذهبوا وأخبروا بما قيل لهم عن هذا الصبي، وكل الذين سمعوا تعجبوا!
يا ترى، أين نحن من ردة فعل هؤلاء الرعاة؟ نحن الذين فاقت عنهم معرفتنا، ومعلوماتنا، بل واختباراتنا لعمل النعمة في حياتنا ويوجد أيضًا بين أيدينا الكتاب المقدس الذي يحوي كل الأحداث وتسجيلات النبوءات، خصوصًا أننا ذقنا بركات الخلاص!
هل أذعنا هذه الأخبار السارة؟ ومن بشرنا بها؟ إننا سنرى عجائب إن أخبرنا بكم صنع الرب بنا ورحمنا!
كما اشترك أيضًا الفلك في الإعلان عن مولد ملك الملوك إذ أن "النجم الذي رأوه (المجوس) في المشرق يتقدمهم حتى جاء ووقف فوق، حيث كان الصبي" (متى 9:1). وعندما رأوا الطفل سجدوا له! نعم، كما قيل في مزمور 11:72 "ويسجد له كل الملوك. كل الأمم تتعبّد له". لقد أطاع المجوس الله وتكبّدوا مشاق السفر من بلاد المشرق (كما يظنّ من بلاد مادي وفارس) إلى أورشليم وبيت لحم... "وقدّموا له هدايا: ذهبًا ولبانًا ومرّا" (متى 11:2).
ترى، ماذا قدّمنا نحن لمن خلصنا وأعطانا الحياة الفضلى؟
لندع الجميع قائلين: "تعالوا... ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب!" ولنكرز للجميع بالإنجيل كما أوصانا لأن خلاصه هو لكل العالم، ومجيئه قد اقترب!
وإذ نحتفل بعيد ميلاد المسيح، ترى، كيف يحتفل به العالم؟ إننا نلمس فيه برودًا مقصودًا، إذ أن البعض يستبدل اسم المسيح بالحرف X بدلاً من Christ ويكتبون X-mas بدلاً من Christmas. لقد شغّل الشيطان العالم بأمور مادية، فأصبحت ذكرى عيد ميلاد المسيح مناسبة تجارية بحتة للأكل، والشرب، والبذخ، ولا يُذكر فيها حتى اسم المسيح - صاحب المناسبة - لأنه مجهول للعالم!
لذلك، يا من اختبر خلاص المسيح، اكرز وبشر به، لأنه كيف يؤمنون إن لم يسمعوا؟ علينا أن نخبر بكم صنع بنا الرب وخلصنا. وأي فرح أعظم من هذه المناسبة العظيمة، أي مناسبة تجسّد ومجيء المخلص ملك كل الخليقة إلى عالمنا؟! فلنردد ترانيم الميلاد التي تحكي قصة الإله الذي تنازل و"أخلى نفسه آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ. لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ... وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ" (فيلبي 5:2-11).
الأخت ليلى مراد