كانون الأول December 2012
هل ميلاد يسوع المسيح من العذراء مريم هو بداية وجوده، أم أنه كان موجودًا منذ الأزل وتجسّد في الزمان؟
يعلن الكتاب المقدس بما لا يعطي مجالاً للشك، أن يسوع المسيح كان موجودًا منذ الأزل، وتجسّد في الزمان ليموت على الصليب ليفدي الإنسان.
يتّضح هذا الحق من آيات الكتاب المقدس التالية:
"في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله...".
"والكلمة صار جسدًا وحلّ بيننا ورأينا مجده مجدًا كما لوحيد من الآب مملوءًا نعمة وحقًا". (يوحنا 1:1 و2 و14)
"وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ" (غلاطية 4:4-5).
كان يسوع موجودًا منذ الأزل مع الآب، وإذا عرفنا أن الأبوّة صفة من صفات الله الأزلية، فيتحتّم أن يكون الابن أزليًا، إذ لا أبوّة بلا بنوّة.
"ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة".
وملء الزمان يعني كمال الزمان الذي تتم فيه نبوات العهد القديم الخاصة بميلاد يسوع من عذراء وبميلاده في بيت لحم.
فإشعياء النبي تنبأ قائلاً: "وَلكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ" (إشعياء 14:7). ويعلن متى البشير أن الاسم عمانوئيل تفسيره "الله معنا" (متى 23:1). وميخا النبي تنبأ بميلاده في بيت لحم أفراتة: "أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْم أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ، مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ" (ميخا 2:5). وبيت لحم أفراتة غير بيت لحم زبولون (يشوع 15:19)، وقد حرّك الرب قلب الإمبراطور أغسطس قيصر لتتم نبوّة ميلاد يسوع في بيت لحم أفراتة حرفيًا.
"وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ صَدَرَ أَمْرٌ مِنْ أُوغُسْطُسَ قَيْصَرَ بِأَنْ يُكْتَتَبَ كُلُّ الْمَسْكُونَةِ. وَهذَا الاكْتِتَابُ الأَوَّلُ جَرَى إِذْ كَانَ كِيرِينِيُوسُ وَالِيَ سُورِيَّةَ. فَذَهَبَ الْجَمِيعُ لِيُكْتَتَبُوا، كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَدِينَتِهِ. فَصَعِدَ يُوسُفُ أَيْضًا مِنَ الْجَلِيلِ مِنْ مَدِينَةِ النَّاصِرَةِ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ، إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ الَّتِي تُدْعَى بَيْتَ لَحْمٍ، لِكَوْنِهِ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ وَعَشِيرَتِهِ، لِيُكْتَتَبَ مَعَ مَرْيَمَ امْرَأَتِهِ الْمَخْطُوبَةِ وَهِيَ حُبْلَى. وَبَيْنَمَا هُمَا هُنَاكَ تَمَّتْ أَيَّامُهَا لِتَلِدَ. فَوَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ وَقَمَّطَتْهُ وَأَضْجَعَتْهُ فِي الْمِذْوَدِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي الْمَنْزِلِ" (لوقا 1:2-7).
وملء الزمان هو الوقت الذي تهيّأ فيه العالم سياسيًا، واجتماعيًا، وجغرافيًا، وروحيًا لمجيء المخلص. فقد ظهر فشل الديانات الوثنية في إشباع قلب الإنسان؛ فلا البوذية، ولا الهندوسية، ولا ديانات الآلهة اليونانية أشبعت قلب الإنسان، وهكذا أعدّ الله العالم لاستقبال ابنه يسوع المسيح.
كذلك هيّأ الله العالم جغرافيًا واجتماعيًا، فقد تبنّت الإمبراطورية الرومانية اللغة اليونانية وهي لغة دقيقة التعبير فصارت لغتها التي استُخدمت في كتابة أسفار العهد الجديد، وعبّدت روما الطرق لتربط بين الأمم التي تحت سيطرتها، الأمر الذي جعل من السهل على رسل المسيح أن يكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها.
لماذا أرسل الله ابنه؟
منذ البدء خلق الله السماوات والأرض وما فيهما ليعلن مجده وقدرته، وفي ذات الوقت ليعلن عن حقيقة ذاته وصفاته.
وأظهر الله مجده في خلق السماوات والفلك، "اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ" (مزمور 1:19).
وأظهر ذاته في خلق الإنسان، إذ قال: "نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ. فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ" (تكوين 26:1-27).
خلق الله الإنسان وميّزه بالسيادة، وحرية الإرادة، وأعطاه وصية واحدة: "مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلاً، وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ" (تكوين 16:2-17).
وعصى الإنسان وصية الله وأكل من الشجرة المحرّمة. وبهذا جلب على نفسه وعلى نسله الموت.
والموت يشمل عدة نواحٍ:
الموت الروحي، وهو انفصال روح الإنسان عن الله.
والموت الجسدي، وهو انفصال روح الإنسان عن جسده.
والموت الأبدي، وهو انفصال الإنسان الأثيم جسدًا وروحًا عن الله في عذاب العقاب.
ويقينًا أن الله تبارك اسمه عرف بعصيان الإنسان قبل حدوثه (أعمال 18:15)، واتخذ من هذا العصيان فرصة لإعلان عدله. ويبدو أن الأكل من الشجرة المحرّمة أحدث تغييرًا بيولوجيًا في الإنسان، فأصبح عنصرًا من كيانه أورثه لنسله من بعده كما يقول بولس الرسول: "مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ" (رومية 12:5).
والموت الذي يحصد الناس كل يوم في كل أنحاء العالم يؤكد وراثة الإنسان للخطية.
أعلن الله مجده، وأظهر ذاته، وأعلن عدله.
بقي أمر واحد هام جدًا أراد الله أن يعلنه للإنسان وهو حبه الذي بلا حدود له. لهذا السبب أرسل الله ابنه إلى العالم.
وتجسُّدُ ابن الله سر عظيم يفوق إدراك عقل الإنسان عبّر عنه كاتب الرسالة إلى العبرانيين بكلماته: "لِذلِكَ عِنْدَ دُخُولِهِ إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُ: ذَبِيحَةً وَقُرْبَانًا لَمْ تُرِدْ، وَلكِنْ هَيَّأْتَ لِي جَسَدًا" (عبرانيين 5:10).
وقد شرح الملاك جبرائيل لمريم العذراء كيف يتهيّأ جسد يسوع في رحمها، فقال لها: "وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ... فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ: كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟ فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَها: اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ" (لوقا 31:1 و 34-35).
وحين كلّم ملاك الرب يوسف خطيب العذراء في حلم ليطمئنه على طهارة مريم خطيبته، قال له: "يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ، لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ. لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (متى 20:1).
الروح القدس هو الذي هيأ جسد يسوع في بطن العذراء، وهو أمرٌ فوق تصوّر العقل البشري، وقد هيّأ الروح القدس جسد يسوع ليولد بلا خطية، وقد أثبت يسوع بحياته وتصرفاته أنه لم يعرف خطية، ولم يفعل خطية، وليس فيه خطية.
يسوع الكامل القدوس مات على الصليب ليفدي ويخلص الإنسان النجس...
واحد يخلّص الملايين!
سألني الكثيرون: كيف يمكن لواحد وهو يسوع المسيح أن يخلص ملايين الذين يؤمنون به؟
علينا أن نذكر جيدًا أن أجرة الخطية هي موت، وليس في قدرة أحد أن يغيّر هذه الأجرة.
وإذا كانت أجرة الخطية هي موت، إذًا فلا يمكن للأعمال الصالحة – مهما كثرت وتعددت – أن تخلّص الإنسان من الموت. أي إنسان يريد أن يضيف أعماله الصالحة إلى ما عمله المسيح بموته على الصليب يوجّه إهانة صريحة لعمل المسيح على الصليب، ويعلن بتصرفه الأحمق أن موت المسيح على الصليب ليس كافيًا لمنحه الغفران والحياة الأبدية.
لكي يَخلُصَ الإنسان كان لا بدّ أن يموت المسيح على الصليب ليسدّد أجرة الخطية التي هي موت. ويسوع المسيح الواحد، هو قادر على تسديد أجرة خطية الملايين بموته على الصليب، لأنه يفوق في قيمته الذاتية الملايين، لأنه خالق العالمين.
"اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ" (عبرانيين 1:1-2).
"كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ" (يوحنا 3:1).
يسوع المسيح "الواحد" لا مثيل له ولا حدود لقيمته، وهو تجسيد حب الله غير المحدود.
"لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (يوحنا 16:3).
وهكذا كان في قدرة الواحد أن يفدي ويخلص الملايين.
فيا قارئي الكريم، إن كنت لم تؤمن من كل قلبك بيسوع المسيح وعمله على الصليب، فأنا أدعوك أن تطرح بعيدًا كل الفلسفات والديانات، وأن تؤمن قلبيًا بيسوع المسيح لتضمن الحياة الأبدية. "لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا" (رومية 23:6). فالخلاص هبة مجانية تُعطى للإنسان بإيمانه بالمسيح "لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَال كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ" (أفسس 8:2-9). واذكر جيدًا أن "الَّذِي يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ اللهِ" (يوحنا 36:3).