كانون الأول December 2012
دقّت الأجراس وسمعت أقدام البشرى تشق القبة الزرقاء بشدو قديم هزّ كل كياني "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة". وتطلعت وإذا جمهور من الجند السماوي يعلن مجيء المسيا. فوقفت منذهلاً أمام أطروحة الفداء، وإن شئت فقل: أمام لغز التجسّد. وقادني النجم إلى مذود شعّت منه الروحانية والألوهية. وسألت: أين هو المولود؟ ومن هو المولود؟
لم تكن شهادة ميلاده كأي شهادة أخرى لأن تاريخها يرجع إلى البدء "في البدء كان الكلمة... ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل".
وشهد صوت أزلي بتصريح سماوي: "أنت ابني، أنا اليوم ولدتك"، فتذكرت إعلانات داود النبي: "قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ". يا لها من أحداث غريبة عن أرضنا! "ويُدعى اسمه عجيبًا مشيرًا، إلهًا قديرًا، أبًا أبديًا، رئيس السلام". وتحتوي شهادة ميلاد المسيح على ثلاثة أحقاب متصلة بلا انفصال، كل منها يشهد له:
أولاً: شهادة أزلية
"في البدء كان الكلمة"، وتشير هذه الحقيقة إلى وجود المسيح الأزلي. وتوحي لنا عبارة "الكلمة" بفكرة ولفظة وخبر، أي فكر الله وقصده وقوته. بالنسبة لليهود قيل عنه: "أين هو المولود ملك اليهود؟"، وبالنسبة للعالم "وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم". وعلى لسانه جاءت تلك الكلمات: " لَمَّا ثَبَّتَ السَّمَاوَاتِ كُنْتُ هُنَاكَ أَنَا. لَمَّا رَسَمَ دَائِرَةً عَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ. لَمَّا أَثْبَتَ السُّحُبَ مِنْ فَوْقُ. لَمَّا تَشَدَّدَتْ يَنَابِيعُ الْغَمْرِ. لَمَّا وَضَعَ لِلْبَحْرِ حَدَّهُ فَلاَ تَتَعَدَّى الْمِيَاهُ تُخْمَهُ، لَمَّا رَسَمَ أُسُسَ الأَرْضِ، كُنْتُ عِنْدَهُ صَانِعًا" (أمثال 22:8-31). وفي مواضع أخرى تتكرر كلمات "حكمة الله"، و"كلمة الله"، و"بهاء الله" و"رسم جوهره" بالعلاقة مع منذ القدم، منذ الأزل، منذ أوائل الأرض، منذ البدء، منذ تأسيس العالم، منذ أن وضعت أصول أو أسس الأرض، لا بداءة أيام له ولا نهاية، أول طريقه، من قبل أعماله. وهنا تكشف لنا العلاقة الكائنة في الذات الإلهية. "الرب قناني" أي اقتناني أو امتلكني، فالحكمة من خصائص الله ذاته وهذا تم قبل الزمن. "أُبدئت" أو أُظهرت، وقد ظهرت حكمة الله في خليقته وهذا أُنجز في بدء الزمن. "منذ الأزل مُسحت" أي عُيِّنت لعمل الفداء كتدبير إلهي، وهذا صار في ملء الزمن. ولماذا دُعي المسيح بالكلمة؟ لأنه الواسطة الوحيدة بين الله والناس كما في (1تيموثاوس 5:2)، "لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس، الإنسان يسوع المسيح". لذلك لم يأتِ المسيح فقط ليعلن أنه مثل الله بل أن الله مثله وأن الله فيه. إن الهواء يشغل كل حيِّز داخلي وفي الوقت نفسه يوجد خارجه في كل مكان. والأثير يملأ كل مكان نافذًا خلال جدرانه دون أن يخلو منه حيز في الخليقة. وضوء الشمس يتخلل الحجرات من نوافذها المغلقة مع أنه ينتشر خارجها في الكون. إنه نور العالم، وشمس البر والشفاء في أجنحتها.
ثانيًا: شهادة زمنية
جاء في النبوة "ويُدعى اسمه عمانوئيل" الذي تفسيره "الله معنا" و"تدعو اسمه يسوع"، ومعنى اسمه في العبرية "لله الخلاص" أي مخلص، "وهو يفدي إسرائيل من كل آثامه" (مزمور 8:130). وكان من أهمية أنساب الشخص بالنسبة للشعب القديم أن المسيح يولد ليكون عظيمًا، وفي سلسلة أنساب إنجيلَي متى ولوقا يُفسح المجال للخطاة والأغراب والأمم للدخول في عهد مع الله. إذن ماذا تظنون في المسيح (متى 42:22)؟ ونحن نجيب: إنه أولاً ابن الله إذ قال المسيح عن نفسه: "أَجَابَهُ الْيَهُودُ قَائِلِينَ: لَسْنَا نَرْجُمُكَ لأَجْلِ عَمَل حَسَنٍ، بَلْ لأَجْلِ تَجْدِيفٍ، فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلهًا. أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: أَلَيْسَ مَكْتُوبًا فِي نَامُوسِكُمْ: أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ؟... فَالَّذِي قَدَّسَهُ الآبُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى الْعَالَمِ، أَتَقُولُونَ لَهُ: إِنَّكَ تُجَدِّفُ، لأَنِّي قُلْتُ: إِنِّي ابْنُ اللهِ؟" (يوحنا 33:10-36). ولنا هنا بعض الملاحظات: الأولى نحن أبناء الله بالجمع لكنه ابن الله بالمفرد. ثم إن البعض ينكر ألوهيته لكنهم لا مفرّ من الاعتراف بميلاده العذراوي. فقد جاء في شبه جسد الخطية لكنه لم يولد من زرع بشر. وأخيرًا وُلد من الروح القدس ليعيد الحياة لمن فقدوها.
وثانيًا: ابن داود، أي له عرش داود (لوقا 32:1). وثالثًا: ابن الإنسان، أي له ميراث كل الأرض والأمم (مزمور 8:2-9). "والكلمة صار جسدًا" (يوحنا 14:1)، لأن الكلمة لا تتغير. ورابعًا: ابن إبراهيم، أي له ميراث أرض الموعد (تكوين 14:13-17). لذلك قال المسيح: "إني ابن الله" (يوحنا 36:10) و"أنا والآب واحد"، "أنا في الآب والآب فيّ"، من رآني فقد رأى الآب"، "الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبّر".
تأمل الأشياء غير العاقلة التي لها القدرة على التجسد كالنار في الفحم، والكهرباء في الأسلاك، والمغناطيسية في الجذب، والطاقة الذرية في مفاعلاتها، لأنه هل يستحيل على الله شيئًا؟ عجبًا إن خالق الزمان يولد في ملء الزمان وصانع الإنسان يصير ابن إنسان.
قال يوسيفوس المؤرخ اليهودي الذي عاش في القرن الأول الميلادي: "وكان في ذلك الزمن رجل، لو صح أن ألقِّبه باسم رجل، يقال له يسوع، وكان ذا حكمة بليغة رائعة وكان يجيء من ضروب المعجزات بأبدعها. وكان يهدي إلى صراط الحق، طلاب الحق، ومن يهتدون إلى موارده، فتبعه قوم كثيرون من اليهود والأمم. وهو ذلك المسيح الذي أمر بيلاطس بأن يُصلب، فمات على الصليب ولكنه انبعث في اليوم الثالث حيًا. وقد أنبأت بذلك الأنبياء – هذا خلا ما يتعلق به من باقي النبوات الكثيرة – وشيعة المسيحيين لا تزال إلى أيامنا في نمو وازدياد وقد دعوا مسيحيين نسبة إلى المسيح زعيمهم ومؤسس أركان دينهم".
ثالثًا: شهادة أبدية
قال المسيح عن نفسه: "وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء". ولذلك يسمّى بثلاثة ألقاب: أولاً، "الشاهد الأمين" (رؤيا 14:3؛ 37:18). ثانيًا، البكر من الأموات، أي أول من قام من الأموات بسلطانه الذاتي، بل وأول من جلب النصرة على الموت بقيامته، وعربون قيامته هو رجاء المؤمنين. ويمكن القول بأن المعنى ينصرف إلى أنه صاحب السموّ والجلال بين الأموات أمام السماء كما في كولوسي 5:1. في رسالة فيلبي يعلن فيلسوف المسيحية عنه: "الذي إذ كان في صورة إنسان لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله لكنه أخلى نفسه". وفي عبرانيين 1:1-3 "الله بعد ما كلم الآباء بالأنبياء قديمًا، بأنواع وطرق كثيرة، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه... الذي، وهو بهاء مجده، ورسم جوهره، وحاملٌ كل الأشياء بكلمة قدرته". وقيل عن المولود: "وابن العلي يُدعى". ومع أننا لا ندرك عمق الإلهيات عندما نقترب إليها، ولا كيفية تلك العلاقة الجامعة المانعة، لكن كما قال أحدهم: اثنان زائد اثنان يساوي أربعة. هذا حساب، هيدروجين وأكسجين بقدر معلوم يصنع ماء، هذا علم! المسيح وإياه مصلوبًا هو حكمة وقوة الله للخلاص، هذا وحي! ولكن كيف نعرف هذا كله؟ أما عن الأول، فعُدَّ. وعن الثاني، ذق تعرف. وعن الثالث، آمن تخلص. قدّم أحدهم رداء إلى الرئيس روزفلت وحاول أن يقنعه أن هذا الرداء لا يخترقه الرصاص. وأنه يحسن أن يجهز به الجنود لحمايتهم. فقال له الرئيس: إلبسه أنت وقف على البعد المعين وليطلق أحدهم عليك النار، فرفض. قال المسيح: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم".
يوجد تقليد قديم يقول أن زكا العشار بعد خلاصه كان يبكّر صباحًا في الخروج إلى الخلاء ويرجع مسرورًا... وتسللت زوجته خلفه أحد الأيام لتراه يأخذ جرة ماء ويصبها على الجميزة التي جلس عليها عندما رأى المخلص. هل تعتز بيوم خلاصك الروحي من خطاياك وأحمالك الثقيلة؟
نعم! لقد أكمل الرب عمله في إنجازات متتالية: في الخلق "رأى أن كل شيء حسن"، وفي متى 1 شهد الروح القدس أن المسيح جاء "لكي يتم ما قيل من الرب"، وفي مزمور 22 يختتم عن الصلب وكفالة الدم "قد فعل". وفي إشعياء 8 يعلن عن كفاية الوحي بالقول: "صر الشهادة. اختم الشريعة بتلاميذي"، وعلى الصليب أنهى المسيح خطوة الفداء قائلاً: "قد أُكمل"، ثم في رؤيا 21 تُستكمل الملحمة الإلهية "قد تم". "فمن ثم يقدر أن يخلص أيضًا إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله، إذ هو حيّ في كل حين ليشفع فيهم" (عبرانيين 25:7). لقد صدق الدكتور هيوشاي زعيم النهضة العلمية في بلاد الصين عندما قال للمرسل الشهير في بلاد الهند ستانلي جونس بعد مناقشة دينية: "أعترف بعد كل شيء أنه لكم أنتم المسيحيين ميزة عظمى لا يدانيكم فيها دين آخر وهي: أن أفكاركم مجسمة في شخص".
ينصح الأطباء بأن الأخبار السارة أقوى من حقن النوفالجين والفيجانين وغيرها من الأدوية التي تخدّر الآلام وتريح الأعصاب. فإذا كان لك صديق مريض قل له خبرًا سارًا. "لا تخافوا! فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب: أنه وُلد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب".