آب (أغسطس) 2009
- الزيارات: 9157
تقابل هندي مع أحد المرسلين وأراه بعض عيوبه، فقال له المرسل: نعم، أنا أعرف أكثر منك عن ذلك. ثم ذكر له شيئاً عن عيب أفراد عائلته، فأقرّ بذلك. ثم أفضى إليه بعيوب أعضاء كنيسته، وعيوب هذا وذاك، وهذه الجماعة المسيحية وتلك - وكلما ذكر له شيئاً، أجابه: أعرف أكثر منك عن ذلك. ولما فرغت جعبة الرجل، قال له: والآن دعني أسألك سؤالاً واحداً:
ماذا وجدت في مسيحي من عيب؟ فطأطأ الرجل رأسه قليلاً ومضى دون أن يجد أقل عيب في المسيح. لذلك يدعو المسيح تابعيه قائلاً: "فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل“ (متى 48:5). إن هذه الدعوة محيرة جداً، فكمال الله - عز وجل - كمال مطلق، فهو الوحيد الذي لا مثيل له ولا شريك له، منزّه عن المادية مع أنه خالقها، ومنفرد عن البرية وهو جابلها.
إن هذا ليذكّرني بما فعله موسى كليم الله في لاويين 23:8، إذ وضع دم الكبش على شحمة أذن هارون وعلى إبهام رجله اليمنى، وهذا معناه أن المغسول بالدم يسمع صوت الله ويميّزه ويفرح به كما أنه يقدر على السير مع الله. فالأرجل التي سترها الدم في مصر استطاعت أن تعبر البحر الأحمر، وأن تجمع المن، وأن تعبر الأردن. إن الكمال هنا باختصار هو الكمال المطلوب، كمال التقديس، وهذا الكمال يجب أن يتجلى في حياة المؤمن:
أولاً: نفسياً
تقدم خطيب في أحد الكليات وقال: كيف يستطيع أناس قلوبهم مملوءة بالحقد أن يبنوا عالماً يرتكز على المحبة؟ وهل في وسع من يقتل أخاه أن يؤسس جمعية تدعو الى الإخوّة؟ فماذا نقول عن كنيسة اليوم؟ وإن شئت لنسأل عن كنيسة كورنثوس، تلك الكنيسة التي عاتبها بولس "لأني أُخبرت عنكم يا إخوتي من أهل خلوي أن بينكم خصومات فإنه إذ فيكم حسد وخصام وانشقاق، ألستم جسديين وتسلكون بحسب البشر فالآن فيكم عيب مطلقاً لأنه قد انفتح لي باب عظيم فعّال ويوجد معاندون كثيرون". أليس من العار أن توجد خصومات، ومحاسدات، وسخطات، وتحزّبات، ومذمّات، ونميمات، وتكبّرات، وتشويشات في كنيسة المسيح؟ إن الإيمان الحقيقي يقضي على عدم التوافق النفسي، ويجمع أواصر النفس، ويثير القوى الخاملة الخلاقة، ويصحح العلاقة بين الدين والدنيا، والإيمان والواقع. وهذا ما ندعوه بالتوافق النفسي والبيئوي. قيل أن أسقفاً أخذ رجلاً ليعمّده في البحر، ولما غطس الرجل في الماء أبصره الأسقف رافعاً يده خارج الماء. ولما سأله عن سبب ذلك، أجاب الرجل: إنه يريد انتقام بهذه الذراع من عدو له. بكل تأكيد ليس هذا هو التجديد. إن التجديد الروحي هو خلاص بلا ارتداد، وسلام بلا انتهاء، وحب بلا رياء، وفرح بلا استياء، وتديّن ورجاء وإخاء، فالسامري الصالح يضع نفسه لأجل من لا هوية له.
ثانياً: فكرياً
هل تعلم أن فكرك ينبئ عن شخصيتك؟ فأنت تساوي ما تتفكر به. رجل غني فكر في نفسه فحاسبه الله على أفكاره (لوقا 17:12)، والابن الضال فكّر في نفسه وقام وذهب (لوقا 15)، وقد تحوّلنا الضيقات إلى التفكير في أنفسنا، فقد قال إخوة يوسف له: الله وجد إثم عبيدك. وقالت امرأة صرفة صيدا لإيليا: هل جئت لتذكير إثمي وإماتة ابني. وهذا ما دعا بولس الى القول: "ليكن فيكم الفكر الذي كان في المسيح يسوع" أي فكر الاتضاع والخدمة، فكر الحب والبذل، فكر النفس السمحاء والإخاء. "أخيراً أيها الإخوة، كل ما هو حق، كل ما هو جليل، كل ما هو عادل، كل ما هو طاهر، كل ما هو مسر، كل ما صيته حسن - إن كانت فضيلة وإن كان مدح، ففي هذه افتكروا" (فيلبي 8:4)، وأيضاً "أطلب الى أفودية وأطلب الى سنتيخي أن تفتكرا فكراً واحداً في الرب". وإذا تم هذا الإتحاد، فستكون رحلة الإيمان سهلة رغم صعوبات الخدمة، رحلة موفقة مشمولة بالنعمة بحق. "فتفكروا في الذي احتمل من الخطاة مقاومة مثل هذه لئلا تكلوا وتخوروا في نفوسكم". لقد حذّرنا المسيح في قوله: "لماذا تفكرون بالشر في قلوبكم؟" عسى أن نراجع أنفسنا، لذلك في وحدتك حاسب على أفكارك، ومع الناس راجع كلماتك، ومع الله أخضع ذاتك (متى 9: 4). إن الكمال الفكري هو حكمة نازلة من فوق "ما أكرم أفكارك يا الله". أما كمال أفكارنا فهو نسبي:
ثالثاً: روحياً
ثارت مشكلة في كنيسة كورنثوس عن أهم المواهب الروحية (1كورنثوس 13:12-14)، وهذا ما دفع بولس الى تدوين أطروحة المحبة. فالمحبة هي طبيعة الألوهة، وقلب الخدمة، ومفصل العلاقات. رجل غيّر طائفته لعدة مرات، وسأله راعي الكنيسة الأخيرة عن سبب ذلك، فأبدى له أسباباً عدة، مما أظهر ضآلة تفكيره وضحالة اختباره. وبعد تروٍّ أجابه الراعي بالقول: وما فائدة تغيير اسم الصنف على زجاجة فارغة؟ إن معيار الروحانية هو حالة القلب "قلباً نقياً اخلق فيّ يا الله"، "وطوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله". إن الهدف الإلهي بشأن الكلمة المكتوبة "لكي يصير إنسان الله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح". قُدِّم سؤال لمائة وعشرين مهتدياً وهو: ما الذي وافقكم في المسيحية؟ فأجاب ثمانون في المائة منهم: إن ما جذبنا الى المسيحية هو عطف الرجل المسيحي.
رابعاً: تعليمياً
في أيام المسيح تعددت الطوائف والنّحل، وبالتالي كثرت التعاليم بل وتضاربت. فالصدوقيون يؤمنون فقط بما يقع تحت الحواس كجماعة من جماعات الماديين في عصرنا، ويؤمنون بالجبرية. أما الفريسيون فإنهم يعتقدون بالقدرية ويجمعون ما بين القضاء والقدر وإرادة الإنسان الحرة؛ فلا خلود قط ولا عقاب أو ثواب، فجاءت ديانتهم ظاهرية وليست قلبية داخلية (أعمال 8:23). ولكن الكتبة (الناموسيون) فقد عنوا بالأشياء المادية العرضية دون الروحية الجوهرية (متى 22). ولقد أراد الرب توجيه انتباههم الى المشرّع أكثر مما إلى الشريعة "ماذا تظنون في المسيح؟ ابن من هو؟" قالوا له: ابن داود. قال لهم: "فكيف يدعوه داود بالروح رباً" (متى 41:22-46).
قال أحدهم: الدين قاعدة ترتكز عليها الفضيلة الشخصية، والإيمان العام على السواء، وهو مصدر سعادة الفرد، ورفع شأن الأمة. التعليم جزء من الديانة المسيحية ويشكل سلوك أصحابها، فبماذا نعلم الناس؟ فقضية الزواج أصبحت مدنية، وأباحت بعض الطوائف المسيحية - غير الكتابية - تعدد الزوجات. "فاثبتْ على ما تعلّمت وأيقنت“، أي "كونوا كاملين" (متى 38:5). قال متجدد قد شعر بعمل النعمة فيه: إما أن كل العالم تغيّر أو أني أنا قد تغيّرت. هذا هو الكمال في بداياته الذي يظل مسيح الجلجثة ورب القيامة مقياسه ومكمّله، فكونوا كاملين.