آب (أغسطس) 2009
- الزيارات: 4751
لم تكن تجربة يسوع التي أخضع ذاته لمواجهتها مجرد استعراض لقدرة الرب على قهر إبليس وانتزاع النصرة منه في معركة شخصية خاضها وهو في حالة التجسد. ولم تكن النتيجة متوقعة من قبل الشيطان، أو بالأحرى لم يكن على علم بما ستؤول إليه تلك المواجهة. فنحن نعتقد أن إبليس يعلم بعض الأمور، فيعرف أشياء من الماضي والحاضر، ولكنه لا يعلم المستقبل، وليس له القدرة على المعرفة إلا في الحدود التي يسمح بها الله لتلك الكائنات كالملائكة وكذلك الشياطين.
ونرى بأن الرب يسوع استمرّ يقاوم تجارب إبليس مستخدماً الكلمة الإلهية، فأجاب وقال له في النهاية: "اذهب يا شيطان لأنه مكتوب: "للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد" (تثنية 13:6). وهكذا تركه الشيطان فجاءت ملائكة وصارت تخدمه".
إن ذلك الحدث الذي دوّنه لنا العهد الجديد بالتفصيل يؤكد لنا عدة أمور يجب أن تكون موضوع اهتمامنا بكل تبصّر وحذر وهي:
أولاً: يجب ألا نستهين بقوة وسلطة إبليس في هذه الأرض بل أن نقاومه ونقاوم تجاربه بشدة كما كتب الرسول بطرس: "اُصْحُوا وَاسْهَرُوا. لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ. فَقَاوِمُوهُ، رَاسِخِينَ فِي الإِيمَانِ" (1بطرس 8:5-9).
وكما كتب الرسول بولس أيضاً قائلاً: ”تَقَوُّوْا فِي الرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ. الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ. فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْر“ (أفسس 10:6-12).
ومكتوب عنه أيضاً أنه "رئيس سلطان الهواء" (أفسس 2:2)، و"إله هذا الدهر" (2كورنثوس 4:4). وأن "العالم كله قد وُضع في الشرير" (1يوحنا 19:5).
ثانياً: إن تجارب إبليس جميعها خادعة وظاهرها يختلف كثيراً عن باطنها، فعلينا ألا نناقش التجربة بل أن نحكم على الفكرة من خلال مطابقتها أو معارضتها لكلمة الله طالبين الحكمة الإلهية والإرشاد متسلحين بالكلمة المقدسة لمجابهتها وبالصوم والصلاة للتغلّب عليها.
ثالثاً: إن الذين لا يحترصون من تجارب إبليس ولا يطلبون العون من الرب كما علّمنا في الصلاة الربانية "ولا تدخلنا في تجربة، لكن نجنا من الشرير"، هؤلاء يشبهون إنساناً لا يعرف السباحة ولم يتدرّب على العوم، يرى مياه البحر أنها راكدة صافية فيرمي نفسه فيها دون أن يحسب العواقب. ومحاولة إبليس تجربة يسوع نفسه تعلّمنا أن الأمر خطير وخطير جداً!!
نحن نستطيع أن نستقرئ الموضوع ونستنبط منه أن أهداف الرب يسوع من مواجهته للتجربة كانت:
1- لكي يثبت ويعلن أنه الابن الإلهي البار والوحيد الذي يستطيع الانتصار على هذا العدو من حيث فشل جميع النسل البشري في ذلك.
2- لكي يعلمنا كيف نجابه الشرير بقوة الكلمة الإلهية وليس بأية أقوال أخرى أو فلسفات مصطنعة. حيث أن هنالك تعاويذ وخزعبلات كثيرة لا معنى لها.
3- كي يعلن صلاحه الكامل ونقاءه كالذبيحة الفريدة المقبولة من الآب القدوس للتكفير عن خطايا الأشرار والأثمة. فلقد قال له المجد قبل الصلب: "لاَ أَتَكَلَّمُ أَيْضًا مَعَكُمْ كَثِيرًا، لأَنَّ رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ" (يوحنا 30:14).
4- لكي يجتاز كل ما يجتاز به بنو البشر من صعوبات الحياة فلا تبقى هنالك منطقة يمكن أن يجتازها هؤلاء إلا وقد عبر فيها هو أيضاً لكي ينجد الضعفاء، ويقوّي المغلوبين على أمرهم، ويعطي الطمأنينة والسلام للمضطربين، والتعزية للحزانى، والراحة لجميع المتعبين والثقيلي الأحمال!! كما تقول الكلمة الإلهية: "مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيمًا، وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِينًا فِي مَا ِللهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ. لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ" (عبرانيين 17:2-18).
إذاً، فعلينا أن نتشجع ونتشدّد - إذا كنا نجتاز في تجربة - لأن رب المجد يسوع اجتاز هو أيضاً في التجربة وقد حوّل النصرة التي حقّقها لصالح كل واحد من المؤمنين به.
قارئي الكريم، نحن اليوم في زمن تكثر فيه تجارب إبليس وهو يوجّه سهام تجاربه نحو الجميع بصرف النظر عن قوة إيمانهم. ولكن الذين يقفون في وجهه ولا ينزلقون في تجاربه هم الذين يسهرون على حياتهم الروحية، ويكونون في علاقة مستمرة مع الرب بواسطة المواظبة على الصلاة، وممارسة بقية وسائط النعمة متزوّدين بإرشادات الروح القدس والكلمة المكتوبة؛ أولئك الذين يحوّلون الصعوبة إلى بركة والضيقة إلى فرح وابتهاج.
وأختم بهذه الكلمات المباركة الواردة في رسالة بطرس الرسول الأولى:
"...لاَ تَسْتَغْرِبُوا الْبَلْوَى الْمُحْرِقَةَ الَّتِي بَيْنَكُمْ حَادِثَةٌ، لأَجْلِ امْتِحَانِكُمْ، كَأَنَّهُ أَصَابَكُمْ أَمْرٌ غَرِيبٌ، بَلْ كَمَا اشْتَرَكْتُمْ فِي آلاَمِ الْمَسِيحِ، افْرَحُوا لِكَيْ تَفْرَحُوا فِي اسْتِعْلاَنِ مَجْدِهِ أَيْضًا مُبْتَهِجِينَ" (1بطرس 12:4-13).
فلنبادر التجربة لا بروح الخوف والهروب بل بعزيمة القلب المتشدّد بالرب المبتهج بجميع تدبيراته والواثق بوعوده الصالحة كما قال:
"في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا. أنا قد غلبت العالم".
فلنتمثّل بيسوع قائدنا المبارك ولنتبع خطواته فنفلح في جميع الأمور.