آب (أغسطس) 2009
- الزيارات: 4838
إلى الوالغين في الشر... الشاردين في الغواية... الغارقين في الباطل. إلى الهاربين من الله... التائهين عن بابه... العازفين عن رضاه...
ليعلم كل هؤلاء أنه ليست الحياة حلماً مزعجاً تنهيه إغفاءة الموت، ولا الوجود تناقض محض، ولا الحرية هدم وفوضى ليستباح بها كل محرم، وينشر ويرتكب بها كل موبق ويمثل فيها على مسرح الحياة كل جهالات البشر. فليس الإنسان نكرة فارغة يبتلعها الموت ويهضمهما العدم، بل الإنسان وجود واقع في العالم مشدود إلى كيان يتعدى حدود العالم. ولسوف ينعتق من روابط التاريخ والعالم، لأنه مشاطرة ومشاركة للكائن المطلق.. لله الذي خلقه على صورته ومثاله. ولن يجد ذاته مكتملاً إلا متى خرج من هذه الذات وعاد إليها عبر المطلق... عبر الله، وكما يقول القديس أغسطينوس: ”خلقتنا يا الله لأجلك وقلوبنا لا ترتاح إلا بك“.
فالإنسان سر التاريخ. ومدعو لوراثة الأزل في ديار الأبد، ولكن... ولكن الأبدية، نعيم وجحيم، فيها يفصل بين الناس على حسب مواقفهم في الدنيا، كما يفصل بين الحنطة والزوان، أو بين الجداء والخراف. فالمؤمنون مآلهم إلى نعيم، أما غير المؤمنين فيدعون إلى المثول أمام الله الديان العادل يوم الحساب العظيم، ويا لهوله من يوم ليدانوا فيه ويُعاقبوا في جهنم النار خالدين فيها! ”مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي“ (عبرانيين 31:10).
فموقف المؤمن من الموت هو موقف الانتصار والغلبة. ”هُوَذَا سِرٌّ أَقُولُهُ لَكُمْ: فَإِنَّهُ سَيُبَوَّقُ، فَيُقَامُ الأَمْوَاتُ عَدِيمِي فَسَادٍ، وَنَحْنُ نَتَغَيَّرُ. فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ الْكَلِمَةُ الْمَكْتُوبَةُ: ابْتُلِعَ الْمَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ. أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟ أَمَّا شَوْكَةُ الْمَوْتِ فَهِيَ الْخَطِيَّةُ، وَقُوَّةُ الْخَطِيَّةِ هِيَ النَّامُوسُ. وَلكِنْ شُكْرًا ِللهِ الَّذِي يُعْطِينَا الْغَلَبَةَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ“ (1كورنثوس 51:15-75).
أما غير المؤمنين، فويل لهم من مشهد يوم عظيم تقشعرّ له الأبدان، ويذهل منه الشيوخ والولدان. يوم يحاولون إخفاء أنفسهم في المغاور. ”وَفِي صُخُورِ الْجِبَالِ. وَهُمْ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ وَالصُّخُورِ: اسْقُطِي عَلَيْنَا وَأَخْفِينَا عَنْ وَجْهِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَعَنْ غَضَبِ الْخَرُوفِ، لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ يَوْمُ غَضَبِهِ الْعَظِيمُ. وَمَنْ يَسْتَطِيعُ الْوُقُوفَ“ (رؤيا 12:6-17).
فلنسارع هنا والآن إلى الخلاص بقبول المخلص، ”الذي أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل“ (1تيموثاوس 10:1) - لامتلاك الحياة الأبدية (يوحنا 24:5 و14:3)، حيث السلام والسعادة وما أعده الله للذين يتقونه الذين قبلوا وآمنوا بعمل المسيح الكفاري. فما من إنسان يخلص بدون عمل المسيح الكفاري. وسيُدان الناس فقط على رفضهم نعمة الله في المسيح. فالذين يقبلون الخلاص المقدم من المسيح سينالون حياة أبدية، والذين يرفضونه سيُدانون على رفضهم، ودينونتهم بنار أبدية لا تُطفأ ودود لا يموت. فلا يستهين أحد بذلك اليوم العظيم فإنه يومٌ يستمد كيانه وامتداده من الله العلي الساكن الأبد.
ويحضرني هنا قول مؤمن أبكم سُئل عن الأبدية. فكتب يقول: ”الأبدية هي: دوام بلا ختام، ووجود بلا حدود، وحاضر بلا مستقبل. إنها حياة بلا موت، ونهار بلا مساء. إنها حلقة أولها وآخرها في ذاتها ومسألة حسابية لا تنقص أبداً مهما طرحت منها... وأوقيانوس لا قرار له... فلا شاطئ للأبدية... مسكن الله وعرين العلي.