كانون الأول (ديسمبر) 2009
لاَ يَذُمَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ. الَّذِي يَذُمُّ أَخَاهُ وَيَدِينُ أَخَاهُ يَذُمُّ النَّامُوسَ وَيَدِينُ النَّامُوسَ. وَإِنْ كُنْتَ تَدِينُ النَّامُوسَ، فَلَسْتَ عَامِلاً بِالنَّامُوسِ، بَلْ دَيَّانًا لَهُ. وَاحِدٌ هُوَ وَاضِعُ النَّامُوسِ، الْقَادِرُ أَنْ يُخَلِّصَ وَيُهْلِكَ. فَمَنْ أَنْتَ يَا مَنْ تَدِينُ غَيْرَكَ؟ أَنْتُمُ الَّذِينَ لاَ تَعْرِفُونَ أَمْرَ الْغَدِ! لأَنَّهُ مَا هِيَ حَيَاتُكُمْ؟
إِنَّهَا بُخَارٌ، يَظْهَرُ قَلِيلاً ثُمَّ يَضْمَحِلُّ. أَنْتُمُ الَّذِينَ لاَ تَعْرِفُونَ أَمْرَ الْغَدِ! لأَنَّهُ مَا هِيَ حَيَاتُكُمْ؟ إِنَّهَا بُخَارٌ، يَظْهَرُ قَلِيلاً ثُمَّ يَضْمَحِلُّ. عِوَضَ أَنْ تَقُولُوا: إِنْ شَاءَ الرَّبُّ وَعِشْنَا نَفْعَلُ هذَا أَوْ ذَاكَ. وَأَمَّا الآنَ فَإِنَّكُمْ تَفْتَخِرُونَ فِي تَعَظُّمِكُمْ. كُلُّ افْتِخَارٍ مِثْلُ هذَا رَدِيءٌ. فَمَنْ يَعْرِفُ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنًا وَلاَ يَعْمَلُ، فَذلِكَ خَطِيَّةٌ لَهُ (يعقوب 11:4-17).
جاء في أسطورة قديمة أن أحد الأمراء طلب من طاهيه أن يعدّ له أحلى طعام، فقدّم له طبقاً من اللحم، لحم اللسان. وفي اليوم التالي طلب منه أن يعدّ له أمرّ طعام، فقدّم له نفس طبق الأمس من لحم اللسان. ولما تعجب الأمير قال له الطاهي: اذكر يا مولاي أن اللسان أعذب ما في الوجود إذا صلح، وهو أمرّ ما في الوجود إذا فسد.
وأهمية اللسان تظهر عند لقاء الطبيب إذ يطلب من المريض قائلاً: أرني لسانك. بل في يوم بناء بابل بلبل الله ألسنة الناس. وفي يوم الخمسين "نزل الروح بهيئة ألسنة منقسمة كأنها من نار، وطفقوا يتكلمون بألسنة جديدة." ولذلك يجدر بنا هنا أن نتناول هذا اللسان في استعمالات مثلّثة:
أولاً: لسان الودعاء
إن كلمة "ذم" أصلاً تفيد كل كلام يضر أو يؤذي الآخرين أي إنه لا ينبغي أن نتفوّه بالشر على الآخرين حتى لو كان هذا الكلام هو الواقع، فكم بالحري الكلام الذي لا يرتبط بالواقع؟ يجب أن يكون الرجل الفاضل كالمرأة الفاضلة في أمثال 31: 26 "تفتح فمها بالحكمة وفي لسانها سنة المعروف."
إن السفن العظيمة التي تدفعها الرياح العاتية تديرها دفة صغيرة.
خرج أحدهم مع راعي كنيسته، وشرع يحدثه عن أعمال مشينة يقوم بها عضو آخر، وكانت القصص التي قصها العضو لراعيه قصصاً رهيبة. فالتفت الراعي الى الأخ المتكلم وقال له: اسمع يا ولدي، هل سمع أحد منك بهذه الأقاصيص غيري؟ قال العضو: كلا يا سيدي الراعي، فقال له: إذاً يا ولدي أرجوك لأجل المسيح أن تقفل فمك، وإن أراد الله أن يفضح أحداً من البشر فتوسّل إليه أن لا يستخدم لسانك في هذه الفضيحة.
كم من مرة تكلمنا ضد الآخرين ليس إلا لتغطية عيوبنا، أو لتقضية مصالحنا، أو لإشباع روح الانتقام فينا.
إن المحبة "لا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق." فلا توافق الشرير على شره، ولا تبتهج بآثامه، بل تألّم لانتشار الإثم. افرح فقط بالسلام والحق، وتأمل محاسن الغير، وتغاضى عن العيوب. إن كثيرين يبيِّضون صحائفهم بتسويد صحائف الآخرين أو ليبرزوا محاسنهم.
لما أخذت مريم مع هارون يذمّان موسى من أجل الكوشية التي أخذها، غضب الله على ذلك وأصيبت مريم بالبرص وتعطّل شعب الله من المسير أسبوعاً كاملاً لولا اعتراف هارون لأصابهما ما هو أشر.
ثانيًا: لسان الكبرياء
يقول الناموس: "لا تسعَ في الوشاية بين شعبك" (لاويين 16:19)، أي "لا تدينوا لكي لا تدانوا." نحن إخوة، فهل نشوّه غيرنا؟ إن لم يكن مدحاً، فلنسكت بعيداً عن الخصومات "وعبد الرب لا يجب أن يخاصم." إن من يدين، يذمّ الناموس كما نلاحظ في رومية 14. فقد تكلم بعض الإخوة كلمات قاسية ضد بعضهم البعض نتيجة لاختلافهم على أمور كثيرة كحفظ أيام معينة أو تناول أطعمة مختلفة. وكأن بولس هنا يقول: من يدين أخاه على هذه الأمور التي لم يذكرها الناموس، يدين الناموس الذي لم يهتم بالتحدث عنها كناموس غير كامل. لذلك ليكن حديثنا في "كل ما صيته حسن."
قال الشاعر: وإذا أتتك مذمّتي من ناقصٍ فهي الشهادة لي بأني كامل
يقول سليمان الحكيم في أمثال 23:25 "ريح الشمال تطرد المطر والوجه المعبس يطرد لساناً ثالباً." فالإنسان المسيحي لا يجب أن يبتسم قط في وجه من يُشيع المذمّة بل يقابله بحزن مقدّس ويعلمه التخلي عن نهش سيرة الآخرين.
اعتاد أحد الرعاة في حديثه للمبشرين الجدد أن يقول لهم: سادتي، أنتم الآن على أبواب الخدمة المسيحية، في مسيس الحاجة الى ثلاثة أمور لتجعل منكم خداماً نافعين: إنكم في حاجة الى التهذيب، وفي حاجة الى النعمة، وأخيراً في حاجة الى الفهم. أما عن التهذيب فسأبذل جهدي في توجيهكم في طريق الحصول عليه. أما عن النعمة فعليكم بالصلاة للحصول عليها. وأما إذا كنتم خلواً من العقل والفهم، فليذهب كل منكم الى حال سبيله.
ثالثًا: لسان الأردياء
وهو لسان يصعب السيطرة عليه لأنه يقتل بالنميمة والاغتياب، ويطعن من الخلف ويبتسم بوقاحة في الوجه، ويقطع الربط العائلية. ذو اللسان الشرير يعبث بالأعراض، ويرجع الى طفولة محطّمة رسّخت سموم الحقد والكراهية في أوتار الفم، وأعصاب الوجه، وانفعالات القلب، "نمّامين مفترين، مبغضين لله ثالبين متعظمين مدّعين، مبتدعين شروراً… حنجرتهم قبر مفتوح. بألسنتهم قد مكروا. سمّ الأصلال تحت شفاههم، وفمهم مملوء لعنة ومرارة."
قالوا لأفلاطون: إن أعداءك يتقوّلون عليك، فأجاب: لا تهتموا بذلك، فإني سأحيا حياة تجعل الجميع كاذبين.
كان ملك أفريقي قبيح الوجه، يكره أن يرى وجهه في مرآة، فحطّم كل مرايا قصره. ومرة زار أحد رجاله فوجد لديه مرآة، فتطلع اليها وأخذ يبكي كالأطفال. ولشدة دهشته رأى صديقه يشاركه في البكاء بمرارة، فسأله: لماذا بكيت أكثر مني؟ فأجابه: إذا كنت أنت تبكي لأنك رأيت وجهك في المرآة مرة واحدة، فماذا أفعل أنا، وأنا أرى وجهي كل يوم؟!
يا من تبحثون عن عيوب الآخرين، ابكوا على نقص عقولكم، وشراسة انتقاداتكم، ونتائج ثرثرتكم.
قصد أحد الطلاب الحاخام الأكبر ليتلقى منه درساً في العهد القديم. فبعد أن لقّنه مزمور 1:139 "قلت أتحفّظ لسبيلي من الخطأ بلساني،" همّ الطالب بالخروج. فلما استوقفه المعلم الأكبر، قال له الطالب: هذا يكفي يا مولاي، فلو تعلمت كيف أتحفّظ لسبيلي بلساني من الخطأ، حسبت نفسي قد تعلمت كل شيء.
"إن كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حساباً في يوم الدين… لأنك بكلامك تتبرر وبكلامك تدان."
ما هو علاج المسيح لذوي اللسان الواحد الشرير أو ذوي اللسانين؟
هذا يأتي بنا الى سفر حزقيال "أعطيكم قلباً جديداً، وأجعل روحاً جديدة في داخلكم، وأنزع قلب الحجر من لحمكم وأعطيكم قلب لحم،" وبمعنى آخر "ينبغي أن تولدوا من فوق."
عزيزي القارئ، إنك بحاجة الى محبة المسيح!
كتب كامبل مورجان في مذكراته: الصبر عادة المحبة، والشفقة خدمة المحبة، والكرم كمية المحبة، والتواضع نغمة المحبة، والإنسانية نعمة المحبة، وعدم محبة الذات شهوة المحبة، والخلق الجميل صفة المحبة. ويمكنك وضع كلمة المسيح بدلاً من كلمة المحبة.
وكتب هنري ورمند في كتابه "الشيء العظيم في العالم: "توجد ثمانية صفات في أبجدية المحبة، ولكل حرف ميزة خاصة: الصبر، والشفقة، والكرم، والتواضع، والإنسانية، وعدم طلب ما للنفس، والخلق الجميل، والإخلاص.
لاحظ صبر المسيح مع تلاميذه الذين كانوا بطيئي الفهم، وشفقته على الضالين، وكرمه مع المحبين والأعداء. ألا يجدر بك أن تكون مثل المسيح، فتختبر قلب المحبة، ولسان المحبة، وسلوك المحبة.؟!