كانون الأول (ديسمبر) 2009
توجد في العهد القديم نبوات كثيرة تتحدث عن ميلاد الرب يسوع المسيح، أشهرها النبوتين المذكورتين في سفر إشعياء:
"ولكن يعطيكم السيد نفسه آية: ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل".
"لأنه يولد لنا ولد ونُعطى ابناً... ويُدعى اسمه عجيباً، مشيراً، إلهاً قديراً، أباً أبدياً، رئيس السلام".
في هاتين الآيتين المباركتين لُقّب المسيح بستة ألقاب عظيمة سأركّز على واحد منها وهو "عمانوئيل" – الذي أجد فيه، ويجد معي كل من افتقدتهم نعمة الرب، تعزية خاصة، سرّها في المعنى الذي يحمله هذا الاسم "الله معنا"، ويجمع في طياته كل البركات الروحية، "الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح". ويؤكد معية الله لنا الوعد الذي قدّمه الرب يسوع المسيح لتلاميذه ولجميع المؤمنين به، "وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر".
ولي معكم في هذا الاسم العظيم ثلاث كلمات:
أولاً: عما يحدّثنا
ثانياً: ما يولّده فينا
ثالثاً: ما يحتّمه علينا
أولاً: عما يحدّثنا
يتحدّث إلينا الاسم "عمانوئيل" بما يأتي:
1- أغرب إخلاء
الإخلاء الذي يحدثنا عنه هذا الاسم هو إخلاء الرب يسوع لنفسه "الذي إذ كان في صورة الله، لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله. لكنه أخلى نفسه، آخذاً صورة عبد، صائراً في شبه الناس. وإذ وُجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (فيلبي 7:2-8). ولكي ندرك هذا الإخلاء لنرى ماذا كان المسيح عليه، وما صار فيه بتجسده، كان في صورة الله... معادلاً لله... في حضن الآب... كان هو الله الذي ليست السماء بطاهرة أمام عينيه، وللملائكة ينسب حماقة، وصار بتجسده "في صورة عبد"، "صائراً في شبه الناس" إذ وُلد من امرأة، ووُلد في مذود بقر.. يا له من إخلاء غريب!
ذهب خيال أحد الأشخاص إلى تصوّر المسيح وهو في السماء قبل الظهور في الجسد أنه قام عن عرشه وهو يخلع ثياب مجده، فبادره ملاك بالسؤال: إلى أين يا سيد؟ فقال له يسوع: إلى كوكب الأرض. وهنا بدأ كل ملاك يلتفت إلى الآخر بدهشة... وقالت جميع الملائكة بلسان واحد: "الأرض!!! الأرض التي لُعنت بسبب سقوط الإنسان".
2- يتحدّث لنا هذا الاسم عن أسمى إعلاء
أخلى المسيح نفسه ليرفعنا ويسمو بنا.. وأوصلنا إلى أعلى مكانة وأسمى مقام.. "المقيم المسكين من التراب. الرافع البائس من المزبلة ليجلسه مع أشراف، أشراف شعبه". "يعلّي المسكين من الذلّ". وأقامنا وأجلسنا معه في السمويات في المسيح... يكفينا فخراً أننا أصبحنا رعية مع القديسين وأهل بيت الله.. وليس ذلك فحسب، بل أصبحنا أولاده. "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله..." بل أكثر من ذلك بكثير.. إننا أصبحنا أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه.
3- يتحدث إلينا هذا الاسم عن أعظم رجاء
"الله معنا"، هذا أعظم رجاء!! بعض الناس يضعون رجاءهم في أولادهم، وآخرون في المركز والجاه، وآخرون في المال، لكن كل هذه لا تصلح لأن يضع أحدهم رجاءه فيها؛ فكم من أبناء قتلوا والديهم، وكم مراكز وأموال ضاعت، لكن رجاءنا الوحيد هو في الرب، ورجاؤنا في المسيح ليس في هذا العالم فقط، لكن في السماء "إن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح فإننا أشقى جميع الناس". فإن المسيح فينا "رجاء المجد"... إنه الرجاء الحي.
ثانيًا: هذا الاسم العظيم وما يولّده فينا
1- طمأنينة دائمة
عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا... فلا نخف من أي شيء ولا ترهبنا أي قوة.. "الرب نوري وخلاصي ممن أخاف. الرب حصن حياتي ممن أرتعب... إن نزل عليّ جيش لا يخاف قلبي. إن قامت عليّ حرب ففي ذلك أنا مطمئن". ونحن نسير في البرية، قلوبنا ممتلئة بالطمأنينة لأننا مستندين على الرب. نعم، البرية قاحلة وموحشة، تزأر فيها الوحوش، وبالرغم من هذا فنحن مطمئنون.
2- أفراح عارمة
الله معنا! هذا الحق يملأ قلوبنا بالأفراح حتى وإن دخلنا في أصعب التجارب وأشدّ الآلام "احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوّعة". لاحظ كلمة "كل"! فالكتاب لم يقل احسبوه فرحاً بل "كل فرح"، أي منتهى الفرح وقمته وكماله. يقول بطرس الرسول: "الذي وإن لم تروه تحبونه. ذلك وإن كنتم لا ترونه الآن لكن تؤمنون به، فتبتهجون بفرح لا يُنطق به ومجيد".
أفراح قلبية قوية لا تتأثر بأي مؤثرات "فمع أنه لا يُزهر التين ولا يكون حمل في الكروم. يكذب عمل الزيتونة والحقول لا تصنع طعاماً، ينقطع الغنم من الحظيرة ولا بقر في المذاود فإني أبتهج بالرب وأفرح بإله خلاصي“.
3- قوة متعاظمة
”الله معنا“، يولّد هذا الحق فينا قوة لا مثيل لها...
قوة متجددة: "يجدّدون قوة. يرفعون أجنحة كالنسور. يركضون ولا يتعبون. يمشون ولا يُعيَون".
قوة مستمرة: "يذهبون من قوة إلى قوة".
هذه القوة هي عطية من الله. "يعطي المعيي قوة"...
هذه القوة تملأنا. "لكنني أنا ملآن قوة روح الرب وحقاً وبأساً".
هذه القوة ترفعنا للشهادة للرب "تنالون قوة... فتكونون لي شهوداً".
إن الرب هو قوتنا "الرب السيد قوتي" "الله لنا ملجأ وقوة"، "أحبك يا رب يا قوتي".
ثالثًا: هذا الاسم العظيم وما يحتمه علينا
1- التقدّم وعدم الارتداد: الله معنا... ذلك الشعور والإحساس يدفعنا للتقدّم للأمام والسير في الطريق بدون إبطاء أو تردّد أو التفات إلى الوراء "أفعل شيئاً واحداً. إذ أنا أنسى ما هو وراء وأمتدّ إلى ما هو قدّام. أسعى نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع". ويحذّرنا الرب يسوع المسيح من النظر إلى الوراء "ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله".
2- احتمال الاضطهاد: عمانوئيل - الله معنا – يعطينا قوة لاحتمال كل الاضطهادات التي تقع علينا فنقول بملء شدقينا "من سيفصلنا عن محبة المسيح؟ أشدة، أم ضيق، أم اضطهاد، أم جوع، أم عري، أم خطر، أم سيف، كما هو مكتوب إننا من أجلك نُمات كل النهار، قد حُسبنا مثل غنم للذبح. ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا". لم يخفِ الرب عنا ما سيقابلنا في هذه الحياة من اضطهادات "وجميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يُضطهدون"، ولا يجب علينا ان نستغرب ذلك لأنهم إن كانوا قد اضطهدوا الرب يسوع فلا بد أن يضطهدوا أتباعه أيضاً.
3- الخدمة والجهاد: عمانوئيل - الله معنا - يحتم علينا خدمته بنشاط بقلوبنا وعقولنا وأجسادنا مهما كلفنا ذلك من جهد ووقت ومال.. تحضرني كلمات ترنيمة قديمة تقول:
نخدم يسوع من اشترانا ولا نقضي وقتاً في الكسل
بينما الناس تموت حولنا نبتغي هداهم للحمل
نخدم يسوع يهوه نرتجي أين سرنا نبقى عاملين
من شق الفجر حتى الليل يجيء نستمر دوماً خادمين
فلنخدم بقوته وبدون كلل أو ملل ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمّله يسوع، فهو معنا لأنه وعد أن لا يتركنا.
وفي الختام أقول: ما أعظم هذا الاسم "عمانوئيل"، الله معنا، يسير معنا، ويهدينا، ويعلمنا، ويحملنا على منكبيه، ويحفظنا من أخطار البرية التي نحن فيها سائرون.