شباط (فبراير) 2009
تعلّمت في حداثتي أغنية كلماتها:
أنا سين عين يِ دال
هذا أكيد قلبي سعيد
أنا سين عين يِ دال
وكنت وقتها أشعر بسعادة تامة مع أنني لا أعلم معنى السعادة أو مبناها، ولم أفكّر وقتها اذا كان طلب السعادة فضيلة أو طلب الفضيلة سعادة؛ مع أن الفضيلة أمر عقلي وموقف شخصي صادر عن إحترام الواجب، كما أن التزام الفضيلة لا يؤدي في كثير من الأحيان الى السعادة. إن اقتران السعادة بالفضيلة يفترض وجود علة تربط بينهما، وهذه العلة هي الله نفسه. وهذا الكائن الأعلى يمكِّن الإنسان من تحقيق السعادة.
إن الصراع بين السعادة والمنفعة والواجب معركة صاخبة تقلق صاحبها وترتبط بالضمير، والخير، والحب، والتفاؤل أو التشاؤم، ومفهومنا للسعادة. هل يا ترى السعادة هي الحظ، والثروة، والنجاح، والاكتفاء، والفرح، وتحقيق الآمال، وتوافق أركان النفس والرغبات الدفينة، وتطبيق القانون، والظروف المحيطة، والمجتمع كله؟ إن هذا يعني أنه عندما نرغب شيئاً نريد أن ما نرغبه يكون كافياً لإشباع النفس. إن فكرة السعادة تحتوي على التكامل وإرضاء الذات وحرية الاختيار. إنها دافع رئيسي وراء كل تصرفاتنا، قد تتطلب التضحية ببعض الأشياء في سبيل الاحتفاظ بالآخرين. لذلك، السعادة لا تكمن في ما نملكه أو ما نستحسنه، بل في إحساس الضمير، وممارسة النية الطيبة، والنفس الراضية، وتصحيح قنوات المعرفة، وانتهاج الحكمة والفضيلة، وقد يلزم مراعاة أساليب الصحة البدنية والعقلية، والسعي نحو النضج والنمو النفسي، والالتحام الاجتماعي، ومراعاة الله.
إن الكائن الحي في صراع دائم مع البيئة والمجتمع من أجل حفظ النوع وتحقيق غاياته الخاصة، وفي النهاية يدرك أن التعاون الاجتماعي شرط أساسي لتطور الحياة الفردية. يأتي وقت فيه يبدو الإنسان أنانياً ينشد منفعة فردية فتكون الأنانية هي القيمة السائدة، لكن حفظ الذات غاية بيولوجية، الى أن يدرك المرء أهمية التعاون مع غيره لتحقيق قدر أكبر من المصالح والمنافع الذاتية وبذلك تبدو السعادة ممزوجة بالأنانية حتى تغلب فكرة التعاون على الأنانية فتصبح مصلحته الفردية كائنة في مصلحة المجموع. والخلاصة، عندما نخضع عواطفنا لقوانين الحب والغيرية ونتجاوز حدود الزمن والمكان يتحقق الكمال الخلقي. إذن، لا توجد على الإطلاق سعادة تامة بدون التطابق مع الفضيلة أي الدين، في حدود العقل وحرية الإرادة، في حدود الإيمان بالله. إن الحرية مثلا قيمة أصيلة لا يصح أن ترتكب الجرائم باسمها، فهذا يؤدي الى قول الميكافيليين بأن الغاية تبرر الواسطة. إن علة السعادة هي الله.
هل تعلم أن الإيمان هو مفتاح السعادة، الإيمان بالله. والإيمان ببساطة هو تصديق الله. هذا الإيمان يتمم اختبار الخلاص والسعادة والفرح. إنه الإيمان في وسيلة إلهية وليس في أي تصوّر شخصي. تصوّر أنك تعامل الناس بنفس الأسلوب الذي تعامل به الله بكل حذر وشك أو إهمال، ألا يهدم هذا كل علاقاتك ويدمر كل مشاريع حياتك؟ إياك أن تشك في محبة الله، بل إجعل عقلك يستوعب الأفكار الروحية. لأن غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله. إن حياة الإنسان لا تعتمد على الإنفعالات والعواطف بل على الإرادة، فالتصميم عادة يتعارض والعاطفة. بكلمة أخرى، يجب أن تركز إرادتك في مشيئة الله. إن الإرادة هي قوة تحكم طبع الإنسان، لذلك إن كانت ارادتك في المسار الصحيح فستكون كل طبيعتك في الطريق المستقيم، أي إن اختيارك يحدد مقدار قوتك. إن الخطوات الروحية تُبنى على مخاطرة مضمونة النتائج، قد تبدو كثقة الأطفال. إنها خطوات جريئة لا يعتريها خوف أو تردد أو شك.
إنني سعيد لأن المسيح علَّم عن السعادة الحقيقية، وماذا علّم؟ قال إن الطوبى - أو السعادة - هي لأنقياء القلب، لصانعي السلام، للذين يفكرون بواجباتهم أكثر من حقوقهم حباً في الحق وليس تمتعاً بالمدح. إن الإنسان يحتاج أولا الى علاج كيانه الباطني، وعوامله الداخلية، والى تحسين علاقاته الاجتماعية لا سيما العائلية، وأخيراً أن يكون متحداً بالله، وفي توازن روحي. إن التكامل الباطني والنمو الأخلاقي هما شرطان للترقي الحقيقي. جاء مرة الى يسوع شقيقان مات أبوهما واختلفا على الميراث. أخذ أحدهما الطمع للحصول على قسم كبير من التركة وهضم حق أخيه المتكدر جداً. كان بإمكان يسوع أن يقسم لهما الميراث، لكن يسوع أراد أن يصالحهما ويجمع بينهما لذلك نصحهما قائلا: اذهبا وتحفّظا من الطمع. فمتى زال الطمع انحلّت المسألة لأن فكر المحبة والإخوّة ينتجان القسمة العادلة. ولا تحصل سعادة البشر إلا بالإخوّة. إن طريق السعادة يرتكز على ثلاثة مبادئ:
الله أبو كل البشر، لذلك فكل الناس إخوة.
وأن نفس الإنسان أثمن من كل شيء ولا اختلاف بين غني وفقير أو جنس وآخر أو لون وآخر.
وأخيراً، الله هو واهب كل الخيرات، والناس وكلاء عليها.
أنا سعيد لأجل تطوّر الحياة الديمقراطية في العالم. وأنا سعيد لأجل نهضة الحوارات الدينية الهادفة والحرية الدينية. وأنا سعيد بمسيرة التصحيح وتأييد الانفتاح الاقتصادي والأمن القومي. وأنا سعيد لدور الأمم المتحدة، والجامعة العربية، والاتحاد الأفريقي، والتجمعات الدولية الاقتصادية، والمؤتمرات المتعلقة بالقضايا الذرية، وتحركات لجان المصالحات الدولية. وأنا سعيد لأنني لم أتعلم المبادئ الدينية فقط، لكنني أستمتع بممارستها سعيداً، ولم أندم قط على ذلك الاختبار الروحي عندما عرفت المسيح الذي غيّر حياتي ووُلد في قلبي منذ خمسين سنة.
أخرج معلم تلاميذه ذات يوم وأمرهم أن يركضوا على الثلج في خط مستقيم. ركض الطلبة ولما وقفوا أخيراً نظروا الى ورائهم فرأوا أن كلا منهم قد ترك خلفه خطا كثير الإعوجاج إلا واحدا. وكان السبب أن الأغلبية كانوا ينظرون الى أرجلهم وهم راكضون. وهنا نفهم معنى الحرية الشخصية، حرية الفكر وحرية الإيمان وحرية الحياة. إنها ليست مفروضة علينا من الخارج بل هي مبادئ شخصيتنا الأساسية. وهذا يعني أن الله وحده يحرر الإنسان، ويحرك عقله، وينير ضميره حتى يكون في حالة سلام قلبي وشخصي وهدوء روحي.
وبكل اختصار، إن السعادة تكمن في طهارة القلب، ونقاوة الضمير، وحب الله والناس. إن السعادة اختبار شخصي بل وقضية أبدية.