حزيران (يونيو) 2009
ليس المسيحي الحقيقي هو كل من يعتنق الديانة المسيحية، أو نال المعمودية المسيحية، ويذهب إلى الكنيسة، ويدفع "العشور". وإنما المسيحي الحقيقي هو:
أولاً: ابنٌ لله
هو من أولاد الله، نتيجة لولادة ثانية، ولادة روحية، ولادة من فوق نتيجة للإيمان القلبي الحقيقي بيسوع المسيح الذي "إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ. وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ اللهِ" (يوحنا 11:1-13). هذا ينطبق على جميع المؤمنين من أصغرهم إلى أكبرهم. لذلك حين كتب الرسول يوحنا إلى المؤمنين الصغار، أي الجُدد في الإيمان، قال لهم: "... أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ [أي المولودين حديثاً]، لأَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ الآبَ" (1يوحنا 13:2). فالطفل الصغير هو ابنٌ لأبيه، تماماً مثل الابن البالغ في السن. وهذه الحقيقة تستحقّ التقدير، لذلك قال أيضاً في (1يوحنا 1:3-2) "اُنْظُرُوا [أي تأمّلوا جيداً] أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ اللهِ! أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللهِ".
هذه الولادة يُعَبَّر عنها في الكتاب المقدس بأنها خليقة جديدة، "إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا" (2كورنثوس 17:5). وهي أيضاً قيامة من الموت، أي الموت الروحي، فنحن كلنا كنا أموات بالذنوب والخطايا (أفسس1:2). ولكن "اَللهُ الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا، وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ" (أفسس 4:2-5).
ثانياً: قد نال غفران الخطايا
إن أول ما يدركه المسيحي الحقيقي حين يعترف بخطاياه ويؤمن بيسوع المسيح، أي يقبله في قلبه، هو أنه قد تخلّص من حمل ثقيل، وهو غفران خطاياه. هذا الغفران الكامل هو من نصيب كل مؤمن حقيقي، لذلك قبل أن يوجِّه الرسول يوحنا كلامه للفئات الثلاث من المؤمنين - أي الآباء والأحداث والأطفال - قال للجميع: "أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ [وهي تعني الأعزاء]، لأَنَّهُ قَدْ غُفِرَتْ لَكُمُ الْخَطَايَا مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ"
(1يوحنا 12:2). هذه حقيقة يجب أن تملأ قلوبنا بالفرح!!! ويؤكدها الروح القدس في أماكن كثيرة من كلمة الله، فيقول: "مُسَامِحًا لَكُمْ بِجَمِيعِ الْخَطَايَا" (كولوسي 13:2)، وأيضاً "الَّذِي فِيهِ [أي في المسيح] لَنَا الْفِدَاءُ بِدَمِهِ، غُفْرَانُ الْخَطَايَا، حَسَبَ غِنَى نِعْمَتِهِ" (أفسس 7:1).
ويقول الروح القدس عن المسيح: "لَهُ يَشْهَدُ جَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يَنَالُ بِاسْمِهِ غُفْرَانَ الْخَطَايَا" (أعمال 43:10). ونجد في العهد القديم تشبيهات وعبارات مجازية عن كمال هذا الغفران فيقول داود في مزمور 12:103 "كَبُعْدِ الْمَشْرِقِ مِنَ الْمَغْرِبِ أَبْعَدَ عَنَّا مَعَاصِيَنَا". وقال الرب على فم إشعياء: "أَنَا أَنَا هُوَ الْمَاحِي ذُنُوبَكَ لأَجْلِ نَفْسِي، وَخَطَايَاكَ لاَ أَذْكُرُهَا" (إشعياء 25:43). وأيضاً "قَدْ مَحَوْتُ كَغَيْمٍ ذُنُوبَكَ وَكَسَحَابَةٍ خَطَايَاكَ" (إشعياء 22:44). وقال ميخا النبي: "وَتُطْرَحُ فِي أَعْمَاقِ الْبَحْرِ جَمِيعُ خَطَايَاهُمْ" (ميخا 19:7). كل هذه العبارات تملأ القلب فرحاً وسلاماً فيهتف المؤمن قائلاً: "إِذًا لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ" (رومية 1:8). هللويا!!!
ثالثاً: التبرير
المسيحي الحقيقي قد أصبح باراً في نظر الله. هذا مقامه الجديد. والتبرير يعني أكثر من مجرد الغفران، فقد يصفح إنسان عن شخص سرق منه مبلغاً من المال، لكن لا يمكن أن يعتبره أنه لم يذنب إليه. الرسالة إلى رومية تعلمنا الكثير عن التبرير الإلهي، لأن هذا موضوعها الأساسي. في رومية 3 نتعلم أولاً أنه "بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ كُلُّ ذِي جَسَدٍ لاَ يَتَبَرَّرُ أَمَامَهُ" (عدد 20). ولكنه يخبرنا أيضاً عن "بِرُّ اللهِ بِالإِيمَانِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، إِلَى كُلِّ وَعَلَى كُلِّ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ" (عدد 22)، ثم يضيف قائلاً لنا: "مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ" (عدد 24). وفي رومية 5:4 يقول: "وَأَمَّا الَّذِي لاَ يَعْمَلُ، وَلكِنْ يُؤْمِنُ بِالَّذِي يُبَرِّرُ الْفَاجِرَ، فَإِيمَانُهُ يُحْسَبُ لَهُ بِرًّا". ما أجمل عبارة "يُبَرِّرُ الْفَاجِرَ" لمسمع كل مؤمن أدرك حقيقة أمره قبل الإيمان! وفي رومية 1:5 "فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ". هذا التبرير كان لازماً لنا لنتمتّع بسلام كامل مع الله. تصوّر ولداً كان سلوكه رديئاً ولكن شخصاً شريفاً جعله ابناً له. هل يمكن لهذا الابن أن يكون سعيداً إن كان أبوه ينظر إليه كشخص رديء مع أنه سامحه؟ شكراً لله لأنه هو وحده الذي يستطيع أن يبرّر الفاجر.
رابعاً: المسيحي الحقيقي يسكن فيه روح الله القدوس
المسيحي الحقيقي يسكن فيه روح الله القدوس. وهذا ينطبق على مؤمني العهد الجديد. وهذا نتعلّمه بوضوح مما جاء في يوحنا 39:7 "قَالَ هذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ، لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ، لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ". ولذلك قبل ذهابه إلى الصليب وعد المسيح تلاميذه أنه سيطلب من الآب ليعطيهم معزياً آخر، هو الروح القدس. وقال: "وَأَمَّا الْمُعَزِّي، الرُّوحُ الْقُدُسُ، الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ" (يوحنا 26:14).
قبول الروح القدس، أي سكناه في المسيحي الحقيقي هو الختم الإلهي لكل مؤمن حقيقي في عصر الكنيسة، كما جاء في أفسس 13:1 "إِذْ آمَنْتُمْ خُتِمْتُمْ بِرُوحِ الْمَوْعِدِ الْقُدُّوسِ". وهو العربون، أي الضمان لميراثنا. حقاً ما أكثر الفوائد والامتيازات للمسيحي الحقيقي، الناتجة عن سكنى الروح القدس فيه، مثل ما جاء في غلاطية 16:5 "وَإِنَّمَا أَقُولُ: اسْلُكُوا بِالرُّوحِ فَلاَ تُكَمِّلُوا شَهْوَةَ الْجَسَدِ"، وهو الذي ينتج فينا ثمر الروح "وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ" (غلاطية 22:5-23). "وَكَذلِكَ الرُّوحُ أَيْضًا يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا، لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي. وَلكِنَّ الرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا“ (رومية 26:8).
ليتنا جميعاً نمتلئ بالروح لكي نحيا الحياة التي يريدها الرب لنا.
خامساً: كل مسيحي حقيقي هو عضو في الكنيسة
الكنيسة "الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ [أي جسد المسيح]، مِلْءُ الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ" (أفسس 23:1). والكنيسة كما رأينا في الدراسات السابقة هي أيضاً بيت الله، وهيكل الروح القدس. كما أنها عروس المسيح، وهو أحبّها وأسلم نفسه لأجلها "لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّرًا إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ، لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ" (أفسس 26:5-27).
سادساً: المسيحي الحقيقي هو مواطن سماوي
المسيحي الحقيقي هو مواطن سماوي "فَإِنَّ سِيرَتَنَا نَحْنُ [أي وطننا، كما تقول الترجمة التفسيرية] هِيَ فِي السَّمَاوَاتِ، الَّتِي مِنْهَا أَيْضًا نَنْتَظِرُ مُخَلِّصًا هُوَ الرَّبُّ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، الَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ، بِحَسَبِ عَمَلِ اسْتِطَاعَتِهِ أَنْ يُخْضِعَ لِنَفْسِهِ كُلَّ شَيْءٍ" (فيلبي 20:3-21). والمسيحي في نفس الوقت مواطن على هذه الأرض، وعليه أن يخضع "لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِينِ الْفَائِقَةِ، لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ، وَالسَّلاَطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ" (رومية 1:13)، على أنه "يَنْبَغِي أَنْ يُطَاعَ اللهُ أَكْثَرَ مِنَ النَّاسِ" (أعمال 29:5). وعلى المسيحي أن يكون نوراً في هذا العالم وأن لا ينسى أن وطنه الأبدي هو في السماء في بيت الآب.
كل ما سبق ذكره في هذا المقال ينطبق على كل مسيحي حقيقي، كبيراً كان أم صغيراً، صاحب مواهب بارزة أم إنسان بسيط، فهو بكل تأكيد ابن لله، غُفرت خطاياه، تبرّر بالإيمان، يسكنه روح الله الذي به جميعنا اعتمدنا إلى جسد واحد، جسد المسيح. وطنه النهائي هو في السماء التي منها ينتظر مجيء ربنا ومخلصنا يسوع المسيح، له المجد إلى أبد الآبدين، آمين.
محتويات العدد