أيار (مايو) 2009
سُئل الفيلسوف المشهور جان جاك روسو: ما هي الصفات الّتي يجب أن تتزيّن بها الفتاة لكي تليق أن تكون زوجة فيلسوف؟ فأخذ الفيلسوف ورقة وكتب عليها: الجمال= (0)، المهارة في التدبير المنزلي = (0)، العلم والمواهب العقلية = (0)، الحسب والنسب = (0)، الصلاح القلبي = (1).
نظرت السيدة إلى الجدول وذُهِلَت لأنها لم تفهم شيئاً. ثم قالت له: لعلك تمزح. فقال: لا بل ما ذكرته أعنيه.
وفسّر لها: إذا كان للفتاة قلب صالح فهو أساس تستطيع أن تبني عليه باقي الصفات والمزايا الحسنة، وقد قدّرتُ هذا الأساس برقم (1). فإذا هي أضافت إلى صلاح القلب جمالاً تصير قيمتها (10)، وإذا أضافت إليهما عقلاً راجحاً أضافت صفراً (0) آخر أي صارت القيمة (100)، وهكذا صلاح القلب هو الأساس الذي بدونه تكون كل مزايا المرأة أصفاراً بجوار بعضها ولا قيمة لها إلا بإضافة الواحد الذي هو الأساس.
فإذا كانت هذه هي الصفات التي تليق بزوجة فيلسوف، فما هي الصفات التي تليق بزوجة ملك؟ ثم ما دام المؤمن ملكاً وكاهناً، ما هي صفات الزوجة التي تليق به؟
أولاً: هي زوجة وَفيَّة = (0)
"بِهَا يَثِقُ قَلْبُ زَوْجِهَا" (أمثال 11:31).
أمينة لزوجها ولو تلبّدت الظروف.. يمكن الاعتماد عليها في كل الطوارئ. وإذا هي على درجة عالية من الكفاءة والنشاط والإحساس بكرامة وأهمية خدمة البيت، فإن قيمتها تفوق كنوز العالم! وبزوجة كهذه يثق قلب زوجها، إذ يجد في محبتها وعواطفها غير الأنانية كنزاً عظيماً بحيث "لايحتاج إلى غنيمة"، ولا يفتقر مهما كانت الظروف التي يمرّ فيها.
عندما كان القسيس رافي زكرايوس صغيراً، أقدم والده في أحد الأيام على ضرب أمه، فالتفّ الأولاد حولها في إحدى زوايا المنزل، وهنا قال رافي لأمه: لماذا يا أمي لا نذهب إلى بيت أحد أقربائنا وهناك نقضي اليوم عندهم؟ وهنا ردّت أمه: لا. لأننا إن ذهبنا إليهم سيسألوننا عن السبب، وأنا لا أريد أن يكون لأبيكم اسم رديء في المجتمع. نعم، لقد كانت تحاول أن تحميه أكثر مما كانت تحاول أن تحمي نفسها.
ونحن كمؤمنين، علينا أن نخدم الرب يسوع المسيح بأمانة ووفاء مهما كانت الظروف ومهما كانت الأحوال. وهنا نتذكّر قول أيوب: ”أَنْ يَرْضَى اللهُ بِأَنْ يَسْحَقَنِي، وَيُطْلِقَ يَدَهُ فَيَقْطَعَنِي. فَلاَ تَزَالُ تَعْزِيَتِي وَابْتِهَاجِي فِي عَذَابٍ، لاَ يُشْفِقُ: أَنِّي لَمْ أَجْحَدْ كَلاَمَ الْقُدُّوسِ“ (أيوب 9:6-10)، نبقى متمسكين بأمانتنا ووفائنا مهما كانت الظروف .
نعم زوجة الملك يجب أن تليق بالملك.
ثانياً: هي زوجة مُدَبِّرَة = (0)
"وَتَقُومُ إِذِ اللَّيْلُ بَعْدُ..." (أمثال 12:31-19).
تجد أعمق فرحها في خدمة المحبة. تخجل من التواكل. تخدم وهي مدركة مركزها ومكانتها، وما لم تتقرر هذه الحقيقة في قلبها، فالخوف والقلق يكونان دافع الخدمة. تضاعف مقتنيات زوجها باقتصادها ونظرتها البعيدة، وفي تعبها فائدة، وسراجها لا ينطفئ ليلاً، إذ هي تدرك أهمية السهر والنشاط.
هذه الزوجة تعمل بعكس العبد غير الأمين الذي أخذ مَنَا سيده وبدلاً من أن يتاجر به ويضعه على مائدة الصيارفة ذهب ووضعه في منديل وأخفاه ولم يستعمله. فعندما جاء سيده وبّخه على عمله، ولكنها مثل يعبيص، توسّع تخومها وتغرس كروماً. خدمة المحبة تنتج فرحاً، لأن نتاج الكرمة يرمز في الكتاب المقدس إلى الفرح.
هكذا الأمر مع المؤمن، فالخدمة إنما تصدر عن إدراك علاقة مقررة، وليس كالأجير يحاول أن يرضي إلهاً لم يتصالح معه. أما وقد صولحنا معه، فإننا نعبده بجدة الروح لا بعتق الحرف، وهكذا ينعدم الخوف ونخدم بأيدٍ راضية نتيجة لقوة محبة المسيح التي تحصرنا.
نعم زوجة الملك يجب أن تليق بالملك.
ثالثاً: هي زوجة مُحْسِنَة = (0)
"تَبْسُطُ كَفَّيْهَا لِلْفَقِيرِ، وَتَمُدُّ يَدَيْهَا إِلَى الْمِسْكِينِ" (أمثال 20:31).
تقدّر أهمية السهر والنشاط، وهكذا بالجدّ والاقتصاد تستطيع أن تخدم.. يحدوها العطف على الذليل والفقير.. تدرك كيف تصنع التوازن في الخدمة بين الداخل والخارج. لاحظ أن إحسانها ليس من النوع الذي يهمل البيت، لكنها تسهر على راحة أسرتها، وبمهارتها تصنع حللاً قرمزية من الصوف الذي يؤمّن الدفء، تسترهم في زمن البرد والثلج.
كتبت ابنة مؤسس منظمة الرؤية العالمية كتاباً بعنوان "رجل ذو رؤية... امرأة ذات دموع". وقالت فيه أن أباها كسر قلب العائلة، تُرى لماذا؟ ماذا كان يفعل؟ لقد كان يبني المياتم في كل مكان في العالم، لكنه ترك زوجته وأولاده يتامى منه، كان ينشر إنجيل المحبة في كل مكان، لكنه ترك زوجته وأولاده في حالة مرّة جداً.
والله يطلب منا أن نكون ناجحين في بيوتنا وعائلاتنا قبل أن نكون ناجحين في أعمالنا ووظائفنا. فإذا كنتُ واعظاً مشهوراً ولكنني لست أباً ناجحاً فالأفضل أن لا أعظ مطلقاً. تقول كلمة الله: "إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْتَنِي بِخَاصَّتِهِ، وَلاَ سِيَّمَا أَهْلُ بَيْتِهِ، فَقَدْ أَنْكَرَ الإِيمَانَ، وَهُوَ شَرٌّ مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ"
(1تيموثاوس 8:5)، ونحن علينا أن نعرف كيف نخلق التوازن في خدمتنا.
نعم زوجة الملك يجب أن تليق بالملك.
رابعاً : هي زوجة مُؤمِنَة = (1)
"أَمَّا الْمَرْأَةُ الْمُتَّقِيَةُ الرَّبَّ فَهِيَ تُمْدَحُ" (أمثال 30:31).
هذا هو ما يميّزها، بل لنقل هذا هو سرّها، فإيمانها يحدد أقوالها وأفعالها ولباسها وحياتها. قد تفتخر غيرها بالجمال أو بالمظاهر، على أنه إذا لم يتوافر إيمان قلبي يساند هذه المحاسن، فسيأتي مسرعاً اليوم الذي فيه يتحول المديح والثناء إلى هوان وازدراء. بينما التي تتقي الرب وتخشاه، يمدحها كل من يقدّر الفضيلة والروح النبيلة. كما أن أعمال إحسانها أيضاً ستفوز بتقدير عام وثناء وحمد.
وهذا هو الواحد (1) الذي تحدّث عنه جان جاك روسو كما ذكرنا في المقدمة والذي بدونه تصبح جميع الأصفار السابقة بلا قيمة، ولكن معه تأخذ القيمة الحقيقية لها. نعم، كم من أشخاص عندما أرادوا الارتباط الزوجي سعوا وراء الجمال والمظاهر الخارجية وتركوا المقياس الذي يعطي القيمة الحقيقية وهو الإيمان .
ونحن في علاقتنا مع الله، قد نكون من الذين يمارسون أعمال الخير والإحسان... نزور المرضى، ونحسن إلى المحتاجين، أو من الذين يدبرون بيوتهم حسناً، ويربون أولادهم حسناً، أو من الذين يمارسون الشعائر الدينية الظاهرية. وقد نكون من الذين يحضرون الاجتماعـات، بل وأعضاء في الكنيسة كما حدث مع سيمون الساحر (أعمال 8)، ولكن هذه السجلات كلها لا تفيدنا إن لم نكن مسجلّين في سفر الحياة.
هذه هي صفات الزوجة التي تليق بالملك. ونحن كمؤمنين يجب أن نبحث عن تلك الزوجة التي هذه صفاتها والتي تليق بنا كملوك، ونحن كمؤمنات يجب أن نتحلّى بهذه الصفات. وككنيسة التي هي عروس المسيح الذي هو ملك الملوك، دعونا نتحلّى بهذه الصفات حتى نليق بهذا العريس الملك.