أيار (مايو) 2009
في الحلقات السابقة كلّمتك يا أخي العابر من الظلمة إلى نور المسيح العجيب، عن مقامك إذ صرت ابناً لله، وعن ضرورة إيمانك بصدق وحي الكتاب المقدس لأنه سيكون دستور تصرفاتك وسلوكك، وعن حياتك الزوجية والعائلية كإنسان يعيش المسيح فيه.
في هذه الحلقة، حديثي إليك عن المعمودية بالماء... إذا كنت قد اعتمدت بالماء فيجب أن تفهم معنى ما أتممت، وإذا كنت لم تعتمد بعد فعليك أن تفهم أهمية المعمودية بالماء.
1- المعمودية بالماء مسئولية الكنيسة ومسئولية من آمن
أمر الرب يسوع رسله قائلاً: ”فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ“ (متى 19:28).
فمسؤولية الكنيسة الكتابية أن تعمّد بالماء كل من آمن إيماناً قلبياً بأن يسوع المسيح هو ابن الله.
أما مسئولية من آمن فقد أعلنها المسيح في كلماته: ”اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا. مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ“ (مرقس 15:16-16). فالإيمان القلبي يسبق المعمودية، والفرد الذي آمن بأن يسوع المسيح هو ابن الله، عليه أن يعتمد بالماء، إعلاناً عن إيمانه وطاعته لكلمة الله.
ويبدو هذا واضحاً مما حدث لوزير مالية الحبشة، فقد أرسل الله إليه فيلبس المبشر الذي بشره بيسوع، وشرح له ضرورة المعمودية، ”وَفِيمَا هُمَا سَائِرَانِ فِي الطَّرِيقِ أَقْبَلاَ عَلَى مَاءٍ، فَقَالَ الْخَصِيُّ: هُوَذَا مَاءٌ. مَاذَا يَمْنَعُ أَنْ أَعْتَمِدَ؟ فَقَالَ فِيلُبُّسُ: إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ يَجُوزُ. فَأَجَابَ وَقَالَ: أَنَا أُومِنُ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ ابْنُ اللهِ. فَأَمَرَ أَنْ تَقِفَ الْمَرْكَبَةُ، فَنَزَلاَ كِلاَهُمَا إِلَى الْمَاءِ، فِيلُبُّسُ وَالْخَصِيُّ، فَعَمَّدَهُ“ (أعمال 36:8-38).
هنا نرى أن الإيمان من كل القلب شرط ضروري للمعمودية، وعلى هذا فلا يجوز للكنيسة أن تعمّد طفلاً أو شخصاً لم يصل إلى سن المسئولية، لأن مثل هذا الفرد لا يستطيع أن يؤمن من كل قلبه... ومن اعتمد قبل إيمانه من كل قلبه عليه أن يعتمد ثانية متمّماً وصية الرب.
ونرى كذلك أن المعمودية بالماء يجب أن تتم بالتغطيس الكامل في الماء، وهذا واضح من الكلمات: ”فَنَزَلاَ كِلاَهُمَا إِلَى الْمَاءِ، فِيلُبُّسُ وَالْخَصِيُّ، فَعَمَّدَهُ“. فالمعمودية برش الماء أو سكبه على من يعتمد لا تتفق مع كلمة الله الواضحة.
2- المعمودية بالماء تعني الموت والدفن والقيامة مع المسيح
فهي اعتراف ممن يعتمد بإيمانه بأن المسيح مات، ودُفن، وقام. وهذا واضح من كلمات بولس الرسول:
”أَمْ تَجْهَلُونَ أَنَّنَا كُلَّ مَنِ اعْتَمَدَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ اعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ، فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ، حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ، بِمَجْدِ الآبِ، هكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ؟“
(رومية 3:6-4).
فحين يعتمد المؤمن فإنه يعلن إيمانه بأن يسوع المسيح مات مصلوباً، وبنزوله إلى الماء وتغطيسه فيه يعلن أنه دُفن مع المسيح، وبخروجه من الماء يعلن انه قام مع المسيح ليسلك في الحياة الجديدة التي منحها له.
3- المعمودية بالماء ليست هي وسيلة الولادة الثانية
الولادة من الله أو الولادة الثانية لا تحدث بالمعمودية بالماء، بل بقبول الرب يسوع المسيح مخلصاً وسيداً ورباً. يقول يوحنا الرسول:
”إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ. وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ اللهِ“
(يوحنا 11:1-13).
وحين قال المسيح لنيقوديموس: ”إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ“ (يوحنا 5:3)، لم يكن يعني المعمودية بالماء، بل كان يعني إن كان أحد لا يولد من الماء الذي يرمز إلى كلمة الله، والروح أي الروح القدس لا يقدر أن يدخل ملكوت الله.
ويظهر هذا بوضوح تام من كلمات بطرس الرسول: ”مَوْلُودِينَ ثَانِيَةً، لاَ مِنْ زَرْعٍ يَفْنَى، بَلْ مِمَّا لاَ يَفْنَى، بِكَلِمَةِ اللهِ الْحَيَّةِ الْبَاقِيَةِ إِلَى الأَبَدِ“ (1بطرس 23:1).
كما يظهر من كلمات إشعياء النبي: ”لأَنَّهُ كَمَا يَنْزِلُ الْمَطَرُ وَالثَّلْجُ مِنَ السَّمَاءِ وَلاَ يَرْجِعَانِ إِلَى هُنَاكَ، بَلْ يُرْوِيَانِ الأَرْضَ وَيَجْعَلاَنِهَا تَلِدُ وَتُنْبِتُ وَتُعْطِي زَرْعًا لِلزَّارِعِ وَخُبْزًا لِلآكِلِ، هكَذَا تَكُونُ كَلِمَتِي الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ فَمِي. لاَ تَرْجعُ إِلَيَّ فَارِغَةً، بَلْ تَعْمَلُ مَا سُرِرْتُ بِهِ وَتَنْجَحُ فِي مَا أَرْسَلْتُهَا لَهُ“ (إشعياء 10:55-11).
فالماء هو رمز لكلمة الله... وكما أن الثلج والمطر يرويان الأرض ويجعلانها تلد، هكذا كلمة الله تعمل بروح الله في قلب الإنسان فيولد ثانية.
عليك أن تفهم ما ذكرت أيها العابر، وأيتها العابرة، وإذا كنت لم تعتمد بالماء بعد، فأسرع بطلب المعمودية لتعلن طاعتك لمن مات على الصليب لأجلك.