أيار (مايو) 2009
ليس غريباً أن يبذل الناس أقصى جهدهم لتحصيل الغنى، ذلك لأنه مصدر ترفهم ومتع الحياة. ولكن،
أليس غريباً أن تجد الكثيرين من الأغنياء عاجزين عن التمتّع بغناهم؟!
فمثلاً، قد تجد ثرياً جمع ثروة طائلة، لكنه لا يتمتّع بها، وربما لا ينظر إليها أصلاً، لأن نظره لا يتّجه ولا يستقرّ إلا على ثروة جاره الذي يمتلك قدراً أكبر منه، فيمتلئ سخطاً وحسداً ومرارة!
وقد يصادفك إنسان كنز الملايين... لكنه لا يجد وقتاً للاستمتاع بها، بل هو منهمك في جمع المزيد، ويكرس كل جهده لجمع المزيد... تجده دائماً تعباً... منهمكاً من الأمراض التي تصيب الكثيرين من رجال الأعمال. وهكذا يقضي عمره عليلاً متألماً ينفق ثروته على العلاج بدلاً من الاستمتاع بها واستخدامها لمساعدة الآخرين.
وغني آخر لا يستمتع بشيء من ثروته لأنه دائم القلق عليها، يخشى أن يفقد منها شيئاً، فيقضي عمره حارساً لها، حتى تصبح هذه المهمة هي الارتباط الوحيد الذي يربطه بثروته.
والذين جمعوا ثروتهم بالظلم والبطش والغشّ، فما أن تستيقظ ضمائرهم حتى تتحوّل ثرواتهم إلى نار تكوي ضمائرهم. فكل مبلغ فيها يحكي قصة مشينة، تذكّرهم بمشهد رهيب يقضّ مضاجعهم ويملؤها بؤساً وتعاسة.
وليس عسيراً أن نكتشف عينات أخرى لأغنياء يعجزون عن التمتّع بغناهم لسبب أو لآخر.
لذلك، فليت الذين يخطف بريق الذهب أبصارهم، ويندفعون للحصول عليه - ليتهم يدركون أن المتعة لا تأتي نتيجة طبيعية حتمية مضمونة للغنى. يجدر بهؤلاء - في المقام الأول - أن يبحثوا ويكتشفوا كيف يمكن أن يقترن التمتّع بالغنى.
لن تعرف المتعة سبيلاً إلى نفسك إذا كنت تعيش في جو من القلق والمخاوف. أما إذا امتلأت بالاطمئنان وسلام القلب، فستجد متعة في كسرة خبز، لأن ”لُقْمَةٌ يَابِسَةٌ وَمَعَهَا سَلاَمَةٌ، خَيْرٌ مِنْ بَيْتٍ مَلآنٍ ذَبَائِحَ مَعَ خِصَامٍ“ (أمثال 1:17).
إذا آمنت أن كل ما عندك هو عطية من الله المتكفّل بك في جميع ظروف حياتك، فإنك تكون مطمئناً حتى لو فقدت كل ما تملك، لأنك تعلم أن وليّك حي، لن يتخلّى عنك، كما أن لك كنزاً في السماء، ”لَكُمْ مَالاً أَفْضَلَ فِي السَّمَاوَاتِ وَبَاقِيًا“.
وإذا كان التمتّع لا يتوافر إلا في ظل السلام، فلن تجد متعة بعيداً عن المسيح، ”لأنه هو سلامنا“.
قبل الغنى المادي، يلزمك أولاً أن تكون غنياً بالأعمال الصالحة، لتتخلّص من مرارة الحسد، وتعرف متعة العطاء الذي يرسم بسمة السعادة على شفاه المعوزين البائسين.
وإذا كان لازماً، أن تكون غنياً في الأعمال الصالحة قبل أن تختبر التمتّع بأي غنى مادي أو بركة زمنية أو موهبة طبيعية، كبيرة كانت أم صغيرة، فإنه يلزمك أن تأتي أولاً للمسيح، ”لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا“ (أفسس 10:2).
نعم، تعال فقط إلى ”اللهِ الْحَيِّ الَّذِي يَمْنَحُنَا كُلَّ شَيْءٍ بِغِنًى لِلتَّمَتُّعِ“ (1تيموثاوس 17:6).