إذ ننظر للوراء ونحن ندنو من نهاية الفصل الثالث من السنة لا يسعنا
إلا أن نقول مع المرنم: ”باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته“. ولئن كان الشكر هو أهم فضيلة ينبغي التحلي بها، إلا أن الوضع الذي يولّد فينا روح الشكر المستمرة، هو وضع القناعة، ذلك لأن الإنسان القنوع يشكر الرب دائماً، وخاصة في هذه الأيام الصعبة مادياً.

إن القناعة درس ينبغي أن نتعلّمه. كان الرسول بولس شخصاً متعلماً جداً،  لكن أفضل درس نتعلمه من حياته، هو درس القناعة، الذي تعلّمه في مدرسة الروح القدس، وأهمية هذا الدرس هي أنه درس عملي. إن أفضل المتعلّمين في علوم العالم، يُعتبرون أنهم ما زالوا في السنة الأولى، إذا ما وُضعوا إلى جوار بولس الذي بلغ السنة النهائية وتعلم هذا الدرس. فالقناعة هي أعلى درجة يمكن للإنسان أن يصل إليها، لأن القنوع هو إنسان عرف حقيقة نفسه، واكتفى بالقناعة أسلوباً لحالته.
بل إن القناعة ثمرة نقطفها. فالأرض الطبيعية التي لعنها الله بسبب خطية الإنسان، تنبت الشوك والحسك. فالمرء منا ليس بحاجة لأن يغرس الأشواك، لأنها تنبت طبعاً من التربة، فالأعشاب الضارة من نباتات الطمع والتذمّر، تنمو في كل مكان، فلسنا بحاجة لأن نعلّم البشر لغة الأنين والأشواك، لأنهم يتذمرون بالطبيعة دون حاجة إلى تعليم. أما الأشياء الثمينة التي تنبتها الأرض، فلا بد أن تُزرع. فإن أردنا قمحاً، علينا أن نحرث الأرض، وأن نبذر البذار. وإن أردنا زهوراً، لا بد من إعداد البستان، ولا بد من عناية البستاني. هكذا القناعة، هي إحدى زهور السماء، فإذا أردنا الحصول عليها، فلا بد من زرعها. فهي لن تنمو فينا بالطبيعة، لكن الطبيعة الجديدة وحدها، هي التي تنتجها. ومع الطبيعة الجديدة، لا بد من عناية النعمة التي تغرسها، واهتمام البستاني المبارك شخص ربنا يسوع المسيح.
قال بولس الرسول: ”تعلمت أن أكون مكتفياً“، أي أنه كان سابقاً يجهل هذا، وكان بحاجة للتعليم. ومثل هذا التعليم ليس بالأمر السهل، فربما فشل بولس في الماضي مرات، لكنه تعلم أخيراً. وحين وصل لدرجة التعلم هذه، كان قد ابيضّ شعره، وتقدّم في الأيام، واقترب من حدود الأبدية. فهل تعلّمنا هذا الدرس المهم في القناعة؟

• التالي