أيلول (سبتمبر) 2009
قرأنا الكثير عن المسيح المخلص، الفادي، الشافي، المعزّي والمعلّم الأعظم، لكننا قلنا القليل عن المسيح النجار. فمن المهم أيضاً أن نعرف أن مخلصنا كان عاملاً يدوياً في سني حياته الأولى، وأنه كان يمارس مهنة النجارة، وأنه تعلم هذه المهنة من القديس يوسف النجار وذلك بالتدريب والتلقين.
في متى 54:13-56 نستطيع أن نتخيله وهو يترك بيته في الصباح الباكر مودعاً أمه العزيزة على قلبه فيما هي تعانقه وتحدق النظر فيه حتى يغيب عن بصرها في الممرّ الضيق المؤدي إلى الطريق الرئيسية في البلدة. نستطيع أن نراه سائراً بسرعة على الطريق محيِّياً كل شخص يلتقي به. ونستطيع أن نرى سكان القرية يردّون عليه التحية بمثلها مبدين إعجابهم الشديد بلطفه وكياسته. وفي لوقا 52:2 نستطيع أن نتصوّر أيضاً دخوله إلى دكان النجارة الصغير محيّياً يوسف بكل احترام ومؤدياً عمله اليومي بكل أمانة وجدارة. ما من شك في أن أباه كان يكلفه أحياناً تسليم بعض الأدوات التي أتمّ صنعها لأصحابها وقبض أثمانها تماماً كما يُطلب من أي عامل اليوم. وبوجه عام كان يسوع ينجز مهماته بدقة وأمانة. فالطاولة التي كان يصنعها كانت كاملة، والنير الذي يعمله للثيران كان أيضاً مُتقَناً. ونحن نعرف ذلك من الطريقة التي وعظ بها وعلّم في كل مدينة وقرية زارها أثناء خدمته.
لقد عمل مخلصنا نجاراً في سني حياته الأولى وطبيباً في أواخر أيامه. وفي كلا الحالتين كان عمله عمل بنّاء، (أفسس 19:2-22). كنجار بنى ضروريات الحياة التي كانت نافعة لبيوتنا، وكطبيب شفى عللنا وأسقامنا كيما ينمّي أجسامنا جسدياً، وخلقياً وروحياً. بنى فينا الإيمان لدخول الأرض الجديدة معه والرغبة لأن نخلص به. بنى فينا محبة الله الآب ومنحنا نعمته وشركة القديسين المقدسة (أعمال 1:2-4؛ 2يوحنا3:1).
كنجار بنى المخلص بيوتاً نستطيع فيها أن نرتاح ونتأمل في ذلك المنزل السماوي الذي سيعده لنا (يوحنا 1:14-3). لقد صنع أبواباً ليذكرنا أنه هو الباب الذي ينبغي أن يدخل منه أولئك الذين يطلبون الحياة الأبدية (يوحنا 9:10). صنع نوافذ كيما نرى وجه السماء في وضح النهار والأجرام السماوية في الليل، ونتنشق الهواء النقي الذي يحتوي الحياة في ملئها، وبهذا يذكّرنا أنه هو خالق الكل (أعمال 22:2). صنع مقاعد لنريح أقدامنا المتعبة كيما نتذكر دوماً تلك الراحة الروحية التي يستطيع هو وحده أن يوفرها لنا (متى 28:11-30). صنع طاولات نستطيع فيها تناول وجباتنا، ونتذكر برهبة ذلك المساء الذي تناول فيه العشاء الأخير مع تلاميذه المحبوبين عندما قال لهم: "اصنعوا هذا لذكري" (لوقا 17:22-20).
كان المسيح بنّاء. فهو الذي بنى العالم كله. النجوم، والأقمار، والشمس، والأرض، والبحار، وكل شيء فيه هو من نصيبه هو. إنه المهندس الأعظم والباني الأكبر الذي شكّل أجسادنا ورتّبها كما هي، كيما نستطيع أن نشعر ونفكر ونتصرف. لقد بنى في كل منا قلباً استهدف منه أن يعيش فيه حتى لا يفارقنا روحه القدوس إذا ما قبلناه. من المدهش حقاً أن نعلم أن مخلصنا كان نجاراً ومن المشجع أكثر أن نعرف أن كل عامل سواء كان يدوياً أم فنياً هو أيضاً بنّاء مثل المخلص. نتعلم من هذا أن العمل مشرّف. لكن هناك فرقاً كبيراً بين الذين يعملون بنية سيّئة وشر وبين الذين يعملون باستقامة وعدل. بعضهم يبني على الصخرة التي تُجسِّد تعاليم المسيح بينما يبني آخرون على رمال واهية هي تعاليم الأشرار. فيجب ألا نتوانى عن أن نبني بصدق وأمانة إذا كنا نريد أن تكون آخرتنا مجيدة (متى24:7-27). فلنتعلّم درساً من بنّائنا الأعظم يسوع المسيح ولنبنِ لمجد الله. فلنستعمل مواهبنا لتنمية صفاتنا إلى أعلى درجة ممكنة من الصلاح (1كورنثوس 10:3-13). فلنبنِ إيماننا على صخر الدهور. ولنبنِ محبتنا واحترامنا لبعضنا البعض على الأساس الذي علّمنا إياه المخلّص (عبرانيين 22:1-25). فلنقم علاقة أطيب وأسلم بين إخوتنا، أقربائنا، أولادنا، أزواجنا، زوجاتنا، جيراننا، أصدقائنا، قُرانا، أوطاننا وأخيراً وليس آخراً بين العمال وأصحاب العمل (أفسس 1:6-9؛ كولوسي 18:3-20؛ 1:4). وإذ نفعل هذا دعونا ألا ننسى أن هذا العالم الذي نعيش فيه هو الحقل العظيم الذي ينبغي لنا أن نعمل فيه، وأنه على الرغم من اختلاف مقاييس العمل بحسب تعدد قدراتنا والمواهب التي يمتلكها كل منا إلا أننا إذا عملنا بصدق وأمانة واتحاد فسيكون أجرنا عظيماً والثواب السماوي نفسه لكل من يسعى إليه (متى 1:20).