المجلة
أتيحت لي الفرصة لزيارة الأراضي المقدسة لأربع مرات، وواجهني أصدقائي بالسؤال: هل شاهدت نور المسيح في كنيسة القيامة؟ وكان هذا السؤال فاتحة سهلة لمناقشة إيجابية. فالسؤال بحث والإجابة برهان، حب الاستطلاع فطرة والجواب اللين يصرف الغضب، البحث في عين الله إشراك والتأمل في ذات الله إشباع، الاختبار شهادة والخبرة منفعة، الصلب موت والقيامة حياة، الدين للديان ورأس الحكمة مخافة الرب. وكان ردي مبدئيًا أن القيامة تاريخيًا وكتابيًا قضية لا جدال فيها، ومن هنا نبدأ حديثًا عن أنوار القيامة:
أولاً: أنار الحياة الخالدة
إن المسيح "أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل" (2تيموثاوس 10:1). أي أصبح ذلك معلنًا ومفهومًا بسبب الإنجيل. فما هو الإنجيل؟ الإنجيل هو حياة المسيح، وخلاصة الفكر الإلهي، وإعلان الله الذاتي، وبشارة الخلاص، وتاريخ العالم الروحي، وخلاصة الاختبار المسيحي، ورؤى الأزمان الآتية، ودستور الأخلاق، وقوانين ملكوت السماوات، وتدبيرات الأمور الأخيرة، ووصف الحالة الأبدية.
أليس عجيبًا أن فلك نوح قديمًا يرسي على جبل أراراط في اليوم السابع من الشهر السابع وهو اليوم الثالث بعد تقديم خروف الفصح؟ وتقديم إبراهيم لإسحاق يقدِّم رمزًا للمسيح الممات والمقام بعد إكمال عمل الفداء. أما عن عصفورَي التطهير، فيُذبح الواحد ويُطلق الآخر حرًا، وترديد حزمة الباكورة الممثّلة في الحنطة يكون في غد السبت أي الأحد. وما رأيك في عصا هارون التي أفرخت؛ العصا اليابسة دبّت فيها الحياة؟ هذا يؤكد أن خروج يونان من بطن الحوت أي الحياة بعد الموت لم يكن جزافًا. "والصخرة التي تابعتهم"؛ "تابعت" بعد حماية السحابة، واجتياز البحر، وأكل المن، وشرب الماء، "كانت المسيح"، فإن كان موسى رمزًا للختان، فالصخرة رمزًا للمسيح الذي طُعن فخرج من جنبه الدم للتطهير من الخطايا، والماء الحي للملء بروح الله المحيي. وعلى سبيل المثال، فالمعمودية تعني أن إنسانًا مات لنوع من الحياة ليحيا لنوع جديد، ونزل للماء إنسانًا جسديًا ليقوم إنسانًا روحيًا. وفي العشاء الرباني "تخبرون بموت الرب إلى أن يجيء". إن إنكار القيامة ينتج بطلان قيامة المسيح، وتكذيب الإيمان المسيحي، وإنكار الخلود، وطمس البشارة المفرحة، وقتل الرجاء الأبدي، وتقويض الرادع الأخلاقي، وتعاسة البشرية المعذبة، وأضحى المؤمنون "أشقى جميع الناس… لأنكم أنتم بعد في خطاياكم". فهل حياتك إعلان حي عن رب مقام منتصر؟
كانت ملكة الإنجليز أليزابث مغرمة بالتصوير، وساءها أن ترى صورًا لها غير متقنة، فأصدرت قرارًا يحظر على المصوِّرين الإقدام على أخذ صور لها غير متقنة.
ثانيًا: أنار ظلمة القبر
هل تعلم أن العلماء يستخرجون من الفحم مادة لزجة سمّوها القار أو القطران، والتي استخلصوا منها مادة لتسيير الآلات، وزيتًا للتزييت والإضاءة، وأنتجوا منها العقاقير الطبية، والعقاقير المخدِّرة والمطهرة، وأحماض التصوير، والأصباغ اللامعة، والعطور العبقة، وذلك عن طريق الضغط والتبخير وبأسلوب ديني بواسطة الألم والإماتة؟ إن الله بيده مقادير البشر "ويخرج من الآكل أكلاً ومن الجافي حلاوة". ولا أقصد هنا مطلقًا عقيدة المطهر أو الاستنساخ بل "متى لبس هذا المائت عدم موتٍ، فحينئذ تصير الكلمة المكتوبة: ’قد ابتُلع الموت إلى غلبة‘"
(1كورنثوس 54:15)، وليس كما تدّعي الكارما الهندوسية من أن على النفس أن تتحمّل الألم لأن الروح سكنت من قبل في جسد شرير، وبالتناسخ تتحوّل الروح إلى جسد آخر يحمل عقاب الجسد السابق. فالموت ليس شرًا لأن المسيح قال: "أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات فسيحيا، وكلّ من كان حيًا وآمن بي فلن يموت إلى الأبد". ويقول آخر: "إن يؤلَّم المسيح يكن هو أول قيامة الأموات، مزمعًا أن ينادي بنور للشعب وللأمم" (أعمال 23:26). وانكسر قلبي أمام آلامه المرة، وأنّاته الدامية، ودمعت عيون الحب عند قدميه، ولسان حالي:
يا ثاقبَ اليدِ يدُ شفائي،
يا طاعنَ الجنبِ دمُه روائي،
ثوبه غطّى ظهرَ دامي،
تاجه شوكٌ أضحى سلامي، قصبةَ الهزء وبصقَ الجاني لطّخ العارُ وجهه السامي،
أنكر ذاتي وكل عنادي فحب ربي كمّلَ فدائي،
ساعة الموت مات لأجلي،
لحظة النصر قام رجائي،
شدَتْ نفسي، هتف كياني، هزّني الفرح، مسيحي أتاني.
يا سوسن الوادي في قلب بستاني،
يا نسمة الفجر أحلى أنغامي،
يا مبرئ الطير وكل جمالِ،
ربي إلهي إليك مآلي.
وتتبعت التلاميذ الى القبر الفارغ، وتعجبت من تأثير فكرة الموت مما جعل التلاميذ بين مصدق ومتحير، خائف ومتسائل، فصحوت وصحت "أين شوكتك يا موت؟" (متى 1:28-7)، ولكن "آخر عدو يبطل هو الموت"
(1كورنثوس 26:15). أخذ أحدهم يبرهن لسامعيه أن الناس لا روح لهم وليس من معترض، فالتفتت إليه سيدة وأجابت: يظهر أنك تستخدم فلسفتك لتبرهن لنا أنك حيوان.
إن الكتاب المقدس يعبر عن الموت بخروج الروح من الجسد لا بملاشاتها كما في مزمور 40:146. وفي حالة الإقامة من الموت لا تُكوّن الروح من جديد بل كما في لوقا 8: 5 "رجعت روحها وقامت". فالروح لا تموت ولذلك يقول أيوب "بدون جسدي أرى الله" (أيوب 26:19).
ثالثا: أنار بصيرة التلاميذ
قال بليني الفيلسوف الفرنسي عن المسيح: إنه عاش كإله ومات كإله. ويمكننا أن نضيف الى هذه العبارة "أنه قام كإله ويحيا فينا كإله وسيأتي ثانية كإله". وقال عنه استيوارت كندي الشاعر والكاتب الإنجليزي: "إنه نفس المسيح ولكني أنا شخصيًا أخاف منه كما أن رجال جيلنا العصريين وهم أشد بطشًا من الوحوش الكاسرة يخافون منه من قرارة قلوبهم لأن المسيح مزعج وقاهر. إنه يستأصل منا الاعتماد على الذات ويقتل حدة الكبرياء. إنه يجعل الناس يجثون على أقدامهم أمامه ولا يعمل إنسان عاقل هذا للإنسان بل لله. إنه المسيح الذي "بعد القيامة وبّخ عدم إيمانهم"- مرقس 14:16-18 ثم "فتح أذهانهم ليفهموا الكتب" (لوقا 45:24-49). وفي يوحنا 21:20-23 قال لهم يسوع أيضًا: "سلام لكم" وأرسلهم للخدمة ثم نفخ وقال لهم: "اقبلوا الروح القدس. من غفرتم خطاياه تُغفر له...". هل ذهب المسيح إلى القبور بين الموت والقيامة؟ تعثّر بعض الشرّاح في تفسير 1بطرس 18:3-21، فلنشرحها ببساطة: لأن المسيح أيضًا مرة واحدة، (وليس الحاجة إلى مرة أخرى)، مات من جهة الخطايا (بالنسبة للخطايا)، البار لأجل الأثمة (وهنا فكر التبادل)، لكي، أي القصد من الموت، لكي يأتي بنا إلى الله وجهًا لوجه، فالرب بواسطة نوح كرز للأرواح التي في سجن الخطية - أي الذين عاشوا في الشر في أيام نوح، واختاروا أن يكونوا من أبناء الجحيم، كما أولئك الذين كانوا في أيام بطرس في الجحيم أيضًا. وهنا نوح كرز - وليس المسيح - أي المسيح كرز بنوح. والله استخدم نوح لتوصيل الرسالة. فالمسيح، بعد أن أُميت جسديًا وأُحييَ روحيًا، بشّر بينهم ببطرس وأراد أن يشجعهم - لأنه مات وتألم لأجلنا وكانت نتائج آلامه أحسن من كرازة نوح. فبينما ربح نوح في كرازته ثمانية أشخاص، مات المسيح لأجل العالم كله… الذي مثاله يخلصنا الآن: أي بنفس الطريقة. وهنا مرة أخرى تشير للأشخاص الذين كان يبشر بينهم بطرس ويريد أن يشجعهم لممارسة المعمودية. كما قال القديس أغسطينوس: "المسيح بشر في شخص نوح (2كورنثوس 20:5) وذلك لما كانوا في أيامه، أما الآن فقد سكنوا دار الموتى، ولا عذر لهم إذ سبق نوح فكرز لهم". نعم! إقبل المسيح فهو للمعرفة النور، وللمثالية فهو القدوس، وللمواساة هو المعزي، وللوعظ هو الأخبار السارة، وللإرشاد هو الطريق إلى السماء.