نيسان April 2005
صديقي، كيف تنظر للعالم الحاضر؟ وكيف تنظر للأبدية؟ وهل مجرّد رفضك التفكير في حياتك بعد الموت، معناه عدم وجود حياة بعد الموت؟ لقد بذل أحدهم مجهوداً كبيراً ليقنع شخصاً أعمى أن الشمس مشرقة ولكن بدون جدوى! فقد أنكر الأعمى بشدّة أنه لا وجود للشمس. ولكن، هل عدم تصديق الأعمى يجعل الشمس لا تشرق؟ مستحيل! المشكلة ليست في الشمس بل في نظر الأعمى. وهكذا أنت يا من لا تريد أن تفكر في الأبدية وما وراء الموت، هذا لا يعني أنه لا توجد أبدية بل يعني أنك أعمى؛ وسواء أردت أن تصدقها أم لا... أن تفكِّر فيها أم لا.. أن تستعد لها أم لا.. فهي آتية لا محالة، وإنكارك لها أو قبولها لن يغيِّر من الحقيقة شيئاً. ألم تفكِّر أن تسأل نفسك يوماً، ما وراء هذا الكون العجيب؟ وما هي القوة الخالقة والحافظة لهذا الإبداع اللانهائي؟ لقد اكتشف العلماء مؤخراً مجرة جديدة قالوا إنها تبعد عن الأرض آلاف السنين الضوئية، ولكنهم لم ولن يصلوا إلى نهاية هذا الكون الفسيح الذي يخبر بعظمة الله.
لقد شبَّه أحدهم الكون بصحراء واسعة مترامية الأطراف، والشمس ببرتقالة في منتصف الصحراء، وعلى بعد عدة أمتار من هذه البرتقالة توجد حبة أرز التي هي الأرض. ألم تفكِّر أن تسأل نفسك عن معنى الحياة! ينبغي أن تفكر، فالإنسان يعيش ما يفكِّر فيه، والإنسان خلاصة أفكاره. فما تتغذّى به فكرياً سيؤثر عليك عملياً. ألم تسأل نفسك يوماً في ماذا أفكر كل يوم؟ وكيف أفكر؟ لماذا أعيش؟ ولماذا أنا هنا على الأرض؟ من هو الله بالنسبة لي؟ ومن أنا في نظر نفسي؟ ما معنى حياتي؟ هل وجودي هنا صدفة؟ وهل الحياة هي مجرد أيام تمر وتمضي بدون أن أشعر بها، حتى أجد نفسي فجأة وقد اجتزت عشرات السنين بسرعة كبيرة؟ ولمن أجمع وأكوّن ثروات وأكنز كنوزاً على الأرض؟ لقد قال الرب يسوع في متى 26:16 "لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه". إن البحث عن هدف الحياة قد حيّر الناس منذ آلاف السنين وإلى الآن كثيرون لا يجدون إجابة عن هذا السؤال. والسبب الوحيد هو أنهم يركّزون على أنفسهم في هذا السؤال مثل: ماذا أريد أن أكون؟ أو ما هي أهدافي وطموحاتي وأحلامي للمستقبل؟ ولكن التركيز على أنفسنا لن يكشف لنا هدف حياتنا. إنك لم تخلق نفسك، وبالتالي لا سبيل أن تخبر نفسك عن سبب خلقتك. لا بد أن تبدأ بالله خالقك، إنك موجود لأن الله أراد لك الوجود. إنك به وله قد خلقت وما لم تفهم ذلك فلا معنى للحياة. فالله ليس فقط هو نقطة بداية حياتك، لكنه أيضاً مصدر هذه الحياة. قال "برتراند راسل": "بدون إله، فإن مسألة هدف الحياة تصبح بلا معنى". إن ميلادك لم يكن خطأ، ولا حظاً عاثراً، كما أن حياتك ليست رمية بلا رام، ربما لم يخطط والداك لميلادك، لكن الله قد قام بذلك عمداً، إنك حي لأن الله أراد أن يخلقك، الله هو الذي حدد جنسك وبلدك، وحدّد زمن ولادتك والمدة التي سوف تحياها. لم يترك شيئاً للصدف.. فأنت لست وليد صدفة ولكن الله هو الذي أوجدك وصنعك لسبب معين، وحياتك لها معنى عظيم. ونكتشف هذا المعنى فقط عندما يكون الله هو مركز حياتنا، فبدون الله لا هدف للحياة! وبدون هدف لا معنى للحياة! وبدون معنى لا أهمية ولا أمل في الحياة! لقد اكتشف داود هذا فصلّى قائلاً: "يا رب قد اختبرتني وعرفتني، أنت عرفت جلوسي وقيامي، فهمت فكري من بعيد، مسلكي ومربضي ذرَّيت وكل طرقي عرفت، لأنه ليس كلمة في لساني إلا وأنت يا رب عرفتها كلها.. أين أذهب من روحك ومن وجهك أين أهرب.. لأنك أنت اقتنيت كليتيّ، نسجتني في بطن أمي.. اختبرني يا الله واعرف قلبي، امتحني واعرف أفكاري وانظر إن كان فيَّ طريق باطل واهدني طريقاً أبدياً" (مزمور 139). وقد سمعت كثيراً عن أناس عظماء وأغنياء، حققوا مراكز كبيرة وشهرة في هذه الحياة، ولكنهم انتحروا، ومعظمهم تركوا ورقة كتبوا فيها أنهم انتحروا لأنهم لم يجدوا معنى لحياتهم.
سمعت عن فتاة أمريكية مُنحت في سن صغير من عمرها الدكتوراه الفخرية في الرياضيات لعقلها الفذ وتفكيرها الرياضي. ولأن هذا أقصى ما يمكن أن تصله من مرتبة في الرياضيات فقد تحوَّلت إلى الفيزياء. وفي السنة التالية من عمرها منحتها جامعة أمريكية أخرى الدكتوراه الفخرية في الفيزياء. ثم تحوَّلت للموسيقى، فمُنحت في السابعة عشر من عمرها الدكتوراه الفخرية في الموسيقى. فدخلت إلى الشهرة والمجد العالمي من أوسع أبوابهما، ووقف لها عظماء العالم احتراماً وذهولاً بقدراتها الفائقة – ووُجدت في صباح أحد الأيام منتحرة في غرفتها وبجوارها رسالة قصيرة تقول: "إني اعتذر لكم، لكني لم أجد في هذه الحياة ما يشبعني فانتحرت".
هذه قصة واقعية حدثت بالفعل في أمريكا - بل يندر أن يوجد في أمريكا من لم يسمع عن الكاتب الأمريكي الشهير (إرنست هيمنجواي 1899-1961)، الذي كان يمتلك كل مقومات النجاح في كل المجالات كالأدب والرياضة، وقد تميَّز في أسلوبه الروائي بأنه كان دائماً يجعل أبطال قصصه يداعبون الموت ويسخرون منه وينتصرون عليه. وقد صار من أغنى أغنياء أمريكا. كان يعتقد أنه يمكنه الحصول على كل ما يتمناه على الأرض. كانت المفاجأة في عام 1961 حين أخبره الطبيب بأنه مصاب بالسرطان، وعندها جاءت الفرصة ليثبت بصدق مدى شجاعته أمام الموت. وتساءلت الجماهير: ترى ماذا سيفعل هذا الجبار أمام الموت؟ هل تعرف ماذا حدث مع ذاك الذي لم يكن يعطي لله في حياته أي اعتبار؟ لقد فارقته كل شجاعة، وانهار، وبتأثير الشيطان أخذ الجبار القرار ووجَّه مسدسه إلى رأسه وأطلق النار!! يا للخزي والعار: أين القصص والبطولات؟ أين الأشعار؟ حقا إنهاً تبخرت أمام خوف الموت.
وهل تعرف الفيلسوف الفرنسي الملحد فولتير (1694 - 1778) الذي كان ينكر وجود الله بشدة؟ يحكي التاريخ أنه في لحظاته الأخيرة صرخ صرخات مدوّية سُمعت من على بعد، كان يقول: "ما أرهب الموت.. إنني مرتعب.. لا.. لا.. لا أريد أن أموت. الموت.. العذاب". وهناك أيضاً ممثلات كثيرات حققن الكثير من النجاح والشهرة ثم انتحرن.. ولكن كل هؤلاء لم يعرفوا أن الانتحار ليس حلاً للمشكلة، بل هو بداية لمشكلة حقيقية ألا وهي الأبدية.
صديقي.. هل تريد حقاً أن تكتشف معنى حياتك؟ هل تريد أن تعرف الطريق الوحيد الآمن للخلاص من كل ما سبق؟ لقد تساءل قديماً كثيرون عن هذا الطريق، قال أيوب: "فكيف يتبرر الإنسان عند الله؟" (أيوب 2:9) وتساءل أيضاً:" ليس هو إنساناً مثلي فأجاوبه فنأتي جميعاً إلى المحاكمة. ليس بيننا مصالح يضع يده على كلينا" (أيوب 32:9-33).
أريدك أن تعرف بأن الله لم يخلقك لتعيش في رعب وخوف من المرض والموت والأبدية، بل خلقك لأنه يحبك ويريد أن تكون في علاقة وشركة معه. لكنك، بسبب خطاياك، أفسدت ما أراد الله لك، إلا أنه أعدّ لك الطريق الوحيد للخلاص من خلال شخص واحد، الذي كان عجيباً في ولادته، وعجيباً في حياته، وعجيباً في موته، وعجيباً في قيامته. إنه شخص ربنا يسوع المسيح الوحيد الذي قيل عنه:
"وليس بأحد غيره الخلاص. لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص" (أعمال 12:4).