Voice of Preaching the Gospel

vopg

تشرين الثاني (نوفمبر) 2005

في كل بيتٍ حلَّ فيه، كانت ليسوع أمثولة رائعة نتعلم منها الكثير. يخبرنا البشير لوقا في الأصحاح العاشر من بشارته عدد 38-42 عن قصة ذلك البيت الذي كان لمرثا ومريم، وقد استقبلتا يسوع لإكرامه والحصول بالتالي على بركات وجوده هناك. وهذا المقطع الصغير يفتح لنا باب الحديث عن أهم الأمور التي تواجهنا في هذه الحياة، حيث ينتصب أمامنا وفي نفس ذلك البيت نموذجان من الناس في علاقتهما مع المسيح وفي أسلوب تعاملهما مع أمور هذه الحياة.

 

النموذج الأول: مرثا المرتبكة بالخدمة والعمل والمهتمة بأمور كثيرة.

النموذج الثاني: مريم التي جلست عند قدمي يسوع وكانت تسمع كلامه.

ربما نقف نحن في صف مرثا ونؤيدها نظراً لأتعابها واهتمامها بتدبير كل شيء حتى الارتباك، بينما نلوم أختها مريم التي جلست وكانت تريح نفسها عند قدمي يسوع وتستمع لكلامه. ويوجد كثيرون في العالم اليوم مرتبكين بأمور هذه الحياة واحتياجاتها كالمأكل، والمشرب، والملبس، والبيت، وتدبير أمور العمل، والمدارس، ناهيك عن ذلك السباق المحموم لاقتناء بيت أكبر، ومفروشات أفخم، وسيارة أو عدة سيارات أحدث، والنظر الدائم إلى ما عند الآخرين، والتطلع إلى المستقبل القريب والبعيد، والرغبة في الظهور أمام الآخرين بمظهر الحياة الحضارية الراقية. وليست هذه الأمور بحد ذاتها خطايا، ولكن وضعها في المقام الأول خطية. فإذا حدث شيء ما ولم تسر الأمور تماماً كما نريد أو حسبما نخطط، فإننا نبدأ بالشكوى والتذمّر ولا سيما إذا حلّت مشكلة أو حاجة أو مرض، ونقف مع مرثا، ونبدأ نعاتب الرب بمرارة قائلين: ”أما تبالي؟“ وقد حمّلت المسيح جميل خدمتها وعملها لأجله كي تقدم الطعام الجيد، والبيت النظيف، والوضع المريح.

فلو كان المسيح قائداً عالمياً أو مصلحاً اجتماعياً أو حتى نبياً من هذه الأرض، لأعجبه ما فعلت مرثا أكثر مما فعلت مريم.

يخبرنا سفر الملوك الثاني 8:4-16 عن تلك المرأة الشونمية التي استقبلت النبي أليشع في بيتها وقدّمت له المأوى والطعام، كيف حاول أن يجد وسيلة لمكافأتها على هذا الإكرام فطلب لها من الرب أن ترزق بابن حيث كانت عاقراً. ونحن لو عُرض علينا الأمر دون أن نعرف رأي الرب يسوع مسبقاً، وطُلب إلينا أن نقيِّم عمل كلّ واحدة من الأختين، لوضعنا مرثا في المرتبة الأولى، وهي نفسها كانت مقتنعة بأنها الأفضل والأكثر محبة وخدمة للرب. ولكن، إذ ندخل إلى العمق الروحي للمسألة المطروحة بناء على رأي الرب وتحليله للأمور نجد أن أسباب تذمّر مرثا وشكواها هي:

1- النفس المضطربة بسبب اهتمامات الجسد وتدبير أمور الحاضر.. كيف ندبر كل الأشياء بحيث نشعر بالراحة النفسية التي نظن أنها تأتي بالحصول على الكمال المادي.

2- الأفكار القلقة غير المستقرة من جهة المستقبل، وإتمام الواجبات، والمظهر الحسن أمام الآخرين.

3- النظر إلى ما عند الآخرين من أمور وتصرفات قد نعتبرها نقاط ضعف في حياتهم لأنها لا تعجب مزاجنا.

4- المبالغة في تقييم الذات واعتبار أنفسنا دائماً أفضل من الغير. ولكن لو تقدمنا خطوة أخرى لنتأمل في جواب الرب وتقييمه لرأينا أن الوضع في نظره يختلف تماماً، وأن ترتيب الأفضليات في حسبانه لا يتّفق مع ترتيبنا لها.

”مرثا مرثا، أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة، ولكن الحاجة إلى واحد. فاختارت مريم النصيب الصالح الذي لن يُنْزَع منها“.

فيا ليت كل من يدّعي الإيمان يستطيع أن يرتب اهتمامات حياته بحسب جدول المسيح، وبذلك يختار النصيب الصالح الذي وعد به الرب.

وهذه الأفضليات حسب الكلمة الإلهية هي:

1- الاستماع لكلمة الله وطاعة وصاياه

لقد حسن في عيني المسيح جلوس مريم للاستماع إلى كلامه المبارك والتمتع بالوجود في محضره. والاستماع لكلمة الله مطلوب من كل من يريد أن يعبد الله بالحق لأن الكتاب المقدس من بداية سفر التكوين حتى نهاية سفر الرؤيا يعلن لنا الله كالإله المتكلم وقد أعلن ذلك بقوة في شخص المسيح الذي هو كلمة الله الحية.

في سفر صموئيل الأول الأصحاح 15 يخبرنا الكتاب المقدس عن قصة شاول الملك الذي أمره الرب على لسان النبي صموئيل بأن يحرّم الخطاة عماليق الذين تصاعد شرّهم أمام الله. ولكنه لم يفعل  ذلك بل عفا عن أجاج ملك عماليق وعن خيار الغنم والبقر بحجة أن الشعب ارتأى إبقاءها لتقدَّم ذبائح ومحرقات للرب. ولما جاء صموئيل قال له شاول: ”مبارك أنت للرب. قد أقمت كلام الرب. فقال له صموئيل: وما هو صوت الغنم هذا في أذنيّ وصوت البقر الذي أنا سامع؟... وقال له أيضاً: هل مسرة الرب بالمحرقات والذبائح كما باستماع صوت الرب؟ هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة والإصغاء أفضل من شحم الكباش“.

2- عمل مشيئة الله الكاملة ولو تعارض ذلك مع مصالحنا الوقتية والمادية

ربما يصعب تطبيق هذا الكلام في الوقت الحاضر، ولكن لنعلم أن الله لا يبقي نفسه مديناً لأحد ما يضحي من أجله ويعمل مشيئته بصرف النظر عن مصالحه الشخصية. ويحدثنا الكتاب عن مريم تلك، وبعد جلوسها عند قدمَي يسوع والتشبّع من كلامه، نراها تأتي إليه مرةً أخرى وتكسر قارورة طيب ناردين غالي الثمن وتسكبه على قدميه. وقد كانت تحتفظ بهذا الطيب ليوم فرحها، ولكنها في اعتبار بعض التلاميذ قد أهدرته. أما يسوع فقد حفظه لها حيث قال: ”الحق أقول لكم: حيثما يُكرز بهذا الإنجيل في كل العالم، يُخبر أيضاً بما فعلته هذه تذكاراً لها“.

3- تقييم جميع الأمور وترتيب أفضلياتها حسب الأمور الأبدية أولاً ثم الزمنية

فالنواحي الروحية يجب أن توضع دائماً في رأس قائمة اهتمامنا، لأن اقتناء الكنوز السماوية أفضل من ذخائر الأرض كلها. وكل أمر زمني نهتم به كثيراً في حياتنا يصبح في نظر الرب سيداً علينا أو معبوداً لنا. والعبادة تحقّ للخالق وحده، وجميع الأمور الأخرى التي تتعلق بعائلاتنا، وصحتنا، وراحتنا، وأعمالنا، ومستقبلنا، وتأمين احتياجاتنا، وتسلياتنا، يجب أن نبقي جميعها في مرتبة أدنى من الاهتمامات الروحية.

إن أكبر علل الزمان الحاضر هي أن المسيحيين يأخذون كلام الرب للاستهلاك العابر دون التوقّف عنده والتمعّن فيه، ودون طاعة للكلمة بكل أبعادها ومعانيها. لذلك فنحن نواجه في كل مكان الإيمان الكلامي، والتقوى الظاهرية، وهذا هو سبب ضعفنا وقلة تأثيرنا في العالم المحيط بنا وهو يزداد سوءاً وابتعاداً.

وأمثال مرثا موجودون كثيراً في كنائسنا اليوم. فالكنائس ”المرثاوية“ موجودة حولنا في كل مكان. ولكن قلما نعثر على أمثال مريم المستمعة بشوق ومحبة لكلمة الله!! توجد كنائس كثيرة منظمة مهتمة بالترتيبات، والشكليات، والقوانين الكنسية، ويسوع يقف في أغلبها خارج الباب ويقرع!! وقلّما تجد كنيسة عابدة بعمق، مصلية وجاثية عند قدمي المصلوب، وهذا ينطبق على الأفراد أيضاً.

عزيزي القارئ، هل شعرت يوماً بالحاجة إلى جلسة هادئة عند قدمي يسوع للاستماع إلى ما يحدثك به بالروح القدس؟ إن لم تفعل بعد فاطلب من الله بكل خشوع أن يعطيك هذا الشعور الجميل لتستطيع أن تجرّب تلك الجلسة الرائعة فتسمع كلمات الرب المعزية والمطيِّبة للقلب حيث تجدها مذخرة لأجلك في الكتاب المقدس، وتأخذها سراجاًَ لرجلك، ونوراً لسبيلك، وتعمل بها بكل إخلاص، فتحصل على النصيب الصالح الذي يتحقق بالإيمان العامل بالمحبة، فينيلك مجد السماء الذي لا تستطيع قوة في هذه الأرض أن تنزعه منك أو تحرمك منه.

المجموعة: تشرين الثاني November 2005

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

81 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10553889