تشرين الأول (أكتوبر) 2005
”... لا تقلقوا“ (لوقا 29:12)
أثبتت الإحصائيات أن القلق هو المرض العقلي رقم واحد في أمريكا.
والقلق يعني الشعور بالانزعاج.. الإحساس بالاضطراب.. انشغال البال بالهموم.. النوم القلق الذي عبَّر عنه أيوب بالكلمات: ”إذا اضطجعت أقول متى أقوم. الليل يطول وأشبع قلقاً حتى الصبح“ (أيوب 4:7). ومع أن الرب يسوع أوصانا قائلاً: ”لا تقلقوا“.. مع ذلك فنحن نقلق، نقلق لأسباب لا حصر لها.. أسباب صحية.. أسباب عائلية.. أسباب عاطفية.. أسباب اجتماعية.. وليس هنا مجال الحديث عن كل سبب من هذه الأسباب.. لأن هدف هذه الرسالة هو تقديم العلاج الأكيد للقلق.
مررت منذ وقت قصير بظروف ”أقلقتني“ وحرمتني نومي.. وفي وقت أرقي فكَّرت أن أجد في الكتاب المقدس دواءً أكيداً للقلق ووجدت الدواء.. وجدته بعد أن عرفت أن القلق هو عدم الإيمان.. وسبب خضوعي له هو عدم ثقتي المطلقة في مواعيد الله.. وبدأت تتوارد على ذهني مواعيد الله الأمينة الصادقة التي أزالت قلقي.
الوعد الأول: هو يعتني بي
الآية الأولى التي ذكَّرني بها الروح القدس هي: ”ملقين كل همِّكم عليه لأنه هو يعتني بكم“ (1بطرس 7:5).
وتأملت في حرفين في هذا الوعد ”كل“ و”هو“.. الرب يطالبني أن ألقي ”كل“ همي عليه: الهموم المالية، الهموم الصحية، الهموم العائلية.. كل الهموم بغير استثناء. ووعدني بأنه ”هو“ يعتني بي.
ومن ”هو“؟ هو الرب خالق السموات والأرض والبحر.. هو الرب كلي القدرة.. كلي الحكمة.. كلي القداسة.. هو الذي خلقني.. هو الذي أحبني وأرسل ابنه وبذله كفارة لخطاياي.. هو الإله الأمين في وعوده ”لأن مهما كانت مواعيد الله فهو فيه النعم وفيه الآمين لمجد الله بواسطتنا“ (2كورنثوس 20:1). إذاً فلا بد أن أثق في هذا الوعد الأمين.
مسئوليتي حين يهاجمني القلق أن ألقي كل همي على إلهي.
الوعد الثاني: الرب أحصى شعر رأسي
”وأما أنتم فحتى شعور رؤوسكم جميعها محصاة“ (متى 30:10).
”فاجتمعت... الولاة ومشيرو الملك ورأوا هؤلاء الرجال الذين لم تكن للنار قوة على أجسامهم وشعرة من رؤوسهم لم تحترق“ (دانيال 27:3).
الرب أحصى شعر رأسي؟ لقد كان شعر رأسي غزيراً في صباي، وتساقط الشعر مع الزمن.. ولكن الرب أحصى شعر رأسي، ومعنى هذا أنه يهتم بدقائق حياتي.. وبغير شك إن الذي أحصى شعر رأسي يعتني بأموري الصغيرة والكبيرة، فلا داعي للقلق.
حين يعتريك القلق انظر في المرآة إلى شعر رأسك وقل: إن الذي أحصى شعر رأسي يهتم بحاضري، ومستقبلي.. يهتم بأولادي وبناتي.. يهتم بكل أحوالي.. وعليَّ أن أثق فيه بكل قلبي.
الوعد الثالث: الرب لا ينساني
في خلال أزمة صعبة مر بها داود، صلى إلى الرب قائلاً: ”إلى متى يا رب تنساني كل النسيان“ (مزمور 1:13).. ونقرأ في سفر إشعياء الكلمات: ”وقالت صهيون: قد تركني الرب. وسيدي نسيني. هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها؟ حتى هؤلاء ينسين، وأنا لا أنساكِ. هوذا على كفَّيَّ نقشتكِ“ (إشعياء 14:49-16).
الرب لا ينساني.. ونقش اسمي ليس على كفِّ يدٍ واحدة بل على كفَّيه.. والنقش لا يُمحى بالغسل.
أحياناً ونحن نمر في ظروف صعبة وتجارب محرقة نظن أن الرب نسينا.. ولكنه يردّ علينا قائلاً: ”أنا لا أنساك“.
هذا يكفيني.. ويريحني من القلق راحة تامة.. الرب لا ينساني.
الوعد الرابع: الرب يملأ كل احتياجاتي
”فيملأ إلهي كل احتياجكم بحسب غناه في المجد في المسيح يسوع“ (فيلبي 19:4).
آسف أن أقول أنه كلما زاد دخلي، وارتفع رصيدي في البنك، قلَّت ثقتي في تسديد الله كل احتياجاتي.. هذا الأمر خطية.
والآية فيها هاتين العبارتين: ”كل احتياجكم“، و”بحسب غناه في المجد“.
هو يعرف احتياجنا، ويملأ لا بعض احتياجنا بل كل احتياجنا، ويملأ كل احتياجنا ”بحسب غناه“. فهو يعطي بسخاء لأنه غنيّ ”للرب الأرض وملؤها. المسكونة وكل الساكنين فيها“ (مزمور 1:24). ”لي الفضة ولي الذهب يقول رب الجنود“ (حجي 8:2).
إذا وثقت في هذا الوعد الثمين فالقلق لن يدخل عقلي حين اجتاز ظروفا مالية صعبة.. فقد وعدني - وهو الأمين في مواعيده - أن يملأ كل احتياجي.
الوعد الخامس: الرب إله العصفور الخامس هو إلهي
كرّر الرب مرتين في حديثه لتلاميذه أنهم ”أفضل من عصافير كثيرة“:
في المرة الأولى قال: ”أليس عصفوران يباعان بفلس؟ وواحد منهما لا يسقط على الأرض بدون أبيكم.. فلا تخافوا. أنتم أفضل من عصافير كثيرة“ (متى 29:10 و31).
وفي المرة الثانية قال: ”أليست خمسة عصافير تباع بفلسين، وواحد منها ليس منسياً أمام الله... فلا تخافوا. أنتم أفضل من عصافير كثيرة“ (لوقا 6:12و7).
تأملت هاتين الآيتين.. الآية الأولى تقول: ”أليس عصفوران يباعان بفلس؟“ والآية الثانية تقول: ”أليست خمسة عصافير تباع بفلسين؟“ الحساب يقول أنه إذا كان عصفوران يباعان بفلس، فالفلسان يشتريان أربعة عصافير.. لكن الرب يقول إن الفلسين يشتريان خمسة عصافير.. هذا يعني أن العصفور الخامس لا قيمة له.
لكن في الآية الأولى أكد الرب أن الآب يهتم بالعصافير، وأن العصفور الواحد لا يسقط على الأرض بدون إذنه.. وفي الآية الثانية أعلن الرب أن العصفور الخامس الذي بلا قيمة عند بائعه ليس منسياً أمام الله.. وفي كل مرة قال الرب: ”أنتم أفضل من عصافير كثيرة“.
قلت: الإله الذي يعتني بالعصافير كل هذه العناية، لا شك أنه يعتني بي عناية خاصة.. ”أنا أفضل من عصافير كثيرة. وعلى هذا فلا بد أن أرفض القلق وأستريح على عناية إله العصفور الخامس.
الوعد السادس: الرب رفيقي في رحلة حياتي
”هكذا يقول الرب خالقك.. لا تخف لأني فديتك. دعوتك باسمك، أنت لي. إذا اجتزت في المياه فأنا معك، وفي الأنهار فلا تغمرك. إذا مشيت في النار فلا تُلذع واللهيب لا يحرقك. لأني أنا الرب إلهك“ (إشعياء 1:43-3).
”أيضاً إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شراً لأنك أنت معي“ (مز 4:23).
الرب رفيقي في رحلة حياتي.. ورفقته لي لا تمنع اجتيازي في مياه التجارب والآلام، ولا في دخولي نار الأمراض والكوارث، لأنه في كل هذه الظروف يقول لي: ”دعوتك باسمك. أنت لي... أنا معك“ وليس لي أن أسأل لماذا لا يحفظني الرب من اجتياز المياه واللهيب؟ الأمر المريح والمعزي لقلبي أن الرب نفسه يدخل معي في المياه، وفي النار واللهيب.. فالمياه لا تغمرني.. واللهيب لا يحرقني.
هذا الوعد الثمين يكفيني لإزالة قلقي.
الوعد السابع: الرب إله كل عمري
”اسمعوا لي.. المحمَّلين عليَّ من البطن، المحمولين من الرحم. وإلى الشيخوخة أنا هو، وإلى الشيبة أنا أحمل. قد فعلت، وأنا أرفع، وأنا أحمل وأنجي“ (إشعياء 3:46و4).
رفع كاتب المزمور هذه الصلاة: ”لا ترفضني في زمن الشيخوخة. لا تتركني عند فناء قوتي... وأيضاً إلى الشيخوخة والشيب يا الله لا تتركني، حتى أخبر بذراعك الجيل المقبل وبقوتك كل آت“ (مزمور 9:71 و18). والرب يرد على كاتب المزمور بكلماته الثمينة: ”إلى الشيخوخة أنا هو، وإلى الشيبة أنا أحمل“.
عندما ولدت في 23 يوليو 1920 خرجت من رحم أمي دون صراخ. وظنت القابلة أنني ميت، فلفتني في ملابس ووضعتني تحت صوان كان بالغرفة.. في ذلك الوقت دخل أبي البيت، ورأى الوجوم على وجوه من فيه، واندفع إلى حجرة أمي، وقالت له القابلة: ”الطفل ميت، لكنك وزوجتك ما زلتما في سن الشباب، وليعطك الله غيره.. وصرخ أبي في وجهها: ”أين الطفل؟“ وأخرجتني القابلة من حيث كنت، وفتح أبي الملابس التي لفتني بها. وعمل لي أشياء كان يعرفها.. وفجأة دوى صراخي في الغرفة.
كان الرب هناك في 23 يوليو 1920، وحملني من البطن، وحفظني كل سني عمري، وها أنا قد وصلت إلى الشيخوخة، وسيرعاني الرب إلى آخر عمري“. ومعروف أننا في الشيخوخة المتأخرة نصير أطفالاً نحتاج إلى من يحملنا، والرب يقول لنا: ”إلى الشيخوخة أنا هو وإلى الشيبة أنا أحمل“، هو إله العمر كله. حملني من المهد وسيحملني إلى اللحد.
فوداعاً أيها القلق.. اخرُجْ من عقلي.. فمن له هذه المواعيد العظمى والثمينة.. ومن يضع ثقته الكاملة فيها.. لا مكان للقلق في عقله، بل هناك سلام كامل.
”ذو الرأي الممكَّن تحفظه سالماً سالماً لأنه عليك متوكل“ (إشعياء 3:26).